بات العراقيون اليوم، فريسة الاعلام واجنداته، والتحولات في المواقف، التي جعلت من البلاد، كالسكران المتخبط من تيهٍ الى تيه، فلا المواطن يجد ضالته باعلام نظيف مسؤول قادر على اداء الامانة، وايصال الصوت، دون مقابل، ولا القائمين على المحتوى الاعلامي في المرئي والمسموع والمكتوب (صحافة وانترنت)، يعون المخاطر الجسيمة التي وضعت تحت مشرطها البلاد ومواطنيها، فسقطت مدن جراء “الخيانة الاعلامية”، التي دبرت لتكون هي الرمح الاول، والرصاصة الاولى، في الجسد العراقي، قبل ان تتناهش ذئاب “داعش” الموصل الحدباء، أم الرماح العوالي، على مرّ الزمن، ولاننا “غسلنا” ايدينا من اعلام رجال الاعمال المقيمين في الاردن واليمن ومصر، كخميس الخنجر واكرم زنكنة، وطارق خلف العبدالله، وغيرهم من اصحاب الاموال المتفرعنة، والتي توجّه الرأي العام نحو مصالحها، على حساب مصلحة البلاد التي تحترق جرّاء نيرانهم، فتلك القنوات التي يموّلها هولاء، هي المسؤولة عن تقوية شوكة “داعش”، وحرمان الناس من مساكنهم، وتهجيرهم، وترويعهم، ومقتلهم، لكونها، تلعب على الانتماء الطائفي المقيت، وتدفع الناس ليكونوا حطب محرقة كبيرة، حتى تتحقق مصالح دول وحكومات ورجال اعمال متنفذين.
المستغرب ان ثمة وسائل اعلام تحتسب ضمن الخط الوطني، وضمن الحرب المشرّفة للحرب على الارهاب، وتدافع عن العملية السياسية، ورغم كل المؤاخذات على عملها، الا انها تمثل نبض الناس، لكن بعضها بات ينتج خطاباً مشبوهاً، وكأنها تتناغم مع فضائيات الفتنة، التي تختلق اوهاما، وتصدرها للجمهور على انها حقائق، او تقف موقفاً مريباً من قضايا مصيرية، ما يجعلها سكين خاصرة.
اثر صدمة سقوط الموصل في (10 حزيران 2014)، كانت الهجمة الاعلامية اخطر من العسكرية، لكونها قادت الى تضخيم قدرات الارهابيين، وتصويرهم كمقاتلين خرافيين، لا يقهرون، والمدن تسقط بأيديهم واحدة تلو الاخرى، والاخطر من تلك الحملة التي قادتها قنوات معروفة باصطفافها مع قتلة العراقيين، هي ان يروّج الاعلام “الوطني” لما يريد ان يرسخه الاعلام “الداعشي”، ولعل ما جاء على قناة الفيحاء من اداء اعلامي، كان محط صدمة اعادت لحظة سقوط الموصل مجدداً، بذات القوة.
قادني بحثي عن مواد اعلامية لدراسة اقوم بكتابتها عن السلوك الاعلامي واثره على المجتمعات التي تعاني من العنف، العثور على مواد مسجلة متفرقة، على اليوتيوب، الفيسبوك، هواتف نقالة، تسجيلات وضعها اصدقاء يعملون في مؤسسات اعلامية، تحت تصرفي، تخص قنوات ومنها “قناة الفيحاء”، ومنها حديث لمالك ومدير القناة، محمد الطائي، الذي استضيف بوصفه نائباً عن التحالف الوطني (كتلة المواطن)، في برنامج مباشر بُث عقب يوم واحد من “سقوط الموصل” في يوم (11 حزيران 2014)، مع لقاء عبر الهاتف مع شخص عرّف نفّسه على انه احد شيوخ عشائر شمّر، والذي نفى جملة وتفصيلاً ان تكون “داعش” هي من اسقطت الموصل،
بل ان ما حصل هو “انتفاضة شعبية” ضد الحكومة والجيش والاجهزة الامنية، من قبل اهالي المدينة التي “لا يوجد بها دواعش عرب او غير عرب”، وتعليقاً على حديث “ابو عكاب” يُعلق الطائي: “يجب ان نعترف بذلك، على الحكومة ان تعترف، فالمشاهد التي رأيناها ان قواتنا تنهزم، كانت صحيحة، والناس كانت ردات فعلهم ايجابية تجاه داعش، واتفق مع الشيخ بأن الناس كما رأيت في الافلام التي دققت فيها، كانت ترمي على الجيش والقوات الامنية القمامة والطابوق، وهم نفس الناس يرحبون بقوات ملثمة لا استطيع ان اجزم بأنهم داعش”، ماذا يعني هذا الحديث والموقف، سوى ان الطائي متساوق مع الاعلام الداعشي.
