في عام 2011 إشتد الصراع بين السيدين صفاء ربيع وعلي الخويلدي من جهة والسيد برهان الشاوي من جهة أخرى. أصبح الصراع كبيرا جدا وخطيرا أيضا وقد تحول الضرب إلى تحت الحزام، وكيف لا يكون الأمر كذلك والملك عقيم حسب تعبير هارون الرشيد لولده المأمون ولو نازعه فيه صاحب هذا القبر وأشار بيده إلى قبر رسول الله (ص) لأخذ الذي فيه عينيه أي يقطع رأسه. سبق لعدد من أعضاء مجلس الأمناء وكنت منهم أن حاولوا التوسط بين الطرفين لكن دون جدوى. كذلك كانت هناك محاولة من عدد من أعضاء مجلس الأمناء وكنت منهم أيضا بتغير إدارة الهيئة التنفيذية لعدم كفائتها ولانهاء الصراع وكتبنا بذلك إلى مكتب السيد رئيس الوزراء ولكن دون نتيجة تذكر. كان ذلك الصراع ينعكس بشدة على أوضاع الهيئة وأجوائها العامة التي كان يسودها التوتر والقلق وكان الأمناء الأخرين يقفون على خط الوسط حائرين مكتوفي الأيدي لا يعرفون حتى عن طبيعة المعركة السرية الجارية بين الطرفين وأدواتها التي تشعبت ودخلت مستويات خطيرة.
في هذه الأثناء وفي إحدى الليالي من الشهر التاسع من عام 2011 جائني إتصال هاتفي من السيد برهان الشاوي ليخبرني بانه يتصل من دبي التي وصلها في تلك الليلة في طريقه الى المانيا للعلاج وانه أصدر أمرا إداريا بتوكيلي مديرا عاما تنفيذيا للهيئة لحين عودته. إعتذرت له عن ذلك ورجوته أن يجد وكيلا غيري لان الأوضاع حساسة وصعبة وأن السادة صفاء ربيع وعلي الخويلدي صعبين جدا ولا أريد أن أكون في وسط المعركة بين الطرفين. قال إنه الآن في دبي وقد صدر الأمر الإداري ولا يوجد خيار آخر ولذلك كنت أمام الأمر الواقع من باب مجبر أخاك لا بطل.
في اليوم التالي توليت مسؤوليتي للمرة الثانية مديرا عاما تنفيذيا بالوكالة وباشرت عملي في إدارة الهيئة وتصريف شؤونها وعلى طريقة إدارتي الأولى التي يشهد لها أغلب موظفي الهيئة والعاملين فيها بانها كانت ناجحة. في اليوم الأول لمباشرتي عملي دعى السيد صفاء ربيع بصفته رئيس مجلس الأمناء إلى إجتماع لمجلس الأمناء. حضرت الإجتماع بصفتي عضوا في المجلس وكان محور الإجتماع إجازة السيد برهان الشاوي وعما إذا كانت قانونية أو لا؟ وهل أن وكالتي في إدارة الهيئة بالوكالة قانونية وشرعية أو لا؟ وهل يحق لي أن أكون على أساس ذلك مديرا عاما تنفيذيا بالوكالة أو لا؟ طرح السادة صفاء ربيع وعلي الخويلدي كل إشكالاتهم في هذا الاجتماع وكنت أنا شخصيا آخر المتحدثين. قلت للحاضرين بان عضو مجلس الأمناء السيد سركوت نامق أصبح مديرا عاما بالوكالة بهذه الطريقة وأصبح عضو مجلس الأمناء السيد جاسم اللامي مديرا عاما بالوكالة بهذه الطريقة كما أصبح رئيس مجلس الأمناء السيد صفاء ربيع مديرا عاما بالوكالة ولعدة مرات أيضا وبهذه الطريقة، فلماذا كانت كل تلك الوكالات قانونية وشرعية ووكالتي هذه غير قانونية وغير شرعية؟ كان المستشار القانوني لمجلس الأمناء السيد طارق زاير العبودي رحمه الله تعالى حاضرا في الاجتماع وقد قدم استشارة قانونية أكد فيها على أن وكالتي قانونية وطبيعية وغير مجروحة ومن واجبي الوظيفي والقانوني أن أعمل بهذه الوكالة وأمارس مهمتي مديرا عاما تنفيذيا بالوكالة. كنت أتوقع أن يقطع هذا الإجتماع الشك باليقين وأن ينتهي السيد صفاء ربيع من هذه الطريقة وأن نتعاون زملاء وأخوة واصدقاء على أداء هذه المهمة بالتعاون والتنسيق بين الإدارة التنفيذية وكالة ومجلس الأمناء الذي يرأسه. لكن يبدو أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن فالسيد صفاء ربيع الذي لم يحصل على قرار قانوني بنقض وكالتي كان لا يبدو عليه أي نوع من التراجع أو المرونة و الإعتدال. بدا السيد صفاء ربيع متوترا جدا وعدواني يتضح ذلك من الكتب الرسمية التي أخذ يوجهها لي بصفتي وكيلا للمدير العام التنفيذي وقد وجه من هذه الكتب بأيام مالم يوجهه للسيد برهان الشاوي فيما يقرب من ثلاث سنوات. بعث لي بكتاب رسمي يشكك فيه بوكالتي وصلاحياتي في إدارة الهيئة بالوكالة وأخرى يسأل فيها عن إجازة برهان الشاوي ومدتها ومتى تنتهي. ثم أنه أخذ يتذكر كل أعمل الهيئة المتأخرة والغير منجزة وأخذ يسألني عنها وعن أسباب التلكأ في تنفيذها علما أني وكيل مدير عام تنفيذي لفترة محدودة وتوليت مهمتي من أيام محدودة وهو يعرف أني غير مسؤول عن ذلك لا من قريب ولا من بعيد. لقد سألني في هذه الكتب عن ترددات الجيل الثالث ولماذا لم يتم منحها لحد الآن رغم تأكيد مجلس الأمناء على ذلك وعن أجهزة فحص جودة الخدمة ولماذا لم يتم التعاقد عليها حتى ذلك الوقت وعن الـ ( سي . دي . آر) لحساب عوائد الهيئة من حصصها التنظيمية مع شركات الهواتف الجوالة وغيرها من الأعمال غير المنجزة في الهيئة وكأنني أنا الذي كنت مسؤولا عن ذلك أوكأنني أيضا لم أكن عضوا في مجلس الأمناء ومن الذين كانوا مشخصين لكل هذا التلكوء والفشل في عمل الهيئة. ومن المفارقات الغريبة ان كل هذا التلكوء والفشل الذي سألني عنه السيد صفاء في كتبه الرسمية هذه استمر في الهيئة حتى يومنا هذا مع ان السيد ربيع تولى إدارة الهيئة بعد إقالة السيد برهان الشاوي حيث أصبح مديرها العام التنفيذي ورئيس مجلس أمنائها في الهيئة ومديرها العام. ومع ذلك ومن عام 2011 وحتى هذا العام 2015 لم يجري استخدام تطبيقات الجيل الثالث وتردداتها في العراق ولم توفر الهيئة حتى الآن اجهزة فحص جودة الخدمة ولا غيرها الكثير من الأعمال والمهام. ومن الكتب التي كان قد بعثها لي السيد صفاء ربيع في تلك الفترة كتاب (سري وعاجل) يطلب فيه فتح تحقيق في اخبار تقول بنقل صناديق من الوثائق الرسمية وتسريبها الى خارج الهيئة من قبل حماية السيد برهان الشاوي. كنت أعرف ان هذه الإدعاءات غير صحيحة، وبما أن صلاحياتي لم تكن تسمح لي بفتح مجالس تحقيقية حيث استثنى الأمر الإداري ذلك من الصلاحيات فقد (همشت) على كتاب السيد ربيع باني لا استطيع فتح تحقيق في الأمر لان لجان التحقيق ليست من صلاحياتي وعاد الكتاب إليه في سياق المخاطبات الإصولية. مساء اليوم الثاني كانت المفاجئة صادمة عندما جائني اتصال من احد الأصدقاء يخبرني بان كتاب رسمي من الهيئة بتهميشي منشور على موقع ( شط العرب) الالكتروني. دخلت على الموقع فوجدت الكتاب كما قال لي الصديق.
