19 ديسمبر، 2024 12:52 م

الأخطاء في الموازنة الاتحادية لعام 2015 ومقترحات معالجتها( 5ـ إهمال عناصر الإنتاج المحلي )( 5 ــ 6 )

الأخطاء في الموازنة الاتحادية لعام 2015 ومقترحات معالجتها( 5ـ إهمال عناصر الإنتاج المحلي )( 5 ــ 6 )

من المعروف إن عناصر الإنتاج الأساسية ( المدخلات ) هي أربعة ( العمل والأرض والإدارة ورأس المال ) , وقد شهدت هذه العناصر ضغطا شديدا خلال السنوات الماضية مقابل الإنفتاح التام على الأستيراد , وكنا نتوقع تصحيح الوضع في الحكومة الجديدة ولكن موازنة عام 2015 جاءت لتقضي على آمال المنتجين والعمال في قطاعات الأقتصاد المحلي من زراعة وصناعة وسياحة وخدمات , حيث تكررت تصريحات المسؤولين الحكوميين بأن المبادرات والقروض البسيطة التي كانت توفر الحد الأدنى من متطلبات الصمود والإستمرار لقطاع الإنتاج المحلي قد ذهبت أدراج الرياح , لأن الموازنة الجديدة لا تتضمن أي دعم للمبادرات الزراعية أو الصناعية أو الإسكانية أو التعليمية ولاتتضمن أية تسهيلات أو قروض إضافية , بل أن البلد بالكامل متجه نحو سياسة إنكماشيـــــة فــــــــي الجانبين المالي والنقدي .

لقد صدعت وزارة التخطيط رؤوس العراقيين بالإدعاء ( الفارغ ) بأن مستوى التضخم في العراق مستقر جدا , وأنه لا توجد زيادات في مستوى الرقم القياسي لأسعار المستهلك CPI , وفي الوقت الذي يجد العراقي نفسه وسط إرتفاع خيالي في أسعار العقارات ( السكن ) بأكثر من مائة ضعف وأرتفاع أسعار الوقود ( الطاقة ) بأكثر من ( 50 ) ضعف وإنعكاس ذلك على جميع السلع والخدمات التي تتأثر بهاتين السلعتين , وعلى العراقيين أن يصدقوا وزارة التخطيط ويكذبوا مايرونه في الحياة الواقعية , والثابت ان التضخم في العراق هو تضخم كلفة وليس ناتج عن زيادة الطلب الكلي وبالتالي فهو تضخم مفتعل , حيث إن رفع أسعار الوقود والعقارات كان مقصودا لأنه أدى الى الإرتفاع العام في جميع أسعار السلع والخدمات وحرمان قطاع الإنتاج المحلي من أية قدرات تنافسية , وتحول النمط الإستهلاكي نحو السلع المستوردة رخيصة الثمن وأدى ذلك الى زيادة عدد العاطلين وسعيهم نحو التوظيف في دوائر الدولة لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة , والآن تأتي موازنـــــــة عام 2015 بحلول بائسة وعقيمة وبما يؤدي الى غلق الابواب أمام التعيين الحكومي ومن دون أن يفتح أي باب لتفعيل الإنتاج المحلي , ومن دون أن يسأل أحد المسؤولين نفسه الى أين يلجأ العاطلون عن العمــــــــــل ؟ .

وفي الوقت الحاضر , أغلب عناصر الأنتاج المحلي معطلة عن العمل , وسوف يتوقف عمل العناصر الباقية بسبب الإنخفاض الذي سيحصل في السلع المستوردة خصوصا من الصين وتركيا لإنخفاض أسعار النفط , وكان من المفروض بالموازنة أن تعالج ذلك ولكنها أهملته بشكل غير منطقي , ويواجه العراقيون حاليا ضغوطا مؤلمة , فالقوى العاملة تتعرض الى الإرتفاع المضطرد في كلف المعيشة وخصوصا السكن والوقود والنقل وقلة فرص العمل وتزايد البطالة , إضافة الى المشاكل الناتجة عن الوضع الأمني الحالي المتمثل بتزايد أعداد النازحين والمهجرين وفقدانهم لفرص العمل ومصادر الدخل , وتواجه الإدارات العراقية وضعا مزريا , فالقطاع المختلط الذي كان ينتج مختلف السلع الأساسية للمواطن العراقي قد أنهار ولا يجد أي دعم من الدولة , بل وحتى الشركات التي تتعامل بمنتجات محلية مثل التمور والتسويق الزراعي واللحوم , أصبحت فريسة لغزو السلع المستوردة بينما تذهب المنتجات المحلية الـــــــى التلف .