يعود مقدم البرنامج، ليؤكد موقف صاحب القناة بالقول: “بعد قليل ساعرض لكم تسجيل فيديو لترحيب الاهالي بقوات داعش”، وفعلا نشرت قناة الفيحاء فيديوهات للدواعش وهم يحرقون مقار الجيش والشرطة، ويسرقون المعدات، واقتحام حسينية وتفجيرها، فابرزت القناة قوة التنظيم الارهابي، وقدمت له خدمة بالترويج لافعاله المشينة.
ثم عادت القناة بتاريخ 11 حزيران، أي بعد يوم من سقوط الموصل، لتظهر اشخاصا يرتدون ملابس مدنية رثة في كركوك، على انهم جنود منهزمون من مواجهة “داعش” يطالبون افراد الجيش العراقي بترك السلاح وعدم مقاتلة “داعش” وعصيان الاوامر العسكرية، تحت طائلة انهم يدافعون عن الحكومة العراقية، ولا يدافعون عن الوطن، وبما ان الوطن سقط بيد “داعش” فلا حاجة للقتال! فأي منطق اعلامي هذا، أي وقاحة وصلافة يدير بها محمد الطائي قناة الفيحاء!
2
كثيرا ما تشدق محمد الطائي وقناة الفيحاء، بأنهما يحابون الارهاب منذ 10 اعوام، وان الطائي ساق لنفسه رواية هوليودية عن مشاركته في الانتفاضة الشعبانية المباركة، وتعرض الى الاضطهاد وهرب الى خارج العراق، لكن كيف جمع الطائي ثرّوته، وكوّن مؤسسة كبيرة كالفيحاء، بمقرات في السليمانية والبصرة والنجف وبغداد، ومعدات الانتاج التلفزيوني والبث والاستديوهات تكلف ثروة طائلة، والبقاء على قيد البث، يكلف ثروة اكبر، هل ثمة اسرار لا يعرفها الناس!
ما علاقة الطائي برجال اعمال خليجيين كبار، وكيف اقام في الشارقة، ومن هناك بدأت الفيحاء عملها لمدة سنتين، عقب توقيعها عقدا مع مدينة دبي للاعلام، لكن القناة كانت تبث من الشارقة وتحديداً من ستديوهات قناة الشارقة، انتقلت بعدها القناة الى السليمانية، وهنا بدأت سلسلة الفضائح الاخلاقية للقناة وصاحبها، وهو ما موثق على اليوتيوب، من مساومات الطائي المصوّرة للمذيعات ومقدمات البرامج بممارسة الجنس، الى المقطع الشهير لمقدمتي برامج “نور” و”شهد”، لتأتي آخر الكوارث، بطرد عدد كبير من العاملين في الفيحاء، من مكاتب بغداد ومحافظات اخرى، ممن عملوا لسنوات طويلة، بحجة نقص التمويل، قبل ايام، بعد ان امتنع الطائي الذي يدافع عن حقوق الانسان وحرية الاعلام، بوصفه نائباً لرئيس لجنة الثقافة والاعلام النيابية، وهو ما كشفته الاعلامية العراقية القديرة انعام عبد المجيد، والتظاهرة التي جرت في شارع المتنبي من قبل الصحفيين المطرودين، وبالنص انقل ما كتبته الاعلامية عبد المجيد:
“نحن براء مما يدعيه محمد الطائي وانقلابه، لان سلطته اظهرته على حقيقته، وتنكره لتفاني العاملين في الفيحاء، وانهاء خدماتهم دون وجه حق، ولينفرد بالمحطة لمصلحته الشخصية”، فهل هناك من يُكذب كلام اعلامية معروفة كانعام عبد المجيد، وعلى صفحتها الشخصية في فيسبوك؟ هذه حقائق عمن يدافع عن الناس، ويروّج لنفسه.