الوقت ليس مناسبا للمزيد من المجازر التي يرتكبها مقاتلو تنظيم “داعش” في معسكرات الجيش والمدن العراقية. وإعادة إحتلال بعض المدن من قبل التنظيم يأتي وفق ما يشتهي نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء السابق، في حين يأتي على عكس ما يريد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء الجديد.
وبين مايشتهي الاول وما يريد الثاني ثمة إنقلاب صامت يقوده العبادي ضد الدولة العميقة التي خلفها المالكي في مختلف مفاصل الدولة العراقية، ولاسيما الامنية والاقتصادية منها.
العبادي الذي يعي ان المستنقع الذي خلفه سلفه متخما بالاشراك والالغام، إتخذ، قبل ان يتم شهره الأول في الحكم، قرارا مهما يفضي الى القضاء على أعداد كبيرة من رجال الظل الذين زرعهم المالكي في نقاط استراتيجية كفيلة بالحفاظ على نفوذه في صنع القرارالعراقي، وان كان هو خارج دائرة الضوء، وكفيلة أيضا بعرقلة الخطوات الاصلاحية التي يقدم عليها خلفه العبادي. والقرارهو الغاء مكتب القائد العام للقوات المسلحة، الذي يعتبر نقطة إرتكاز الدولة العميقة، حيث لم تكن تمر المشاريع الكبيرة في الوزارات والمؤسسات إلا عبر هذا المكتب، كما انه كان مكلفا بتمشية أمور الوزارات التي ينسحب وزراءها وفقا لبازار الاتفاقات والخلافات بين الكتل السياسية التي كانت مشاركة في حكومتي المالكي.
ثمة تناسب ملحوظ الآن بين التقدم على جبهات القتال ضد تنظيم “داعش” الذي كان إجتياحه لمدينة الموصل أحد إرهاصات دولة المالكي العميقة، وبين إقتلاع ركائز هذه الدولة على يد حكومة العبادي. فكلما زاد منسوب إقتلاع هذه الركائز إتسعت بالمقابل مساحة الأرض المحررة من بين براثن “داعش”. وقد يصل هذا المنسوب ذروته إذا ما تمكن العبادي من تصعيد حملته، خصوصا وانه تجاوز الفترة القلقة المتمثلة بالمائة يوم الاولى من عمر حكومته، وعلى هذا المنسوب أن يسير باتجاهين متعاكسين، الاول هو عزل كل رموز الفساد الذين عاثوا في مفاصل الدولة العراقية ونهبوا ثرواتها، والثاني هو إعادة النخبة الكفوءة والنزيهة التي أزاحها المالكي وزمرته على رأس عملها ، ولعل الاستعانة بخبرات الدكتور مظهر محمد صالح كمستشار إقتصادي لرئيس مجلس الوزراء تمثل الخطوة الأبرز على هذا الطريق الذي يجب ان يعزز بالاستعانة مجددا بخبرات الدكتور سنان الشبيبي، الذي برأته المحاكم المختصة من التهم التي لفقتها له تلك الزمرة، وإعادته الى عمله محافظا للبنك المركزي، في ظرف اقتصادي محرج أحوج ما يكون الى مثل خبرات الشبيبي، كما
اعتقد انه آن الآوان لعودة القاضي رحيم العكيلي على رأس عمله في هيئة النزاهة للاستفادة من خبراته الكبيرة في مجال عمل الهيئة، خصوصا وانه سيعود اليها متحررا من ضغوط المالكي ورموز دولته العميقة الذين أبعدوا الشبيبي والعكيلي عن طريق فسادهم وسرقاتهم التي أوصلت العراق الى حافة الافلاس.
بالمقابل، ولكي تكون حركة العبادي الاصلاحية حقيقة وذات جدوى، عليه أن يمنع تشكل دولته هو العميقة من رموز الفساد في حكومته، والذين كانوا جزءا مهما من منظومة الفساد في ولايتي المالكي، والعبادي يعلم، كما معظم السياسيين، ان من هؤلاء وزراء ونواب ومسؤولين حزبيين وحكوميين كبار في دولة ما بعد المالكي.
الحلقة الأخطر في مسلسل تآمر رموز دولة المالكي العميقة ضد إصلاحات العبادي والتي تتلقى دعما بشكل مباشر من رموز الفساد في حكومة العبادي هي قرارات التقشف التي جاءت على هامش نهب ميزانية العراق الفلكية لعام 2014، فافراغ الميزانية يهدف الى وضع العصي أمام دواليب حكومة العبادي وإظهار عجزها عن تقديم أبسط الخدمات للناس، ناهيك عن بناء مشاريع استراتيجية كبرى، معزز بموقف إزاحة العبادي من قبل رموز الفساد في حكومته نحو المساس بلقمة عيش العراقيين من خلال شمول رواتب الموظفين التي تزيد عن حد معين باجراءات التوفير الاجباري وقطع نسبة من مبالغ البطاقة التموينية ،البائسة اصلا، عن موازنة وزارة التجارة، ما يعني خلق بيئة مناسبة لاندلاع ثورة الخبز بوجه حكومة العبادي الذي عليه أن يلتفت الى اللصوص مجددا ويسترد المبالغ الكبيرة المصروفة على المشاريع الوهمية التي تزيد على التسعة آلاف مشروع، حسب تصريحات رسمية للنائبة ماجدة التميمي رئيسة اللجنة المالية في مجلس النواب، وهي سيدة اكاديمية تعتمد الدقة المستندة على الوثائق والارقام في طرحها، بدلا أن يقترب العبادي من خبز الشعب، لكي يعجل بثورته، لان العدالة لا تعني إكتشاف الجريمة فقط، بل تعني بالاساس القصاص من المجرم وإعادة الحق الى أصحابه.