كثيرة هي القصص المؤلمة التي ما كان لها أن تقع في هيئة مثل هيئة الاعلام والإتصالات. في أحد الأيام جائني المهندس فان أرتشيفيان وهو كان من المهندسين الجيدين في دائرة الترددات جاء ليشتكي من ضياع كتاب رسمي فُقد من على مكتبه وهو كتاب سبق وأن همشت عليه أنا شخصيا وأحلته الى دائرة الترددات. لقد تم سرقت الكتاب لذلك قلت له يا مهندس فان لا تقلق فانا اعرف من سرق الكتاب ومن وجهه إلى ذلك ولماذا؟
يقول أحد أعضاء مجلس الأمناء أنه تحدث مع السيدين صفاء ربيع وعلي الخويلدي وقال لهم لماذا لا تدعون علي الأوسي لماذا لا تتركوه وشأنه (فهو خوش يشتغل). يقول كان جواب السيد علي الخويلدي (لا اذا عفنا راح يثبت بمكانه) يعني (راح يبقى مدير عام تنفيذي وكالة).
لم تخرجنا الصعاب والعقبات والعراقيل عن جادتنا في عملنا اليومي أو إبعادنا عن أهدافنا وانما تابعنا ادارة الهيئة بجد وصبر واجتهاد لغرض المحافظة على موقعها وتماسكها في ظروف صعبة وحرجة للغاية.
كانت لشركات النفط العاملة بالعراق حاجة ماسة للحصول على الترددات اللازمة لاعمالها من الهيئة. ورغم أن خبز العراقيين اليومي هو من انتاج النفط إلا أن محاولات هذه الشركات كانت تتعرض للتسويف والممطالة والعرقلة داخل الهيئة وقد تستمر جهود هذه الشركات لاكثر من عام دون الحصول على هذه الترددات. جائني ممثل شركة لوك أويل الروسية وتحدث عن معاناته مع الهيئة وخصوصا مع دائرة الترددات والعقبات والعراقيل التي توضع دون الحصول على الترددات اللازمة لاعمالهم. وفي تلك الفترة من وكالتي الثانية في ادارة الهيئة كانت شركة برتش بتروليوم البريطانية (بي بي) تحاول ايضا ومن فترة غير قصيرة الحصول على ترددات من الهيئة أيضا. في هذه الأجواء من نشاط الشركات النفطية أتذكر جيدا أن صادف أن تلاقينا وجها لوجه في مكتب سكرتارية مجلس الأمناء أنا والسيد صفاء ربيع، وعلى عادته رمى السيد صفاء بملاحظة وكأنها عابرة حيث قال ما معناه ( شنو اشعده شركات النفط هالايام تتحرك على الترددات، دير بالك تره أبو محمد الغرباوي كان يشتغل بالنفط). لم اتوقف عند هذه الإيحاءات فانا اعرف إنها مثبطات وجزء من عملية عرقلة منح الترددات. أمسكت بالموضوع حتى استطعت أن استحصل لشركة (بي بي) على بعض من تردداتها لاعمالها في حقل جنوب القرنة. إن موارد العراق وخبز العراقيين ورواتب العراقيين في ذلك الوقت وحتى في الوقت الحاضر هو من إنتاج نفط حقل جنوب الرميلة والذي يبلغ 1.5 مليون برميل نفط يوميا فلمصلحة من إذا عرقلة أعمال شركات النفط وعرقلة منحها الترددات اللازمة لاعمالها؟ بالمناسبة في هذا السياق أيضا ، سياق عرقلة منح تراخيص الترددات لشركات النفط كانت شركة (أكسون موبيل) قد وجهت قبل فترة قصيرة جدا رسالة إلى بعض المهتمين بشؤون الاتصالات في العراق تشكو فيها من عدم تمكنها من الحصول على الترددات اللازمة لعملها وتقول (ألا يوجد في هذا البلد من يعمل لمصلحته؟) طبعا عبارة شديدة وقاسية جدا.