وحال القطاع الخاص لايختلف عن حال القطاع المختلط , حيث توقف نشاط التصليح والصيانة وكذلك نشاط الخياطة والألبسة والأحذية والجلود والنسيج وأعمال الأنشاء والبناء والكثير من الأنشطة الصناعية والزراعية وإنتاج الدواجن واللحوم , وتعرضت الخدمات المحلية الى التدهور خصوصا في مجال الطب والتربية والسياحـــــــــة الداخلية , ولم يتبقى من هذه النشاطات فاعلا سوى ( التاكسيات ) والمحلات التجارية والبسطيات , والتي أصبحت أكثر من الهم على القلب وأصبحت نشاطا غير كافي لتغطية تكاليف المعيشة بسبب كثرة العاملين فيها فعددهم أكثر من الحاجة لأنعدام فرص العمل الأخرى , أما رأس المال فقد تعرض الى إنتكاسة خطيرة بسبب الموازنات السابقة وجاءت الموازنة الجديدة لتزيد الطين بلة , حيث أصبح على المستثمر تدبير رأسماله بنفسه وبذلك تم فقدان التمييز بين مصطلحي رجل الأعمال Business man ( صانع النشاط ) وبين رجل الأموال Money man (صانع التمويل ) , وإذا أراد رجل الأعمال الحصول على تمويل بقرض فأنه يواجه صعوبة بالغة وحتى أذا حصل عليه فأن الفائدة عليه ستكون كبيرة جدا , ومن نافلة القول بأن أغلب الأراضي اللازمة لإقامة مشاريع الإنتاج المحلي هي ملك الدولة , وأن الحصول عليها يستلزم إجراءات معقدة وتكاليف كبيرة وغالبا مايتم الحصول عليها بطريقة المساطحة سيئة النتائج وبالتالي يفقد المستثمر إستفادته من العائد الرأسمالي Capital gain وينقل كلفة البناء والتشييد على سعر السلعة المنتجة فتصبح غير إقتصادية وبالتالي أما يخســـــر أو يصرف النظر عـــــن الأستثمار .

لقد هرب الكثير من الصناعيين العراقيين الى الدول المجاورة والقريبة أو الى الصين وأقاموا فيها معاملا لإنتاج السلع التي تغزو السوق العراقية بسبب التسهيلات التي تقدمها تلك الدول للمنتجين , ولكن تأثير ذلك كان مدمرا على مستوى الأمن المحلي وخصوصا في مجال تشغيل العاطلين وتقليل مستوى الفقر , وعموما تعاني عناصر الإنتاج المحلي من إرتفاع التكاليف الناتجة عن التمويل والفوائد والإيجارات ومصاريف التشغيل خصوصا الطاقة وكلف الوضع الأمني والمخاطرة , وهذا أدى الى إرتفاع أسعار المنتوج المحلي وسوء نوعيته مما أفقده القدرة على المنافسة تجاه السلع المستوردة , والغريب في الموضوع أن الحكومات السابقة تتنصل عن مسؤوليتها وتطالب المنتج المحلي ببذل الجهود كي ينافس السلع المستوردة وكأن هذه الجهود في متناول يد المنتج العراقي المسكين وهناك دول وكارتلات ضخمة تقف وراء إغراق السوق المحلية بالسلع المستوردة , وقد كثرت المطالبات من الإتحادات الصناعية والزراعية ونقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني بضرورة دعم الإنتاج المحلي وتوفير الأمكانات والدعم المطلوب لمواجهة إغراق السوق بالسلع المستوردة ولكن هذه المطالبات لم تجد أذنا صاغية , وقد خرج علينا بعض المسؤولين الحكوميين بفكرة غريبة هي أستقطاع نسبة 1% من مقدار الموازنة كل عام لتكوين صندوق لدعم الإنتاج المحلي , وعلى العراقيين الأنتظار عشرات السنين في حالة من الفقر والبطالة حتى يتوفر المال اللازم لتشغيل عناصر الإنتاج المحلي .

أن الفقر هو سبب رئيسي لأنهيار الوضع الأمني وكذلك البطالة وضعف مستوى التنمية البشرية , وأن العامل الأساسي لإنهاء ذلك هو تنمية قطاع الإنتاج المحلي , وهذه التنمية تحتاج الى صندوق برأسمال ضخم يتم البدء به فورا بالتزامن مع اجراءات فاعلة لمضايقة السلع المستوردة , وأولى الخطوات التي يجب أن تتخذ في هذا المجال هي تنمية القطاع المختلط وإعادته لوضعه السابق بالتزامن مع تنمية القطاع الخاص وفي المجالات كافة , والخطوة الثانية هي القيام بحملة وطنية لبناء أكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية من قبل المواطنين بتسليف مجزي وبفوائد بسيطة جدا , علما بأن هذه الحملة لن تكلف ميزان المدفوعات العراقي أكثر من ثلاثة مليارات دولار بالعملة الأجنبية تغطية قيمة المواد الإنشائية المستوردة , ولكنها سوف توفر الملايين من فرص العمل للعاطلين وتؤدي لتشغيل جميع مفاصل الإقتصاد الوطني وترفع من الروح المعنوية للشعب وتسهم في تخفيض أسعار العقارات التي وصلت الى أرقام خيالية , والخطوة الثالثة هم دعم كل إنتاج محلي يستخدم مواد محلية , أو يشغل عمال عراقيين وهذا الدعم يأخذ أشكالا عدة في مقدمتها تخفيض كلف الطاقة وأسعار الوقود , وجميع هذه الأمور تجاهلتها موازنة عام 2015 , لذا سنقدم في الحلقة القادمة والأخيرة الحلول لهذه المشاكل من خلال إجراء التعديلات المطلوبة على مشروع الموازنة , ونأمل من السادة المسؤولين قراءة هذه التعديلات على الرغم من معرفتنا بكثرة مشاغلهم وألتزاماتهم التي لاتترك لهم الوقت الكافي للقراءة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات