26 نوفمبر، 2024 11:53 ص
Search
Close this search box.

مصائر لم تكتمل

لا أعلم من أين أتيتي؟ لم تكوني إراتو* إبنة زيوس ونيموسيني ولكنك كنت معي قبل أن أراك.
عندما ولِدنا كان اللسانُ مثقلاً بفهرسةِ إعترافاتِنا عن قمرٍ قِيلَ، إنه يهبطُ على الأرضِ حينَ لا تنمو مصائرُنا.
كان في وَجهُكِ شمسٌ وفُمك عطشٌ يبتلعُ خداعَ الحكمةِ كلما أيّقَنته … بذرةٌ كانت روحكِ مثل حرقِ الثلج.
لم تكن مآثرَ المعنى أكثرَ رمزيةً من شَعَركِ حين يهبطُ من سماءٍ كأنه إنفكاكُ الخليقةِ وله قدرةُ الكلام وإن رأيتُ أنا كلَ ما يشبه الإستثناءَ في عنقكِ تيّقنتُ إن زهرةً طائشةً أخرى ستنبتُ بين كفيك كأنها فرصةُ الريحِ للقبضِ على الصراحة في عينيّ أو في عبارةٍ غير مهيئةٍ ومجدولةٍ في أسفل البلاغة، أهذه بلاغتي أم بلاغةُ الريح؟

يا إلهَ اللطفِ زدني من فَنائِك حبةً حبة كي لا يُترَك لي قلباً بوشم وصاعقةٍ تعصرني مثل شخيرٍ يسيل فوق صراحةِ النوم.
يا إلهَ العزلةِ والطوائفِ لا تمنحني صباحاً آخر بفمٍ يسترضي حماسةً لا تكفي لإيصالِ البديهة من صبي لم يزل يتأملُ برائَتهِ، لم يكن ساحراً لكنه أحب قمراً يهبط على أرضه فاندس تحت لسانه قرآنٌ وكنيستان. هذا نحول العالم ونحوله أَرقِصهُ وكل ما يُنْقَذُ ورائي هو بنداءِ عَينٍ لأن العين آلهةٌ كريمةٌ تمنحني مكافأة الفضيلةِ وتثير كل ما يدعو الى أرتباكي وارتداء اللذة.

 
هذا الصبيٌ كان يزخرفُ جرأتَه بقانونٍ بطيءٍ عن قُبْلَةٍ غائبةٍ لاتشبه السحر، ليس لها عُمر وكأنها ثقب الطبيعةِ المقدّس، ومع ذلك لا شيء، لا شيء للمطالبةِ ‏‎الا لمحتها العابرةِ تدفعه الى الوراء، آخِذاً ما يكفي من خجله لدفعِ كلمة واحدة وغريبة .. كلمةٌ واحدةٌ أمام عينيها، كأنه يقّبلُ عذابَ يده ويقول هذه سعادتي محروسةٌ في مربع الشريعةِ الذي ورثه عن أبٍ يلخّصُ مبادئَ الذكورةِ بعنايةٍ وهو يقول إن المشاعرَ تكّرسُ فحوى الإنوثةِ. هذه سعادتهِ محروثةٌ بدمعِ أُمٍ منشغلةٍ بتأويل أقدارٍ موجعةٍ وقد أتعبها النظرُ الى أولادٍ لا يتشابهون إِلّا في قشرةِ اليقين.

لنتأملَ الآن قطرةَ إحتراقِنا وما يتساقطُ من العينِ واللسان، هل كان فخٌ لمصائرِنا .. لو نستطيعُ إجتيازَ ذلك اللغطِ وما خلّفته لنا فرائضُ محّرفةٌ لأصبحنا مثل زهرةِ اللهبِ تلعقُ النارَ من عطشٍ ولا تحترق.
كيف لي أن أقف وحيداً بين عطركِ وأنت تمضغين رفاهيةً مذبوحةً مثل وردٍ مطحونٍ وما تبقّى تحت أضلاعِنا عاطفةً حدباء لاتنقذُ حتى حريراً مدللاً أو قلباً مصلوباً كقربانٍ ينتظرُ برقَ الرحمة.
يا إلهَ الترفِ والدلالِ لا تعيدني ولداً مُحَبّبَاً وفي عينيّه يقينٌ معذبٌ كقصاصٍ يتراصفُ، ومن غيبه لايعلو سرٌ في نشيده ولايموت ولايقتل.

