عندما التحقت للعمل في هيئة الإعلام والاتصالات عام 2009 كان السيد برهان الشاوي مديرا عاما للهيئة. وجدت أن العلاقة مضطربة وغير مستقرة بين السيد الشاوي وبين السيدين صفاء ربيع الذي وجدته رئيسا لمجلس الامناء والسيد علي الخويلدي عضو المجلس. كانت العلاقة بين مد وجزر بينهم، وكنا نحن الأمناء الآخرين نجهل أسباب ذلك. وعندما كانت هذه العلاقة تستقر وتتحسن يتفق الثلاثة فيما بينهم ويجري تهميش الآخرين، وعندما يختلفون يلجأ السيدان ربيع والخلويدي إلى الأمناء لتشكيل مجموعة مقابل السيد الشاوي. كان الشاوي يُكلف أحد الأمناء للقيام بمهمة مدير عام تنفيذي وكالة عند سفره خارج العراق والتي غالبا ماتكون في حدود الشهر الواحد أو يزيد عليه قليلا. وقد كلف لذلك كلا من السادة سركوت نامق عبد الله وجاسم اللامي ثم إستقر على تكليف السيد صفاء ربيع في أكثر من مرة. في مطلع عام 2011 على ما أعتقد وبدون سابق علم أو إطلاع وصلني خبر بأن السيد الشاوي أصدر أمرا إداريا بتكليفي بمهمة مدير عام تنفيذي بالوكالة بالإضافة إلى عملي عضوا في مجلس أمناء الهيئة. إستغربت من الخبر وإن لم أكترث له كثيرا لكني فسرته بسبب حالة التوتر والاحتقان التي كانت سائدة في علاقاته مع السيدين ربيع والخويلدي مما حال دون تكليف السيد ربيع بهذه المهمة. في المساء إتصل السيد الشاوي هاتفيا وأبلغني بانه اصدر لي أمرا إداريا بهذا الخصوص من يوم غد لانه لن يكون موجودا. لم يعد بامكاني الإعتذار فالأمر الإداري قد صدر والرجل على سفر من يوم غدا صباحا. كان الأمر حساس جدا ذلك أن أجواء الشد والتوتر تسيطر على الهيئة بسبب الصراع الذي طفى على السطح بين السيد برهان الشاوي من جهة والسيدين صفاء ربيع وعلي الخويلدي من جهة أخرى وقد إنسحب هذا الصراع على الهيئة وموظفيها والذين اصبحوا منقسمين أيضا على طرفي الصراع مع وجود طرفا ثالثا يحاول أن يكون محايدا في غنً عما يسمونه بصراع الكبار وإن كان ذلك بصعوبة وله ثمن. وضعت لنفسي خطة وبرنامج عمل لإدارة الهيئة في هذه الفترة القصيرة والتي كنت أريدها أن تكون نموذجا جيدا وناجحا لإدارة الهيئة. كنت أريد إدارة فنية مهنية غير سياسية لما يتعلق بالإعلام والإتصالات وإن أبتعد عن سياسة المحاور والصراعات وأن أعمل وهذا مهم جدا على إمتصاص حالة التوتوتر والشد التي كانت تسيطر على أجواء الهيئة وخلق حالة طبيعية جدا وبيئة مناسبة للعمل فضلا عن تصريف كافة شؤون الهيئة وأعمالها.
في اليوم التالي باشرت عملي مبكرا جدا، وكنت أنتظر وصول الموظفين حيث سبقتهم بالحضور. إستلمت الأمر الإداري وبعده بقليل وصلني بريد الهيئة وكان البريد الذي وصلني على قسمين . بريد كبير جدا متأخر عند المدير التنفيذي الأصيل السيد برهان الشاوي والبريد الذي يمكن أن نقول عنه حديث من أيام . ركنت البريد المتأخر على جانب لأنه من غير الممكن أن أعمل على بريد متأخر لا اعرف ما فيه وما هي إشكالياته وقد تكون فيه ألغام لا اعرف بها. لذلك كان قراري أن أتابع تصريف البريد المتأخر في المنزل لغرض التفكير به جيدا ولكن بشرط أن أنجزه خلال فترة لا تتجاوز الإسبوع الواحد هي الفترة الزمنية التي منحتها لنفسي لغرض السيطرة على إدارة الهيئة وشؤونها.