كنا منخرطين في عملنا فيما كانت المعركة محتدمة جدا بين السيدين صفاء ربيع وعلي الخويلدي من جهة والسيد برهان الشاوي من جهة أخرى والتي إمتدت إلى أروقة مجلس النواب ومكتب رئيس الوزراء وكان وقعها وصداها يتردد بشدة داخل الهيئة وبين الموظفين. كان العاملون والموظفون في الهيئة مشغولين بمتابعة الشائعات والاخبار الخاصة بهذه الحرب الضروس، لا سيما ما يتعلق منها باحتمالات إقالة هذا أو عزل ذاك. كانت مهمتي صعبة والعمل غير عادي في مثل هذه الظروف، كان من اهدافي هو أن أُبعد الهيئة وموظفيها عن هذه الأجواء وان احقق نوعا من الهدوء والاستقرار في الهيئة.
بعد أن نجحت في منح شركة (بي بي) بعضا من تردداتها وجدتها فرصة مناسبة للحديث مع كافة العاملين في الهيئة. دعوت في صباح أحد الأيام إلى إجتماع لكافة العاملين والموظفين في الهيئة في قاعة الإجتماعات في الطابق تحت الأرضي في الساعة الثانية عشر ظهرا على ما اعتقد وهذا في تصوري ربما تقليد جديد في عمر الهيئة. كما يعرفني العاملون في الهيئة فاني اتحرك داخل الهيئة أو خارجها دون جعجعة أو قرقعة أو موكب ، في الوقت المقرر نزلت الى قاعة الإجتماعات وجدت الموظفين والعاملين جميعهم تقربا الا من تقتضي ظروف عمله عدم القدرة على الحضور. كنت أتوقع أن هذا الحضور ربما كان يتوقع أن اتحدث عن معركة السيطرة والنفوذ على الهيئة وتداعياتها وموقفي من ذلك لا سيما وقد شاع في حينها في الهيئة عمليات جمع التواقيع في تأييد أو رفض هذا الطرف أو ذاك. وقفت أمام الحضور مباشرة وجها لوجه وقد جعلت المنصة خلف ظهري. وبعد التحية والسلام تحدثت عن الهيئة واهميتها وخطورتها في حقلي الاتصالات والاعلام. وكمثال على ذلك ذكرت لهم مسألة حاجة شركات النفط الى الترددات وكيف أن منح هذه الترددات من واجبات الهيئة واعمالها. وبهذا الصدد قلت إن الهيئة منحت يوم أمس شركة (بي بي) النفطية الترددات اللازمة لعملها في حقل جنوب الرميلة. وأشرت إلى ان حقل جنوب الرميلة ينتج 1.5 مليون برميل من النفط في اليوم يشكل مصدر أغلب عائدات العراق المالية وموارده وقلت وهنا بيت القصيد إن هذا يعني ان الهيئة وهي انتم جميعا عندما تمنحون الشركة تردداتها المطلوبة فانكم تشاركون أيضا بتوفير خبز الناس وقوت الفقراء ورواتب الموظفين في العراق. كنت أريد أن أرفع من معنويات الموظفين والعاملين وأنقلهم إلى أجواء أخرى من العمل والعطاء والإنتاج غير أجواء المعركة الحامية الوطيس بين صفاء ربيع وعلي الخويلدي من جهة وبرهان الشاوي من جهة أخرى وهو الذي حصل حيث كنت ألاحظ جيدا مشاعر القبول والرضى والإطمئنان والإرتياح على وجوه الحاضرين.