ماذا أفعلُ بذكرى قمرٍ يتدافعُ منه مساءٌ ناعمٌ وسلامٌ على ملائكةٍ إنتظرتهم طويلاً فأستدارو في أولِ الفقدان. ماذا أفعل بنبؤةٍ منحنيةٍ كالوجدانِ في قبضةِ آباءٍ غَفو في وصاياهم ومن دون ضوءٍ أو عتمةٍ أدركو راياتِ نسلهِم فأستفاقو. رِد اليّ رائحة نومي القديم ولا تدعْ شفتيها تعبراني كنعمةٍ فرّت من بين أصابعي. كاذبٌ مَن لا يتعّثرَ بريشِ قلبهِ وهو يجري بنهاره الموعودِ كي يَخَبِئَهُ بعيداً مثل كنزٍ معبئٌ بجنةِ تنتصف الى إثنينِ كلما قالها هيَّ.

أيها الغيبُ المُغّطى بالكبدِ ومياهِ إنوثتها، آهٍ .. تقولها وعلى شفتيها ينضجُ لهاثي كأنني إشتقاقُ الرعبِ في ذروته، تقولها وفي خاصرِتها عروسٌ تلمعُ كآبةً وآدميةً محرّفة. أيها الغيبُ الغاطسُ في أناشيدَ أصبِعها لاتخرجني من ماءِ إنوثتها كما سمكٌ يُخرَجُ من ماءه فيموت. هذا وَجدُنا ووجدانُنا الخالد لا ينجبُ معناه كإنحلالِ الصمتِ عند كلامٍ لا يقال. هذه آلهةُ التزامي تسقيني بصاقَ الأُمنيةِ، تسقيني مهداً لكفاحٍ موزونٍ بقوة الدمع.

لم يكن صمتي أكثرَ عمقاً كما توهمتُ ولم تكن شجاعتي بمقدارِ أنينها. رغم إن الفطرةَ ليست خطيئتي الهائلة فأنا أعترفُ بأن لي وجهٌ لا يختزلُ الفرقَ بين الغريزة وحرارة العين… لكنني أدركت في الوقتِ ذاتهِ إن ما يحرّفُ أحلامنا وحدسَ اليدِ هو ولائُنا المذهلُ لإبوةٍ عمياءَ تحتسي وهمَ القابٍ منتفخةٍ لا تتهجّى نداءَ عينٍ وإنوثةٍ تتلاشى كأنها إصغاءُ الطبيعةِ الأخرس.
لو تستطيعي القيامَ الآن قبل شمسي مثلما ولدتِ، لأستطعتُ أن أكسو النهارَ بإندهاشي كما حباتٍ لامعةٍ ومجّمعةٍ بخيوط. لو تأخذي خطوتك الآن كي لا أولدُ مرةً أُخرى بإنكساراتٍ مرادفة لحياتي .. ليس لي أن أستجمعَ أنسابَ كاذبةً تنهارُ أمامي كلما تأخرت معجزتي وليسَ لي أن أقولَ كل ما يلتصقُ بجلدي جاعلاً منه أنا كراهيةً محايدة.

لأنني رأيتُ الآن إنها تختم قلبها بقلبي كي لا تعصفه ريحٌ ولا تجرفُه موجة.
فيا إلهَ الرؤيةِ والتغيّير، لا تمنحني لغزاً مؤجلاً وهاويةً أٌخرى، لاتمنحني طاقةً منقوشةً من خِصبِ عينيها تتآكلُ سريعاً فصبيُك المنسوخِ قلبه لم يعد ماسكاً بصفوةِ هشيمه، لم يفتحَ المعنى الذي تيَّبسَ في قشرةِ وجوده منذ دهرٍ ولم يجدْ ما يسمّي به إسمها الآن.

هذه صورتُه التي يخشى أن يوقظِها في رحمِ عقابه كي لا يعيدَ لها مهارتها في الكلام عن قمرٍعاد اليه الآن ليضئَ طريقاً الى مصائر لم تكتمل.

*. إراتو: لغوياً وحسب الإغريقية القديمة  تعني الجميل والمحبب في كل شيء وأطلق ذلك الإسم على إبنة زيوس ونيموسيني إحدى آلهات الإلهام التسع الإغريقية حيث عنيت بشعر الحب والإثارة تبعاً للأساطير.

أحدث المقالات