عملت على إنجاز البريد المتأخر خلال اسبوع باستثناء بعض الملفات التي اشك فيها أو لا اريد أن اتورط فيها تركتها حتى عودة المدير الأصيل وكنت أيضا أُنجز البريد اليومي قبل الظهر من كل يوم وأتفرغ لشؤون الهيئة الأخرى من بعد الظهر. إتخذت من قاعة إجتماعات مجلس أُمناء الهيئة مكانا لعملي وكان يساعدني السيدة سمر والسيد لؤي من مكتب المدير العام التنفيذي والسيدتين أنفال صبيح التميمي ومروة كمال من مكتب سكرتارية مجلس الأمناء. بعد إسبوع تنفست الصعداء وانتابني شعور غامر بالسعادة. لقد شعرت بسيطرة مطلقة على الهيئة وبنجاحي بعملي وباتت الهيئة دائرة غير معقدة تجري أعمالها بهدوء. جائتني السيدة أنفال ذات يوم مترددة وهي تقول أُستاذ أريد أن أسألك سوأل قلت لها تفضلي أنفال. قالت أُستاذ ماذا فعلت للهيئة … قلت وأنا أُريد أن أسمع منها وما الذي حصل؟ قالت أستاذ الهيئة (تمشي مثل الساعة وبهدوء كامل وكل مشغول بعمله). قلت لها … أنفال… لم أفعل شيئا خاصا أو إستثنائيا، كل ما فعلته أحضر مبكرا للهيئة قبل كل الموظفين وأخرج آخرهم وأُنجز بريدي اليومي والمتأخر وواجبي أن أحترم كل العاملين والموظفين وأُتابع بوعي وفهم وتحليل كل شؤون الهيئة وأعمالها وأتخذ القرارات المناسبة والصحيحة والقانونية وأتشاور مع من أحتاج إلى التشاور معه.
عمل الهيئة من الأعمال الخطيرة جدا خاصة ما يتعلق بالإتصالات. ذلك أن جزء غير قليل من الإتصالات هو عالم إفتراضي عبارة عن أمواج وترددات وذبذبات وطيف ترددي وجداول الطيف الترددي الوطني والمدارات وغيرها الكثير. إن هذه الخصوصية الإفتراضية للإتصالات قد تساعد أصحاب النوايا السيئة في الهيئة وعلى إختلاف المواقع والمستويات وحتى القيادية منها على تضليل الجهات العليا في الدولة حول حالة الهيئة وأعمالها خاصة إذا كانت تلك الجهات العليا ذات
تفكير ناقص وأُفق محدود ومستشارين أو طاقم أو مقربين من نفس الطينة والعجينة أو أصحاب مأرب أُخرى عندها تكون مسألة التظليل ممكنة.
فيما كنت اتابع تمشية البريد اليومي كان من ضمن هذا البريد كتاب مطبوع على الورق الأصفر الخاص بالهيئة والجاهز للتوقيع، أي أنه كان علًيَ أن أُوقع فقط وهذا يعني أن المدير العام الأصيل السيد برهان الشاوي من المفترض أن يكون قد راجع نسخته الأصلية قبل الطبع النهائي. في الحقيقة كانت هي على ما اعتقد مجموعة كتب بنفس الموضوع وبنفس ( الكليشة) ولكن موجهة الى عناوين وشركات مختلفة. هذه الكتب كانت عبارة عن جواب من الهيئة على طلبات من هذه الشركات بمنحها سعات معينة من ترددات الـ (واي ماكس) لاغراض تقديم خدمات الانترنيت وقد إعتذرت فيها الهيئة عن منحها هذه الترددات وحتى إشعار آخر. وترددات الـ (واي ماكس) نوع من انواع الترددات كان يستخدم لاغراض مختلفة منها خدمات الانترنيت قبل تقدم التقنيات في استخدام الحزمة العريضة الـ (برود باند). كان في حينها للـ (واي ماكس) اسعار كبيرة في سوق الإتصالات وكان يمكن أن تشكل موردا جيدا للدولة العراقية. من طبعي التدقيق والسوأل والإستفسار لذلك لم أوقع الكتب المذكورة وإنما همشت عليها ربما بما يقرب من هذه العبارة (ماهي اسباب الإعتذار وعدم منح الترددات ؟). جائني الجواب في اليوم التالي على ما أعتقد أيضا من قبل دائرة الترددات السبب هو ضوابط وتعليمات الهيئة.
