17 نوفمبر، 2024 10:20 م
Search
Close this search box.

كرموا مبدعيكم قبل رحيلهم!!!

كرموا مبدعيكم قبل رحيلهم!!!

المبدعون في كل بلدان العالم تحتضنهم المؤسسات الثقافية الحكومية والاهلية ,تكرمهم ترعاهم توفر لهم فسحة كبيرة من حرية التفكير بدون قيود حتى يمكن أن يمنحوا مجتمعاتهم عصارة افكارهم وتجاربهم ..وبدونها  تتشتت عقولهم وتضيع أبداعاتهم في دوامة زحمة المعاناة…وهنا في العراق أو حتى في البلدان العربية نرى أن اغلبية مبدعينا يفتشون عن ذاتهم في أمكنة أخرى تعطيعهم بحبوبة ولو صغيرة من العيش الرغيد والحرية في التعبير , يتحملون الغربة وقد يتعودنها برغبة او لحاجة..
ونلاحظ اغلب الفنانين  أو المثقفين عموما يسبق اسمه المغترب فلان…وبغض النظر عن القيود السياسية المفروضة في بلدانهم أو لضاءلة  دخولهم  الشهرية التي تمنعهم من شراء كتاب أو طبع نتاجاتهم  لكنهم يحتاجون لفضاء واسع يرون فيه العالم..لكن كم منهم يستيطع أن يوفر تذكرة سفر لا نقل لبلدان اوربا بل للدول المجاورة الجواب نادرا جدا..
السفر يمنح المبدع فرصة للتأمل والاطلاع والانفتاح..على الغير لكن  وللاسف بعض المؤسسات الثقافية تحتكر الوفود حسب درجة التقرب من الفنان او المبدع, الثقافة حياة كاملة والمثقفون صناعها وقادتها فحتى تضمن  السير الطبيعي والايجابي لها المفروض أن يكون لهؤلاء الصوت الذي يسمع بوضوح.
المبدعون العراقيون هاجروا في ازمنة متعدة فمنهم من وجد ضالته واستمر يمارس ابداعاته الثقافية ومنهم من سرقته المعيشية ,
يقول الفيلسوف الايرلندي،إدموند بييرك(كي نحب الوطن،يجب ان يكون في الوطن ما يدفعنا لحبه).فعندما تهمش وتعيش قمة العوز في بلدك تضطر للرحيل لبقعة اخرى تقدر جهدك الابداعي حتى  تستطيع أولا أن تعيش ومن ثم أن تبدع..
ويصف الشاعر شوقي عبد الامير.في كتابة ( حبر على آرق) حال العراقيين  والعراق  في الهجرة الدائمة ( – يتساءل: «أية هجرة هذه التي تجتاح العراقيين أبناءً وبيوتاً وأشجاراً… لا أكاد أجد لها صفة تحتويها، أهي كونية أم وجودية أم كيانية؟! لا أدري فقد صار مألوفاً… لا بل ومبتذلاً أن تمتلئ أرصفة العواصم والموانئ بالـ «العراقي» مهاجراً أو بضاعة، غريقاً جثة تارة أو ناجياً معتقلاً أخرى… ماذا يحدث لهذا الشعب؟ فحتى الأشجار صارت ترحل عن بساتينها وتغادر أريافها، فالنخيل العراقي يملأ شوارع بيروت التي صارت تتزين لمؤتمراتها، القمة الفرنكفونية ومن بعدها العربية».
ومع بعض المزاجية للهجرة لقسم من المبدعيين لكن يجب أن نوفر لهم مستلزمات العودة الطوعية لربوع طفولتهم وصباهم, لأنه الممكن أن تلغى جنسيتك لكن هويتك الحقيقية هو أنتمائك للوطن الام.
ومن خلال أستطلاع ميداني لواقع المبدعيين وما يتمون أن يتوفر لهم نلخص مايلي:
1-الحرية لعقولهم وعدم تحديدها من قبل السلطة في أن تقبل أو لاتقبل في ما يعتقدون ويؤمنون.
2- الكرامة المصانة وعدم تهميشها وجعلها تشحذ على أبواب المجلات والصحف والمؤسسات الثقافية ويمكن تحقيق ذلك من خلال سن قوانيين تضمن حقوقهم في الحياة والابداع.
3-أشراكهم في الوفود الثقافية  والمؤتمرات التي تعقد في دول العالم وعدم أقتصارها على موظفي المؤسسات الحكومية وكبار رجالات الاتحادات .
4-أستقلالية الاتحادات والنقابات التي ترعاهم وضرورة أن تبعتد عن سياسية ألاقصاء التي غالبا ما تستخدمها الانظمة حين تبوء المواقع الاولى في الدولة.
5-حقوق النشر يجب أن تصان وأن يكون هنالك راع يتابع ذلك.
نحتاج أن نحتوي مبدعينا ونجعلهم يتمنون العودة والبقاء في بلدانهم ..وأن لانسمح بهجرة كهجرة الشاعر الكبير الجواهري والبياتي وفاقة السياب ورحيله غريبا في الكويت ونازك الملايكة التي عاشت نصف عمرهاخارج بلدها الى يوم وفاتها في القاهرة , و الشاعر بلند الحيدري قد غادر العراق في بداية السبعينيات إلى بيروت ليعمل محرراً ثقافياً في احدى مجلاتها، وانتقل بعد ذلك إلى أماكن أخرى منها لندن التي توفي فيها ودفن. و محمد الصافي النجفي الذي عاش حياة بائسة في لبنان حتى اصابته اطلافة طائشة فقد على أثرها أحدى عيناه  ونقل على أثرها لبغداد وفي مطارها أنشد هذا البيت
اسمع بغداد ولا أراها…يا عودة للدار ما أقساها
وهذا الشاعر الكبيرعبد الأمير الحصيري شاعر عراقي  معاصر ..ولد سنة 1942 وتتجلى في شعره ثلاثة ركائز ،كما يقول الأستاذ  جمال مصطفى مردان ،في كتابه : ” شعراء من العراق ” هي البلاغة العربية ،والمطولات الشعرية ،والصور الشعرية .وقد نظم في جميع البحور  الشعرية ..له تسعة دواوين .ومع أن هناك الكثير من الدراسات والأطروحات التي كتبت عنه في مختلف اللغات إلا انه كان  – وكما كنا نراه في شوارع بغداد في أواسط الستينات من القرن الماضي ..كان بوهيميا ويلحظ ذلك في ملابسه وسلوكه وتصرفاته ..توفي في أحد فنادق بغداد المتواضعة  سنة 1978 بعجز في القلب.,لكن ماهو الهوس الذي جعل الحصيري شريدا دائما.
وهل من المعقول أن يموت الشاعر يوسف الصائغ غريبا في الشام ويدفن دون تشيع مهيب يليق بشاعريته التي ذبحتها المطاردة والغربة . .
واليوم يبدو تكرر مأساة من سبقهم لعدم الاهتمام بهذه الشريحة الثائره المهمة في المجتمع ..وفي نظرة ثاقبة في شارع المتنبي تلحظ قمة الوجع في عيون وارد والحطاب وجابروقاسم وغيرهم….
ابحثوا أيها السادة عن مبدعيكم  ,وألا ستكون خاتمتهم قول الشاعر العربي :
وان نبت بك أوطان خلقت بها
فارحل فكل بلاد الارض اوطان

أحدث المقالات