تنزف بلادنا خسائر يومية وشهرية وسنوية ، خسائر بالأرواح والممتلكات والزمن وفقدان الشعور بالمستقبل، خسائر باهظة ، لكنها ليست الخسارة الكبرى..!
يهدر الوزراء الفاسدون المال العام بإنتقام قل نظيره ، تبتلع حيتان الحكومة ولصوصها الكبار نحو( 800) ثمانمئة مليار دولار امريكي ، تنهار الخدمات تحت عناوين تسعة آلاف مشروع وهمي في العراق الفضائي ، وتتبدى الفضائح عن وهم الإدارة وفنون فسادها وسرقاتها التي تلطخ بلادنا بعار لايمحى ، وليس هي الخسارة الكبرى .
نفقد ثلث أرض العراق وزهرة المدن ” نينوى ” مع آلاف الضحايا ، ومئات الأسرى والسبايا تحت ظل همجية الأرض ” داعش ” ، ويستباح سكن مليوني نازح مهدد بالجوع والعراء والموت ، ولم تكن أكبر الخسائر ..!
تهبط اسعار النفط ، تهدد ميزانية العباد وتصبح البلاد على حافة الإفلاس، في ظل فشل زراعي وتصفير صناعي واقتصاد متآكل، ومشاريع استثمار أصبحت مثل نفق إضافي للسرقة والإبتلاع الشره ، وتلك بعض الخسارة ..!
الخسارة الأكبر تأتي في هذا الضياع الوطني ، ومظاهره في التشرذم المذهبي والطائفي والعرقي ، فحين تشيد بدور الكرد يغضب منك الكثير من العرب ، وحين تحكي عن حق العربي بإنتقاد فساد بعض الساسة الكرد وافكارهم ، يزعل منك الجمهور الكردي ويشعرون ثمة ثلم لكبريائهم ..، ينفرون منك السنّة بإستياء معلن حين تشيد بموقف الشيعة،يجلدك الشيعة حين تنتصر للسنّة وتتضامن معهم ضد الظلم .
الإنقسامات أو ماتسمى بحكومة المكونات، هي السبب في كل الخسارات التي عصفت ببلادنا ووضعتها على حافات التآكل والتمزق وتنوع عناوين الخسائر .
هيمنة الثقافة الفرعية والإنغلاق الطائفي اوالعرقي اصبحت هي السمة الظاهرة والغالبة التي يكرسها بمهارة عالية سياسيو الطوائف،ويؤكد بقائهم دستورأعور،بعد نحر مشروع ثقافة المواطنة والتشارك الوجداني والنسيج الروحي الواحد .
الخسارة الكبرى تتمظهر في تثبيت قواعد مشروع المحاصصة الطائفية – العرقية، وهي تدور بحلقة شبيه بمراحل التحول الدكتاتوري ، من حزب حاكم وسلطة فاشية الى حكم الفئة ثم سلطة العائلة حتى تنتهي الى حكم الفرد المطلق .
مايحدث في عراقنا ليس بعيد عن ذلك ، بدأت المحاصصة تحت لافتة الحفاظ على المذهب والطائفة، ثم تحولت الى صراع الأحزاب على المال والسلطة ضمن الطائفة الواحدة ، ثم صراع الأفراد والعوائل ضمن الحزب الواحد ، وستنتهي الى نقطة الشروع الأولى في شرع الغاب حيث يسيطر القوي على الضعيف و كل شيء.
المحاصصة جعلت الشيعة يتفرقون، بعد أكثر من الف وثلاثمائة عام من الوحدة والشعور المشترك بالظلم ،كما جعلت السنّة العراقيين ، ولأول مرة في التاريخ ، تابعين لرعاية تركيا أو السعودية أوقطر، وتكون أرواحهم لعبة بيد الأحزاب وتجار السياسة والسكائر والتهريب ، بعد ان كانوا صناع دولة مدنية علمانية تدعى العراق ،كما جعلت الكورد يتوزعون في موالاتهم وإنحداراتهم نحو ايران وتركيا وامريكا ودولا اخرى … بعد زمن طويل من موالات البندقية وعناق الحرية وشرف القضية ومؤاخاة جبال كردستان .
بناء دولة على اساس ثقافة المكونات العرقية والطائفية، تعني إقامة حرب مفتوحة مع الزمن بين هذه المكونات ، وإذ يبدأ التشاحن والصراع والقتال بدوافع الخلاف الطائفي والعرقي ، فأن عمقه يذهب بإتجاه الإستحواذ على النفوذ والمال والتبعيات الإقليمية والدولية، وقودهم في ذلك، بشر معصوب بالعمى الطائفي والعرقي.
ضياع الإحساس بالمواطنة هي الخسارة الكبرى ، حين تخسر وطنك فتشعر بالغربة واللاهدف، بل أنك معلق بخيط رفيع هو ثقافتك الفرعية والطائفية حيث لاإمتداد لجذرها إلاعند حدودك الشخصية فقط … تلك هي الخسارة الكبرى .