من جديد همشت على الكتاب اسأل فيها عن ماهية وطبيعة هذه الضوابط والتعليمات وأرجعت الكتاب من جديد إلى دائرة الترددات. كنت أعرف تماما إني في طريقة بحثي وأستقصائي هذه أتجاوز الممنوعات والخطوط الحمراء. ذلك أن دائرة الترددات وحتى في عهد السيد الشاوي كانت تحت سلطة السيدين صفاء ربيع وعلي الخويلدي ولم يكن مسموحا للأمناء الآخرين الإطلاع على مايجري في الترددات. وأعتقد أن ضعف السيد الشاوي وقلة خبرته الإدارية والعلمية وعدم قدرته على إستيعاب هذا الشغل الفني ساعدت على هذه السيطرة والتحكم غير الرسمية وغير المعلنة في دائرة الترددات. كنت أُباشر عملي كما ذكرت من قاعة الإجتماعات في مجلس الأمناء وكنت أترك الباب مفتوحا ولذلك شاهدت مدير دائرة الترددات في حينها ونائب المدير العام التنفيذي للشؤون الفنية حاليا المهندس محمد الغرباوي يدخل مكتب سكرتارية مجلس الأمناء. ناديت عليه تفضل مهندس محمد ، دخل مهندس محمد وطلبت منه أن يستريح وكان السيد الغرباوي ولا أدري لماذا يتغير شكله ويصفر لونه عندما يستدعى إلى مداولة أو يراجع المدير العام التنفيذي أو مجلس الأمناء. عملت على إمتصاص توتره وقلقه والتفت إليه… تفضل مهندس محمد، قال (ستاد بصراحة إحنه ماعدنه لا ضوابط ولا تعليمات بخصوص الـ واي ماكس، كوتله تحجي صدوك محمد، كال نعم ستاد، كوتله لعد شلون تكتبون للناس نعتذر عن منح الترددات حسب الضوابط والتعليمات، كال هو الماشي بالهيئة ستاد). وجهت في حينها بوضع ضوابط وتعليمات وبسرعة لمنح ترددات الـ (واي ماكس)، ولكن حتى خروجي من الهيئة، وربما حتى الساعة لم توضع ضوابط وتعليمات لمنح وبيع ترددات الـ (واي ماكس) وهكذا إنتهت قيمة هذه الترددات في سوق الإتصالات لان ثورة التقنيات السريعة في عالم الاتصالات أدخلت خدمة الحزمة العريضة ( البرود باند) دون الحاجة إلى الـ (واي ماكس) والتي ماتت في ادراج دائرة الترددات دون أن يعرف أحد حتى الآن ماهو سر تعطيل وعرقلة وعدم منح هذه الترددات وغيرها في هيئة الإعلام والإتصالات.
في مجلس الأمناء تم خلق جو معادي تماما لوزارة الإتصالات وجرى تسريب هذا الموقف إلى دوائر الهيئة لاسيما دائرة الترددات. كان لوزارة الإتصالات أجهزة ومعدات في أحد المنافذ الحدودية مضى عليها أكثر من عام وهي تنتظر أن تمنحها الهيئة ترخيص بالدخول لأن هذا من إختصاص الهيئة في دائرة الترددات.عجزت وزارة الإتصالات عن إدخال أجهزتها ومعداتها بسبب موقف الهيئة الرافض بحجة أن للهيئة ديون على وزارة الإتصالات عليها تسديدها قبل الموافقة على الترخيص. وأنا لا أزال مديرا عاما بالوكالة وصلني شيء لا أتذكر ما هو عن هذه الأجهزة والمعدات. طلبت الأوليات عنها من دائرة الترددات وبعثت على مدير دائرة الترددات المهندس محمد الغرباوي للمداولة. قال ان التوجيهات أن نحصل على ديوننا أولا من الوزارة قبل الموافقة على رخصة دخول الأجهزة والمعدات. قلت له يا مهندس محمد مضى أكثر من عام وهذه أجهزة معرضة للتلف، ثم أن الوزارة عراقية ويمكن أن نطالب بهذه الديوان دون الحاجة إلى حجز هذه الأجهزة والمعدات أو منع دخولها. وافقت على إصدار رخصة دخول هذه الأجهزة والمعدات بعد أن عجزت عن ذلك وزارة الإتصالات. يعرف ذلك جيدا الوكيل الأقدم لوزارة الإتصالات السيد أمير البياتي لكن يبدو أن كلمة الحق والعدل والإنصاف ثقيلة على الناس.
*[email protected]
للحديث صلة