7.النكبة العراقية من وجهة نظر إقايمية : النظام العربي الحاكم
لم تستطع الانظمة الحاكمة للدول العربية المجاورة للعراق بعد احتلال العراق او حتى قبل احتلاله ان تشكل موقفا موحدا من جريمة غزو العراق الذي نفذته إدارة الولايات المتحدة وتحالف معها اكثر من ثلاثين دولة . وزادت عملية احتلال العراق وما تبعها من تعقيدات واصطفافات ، من ضعف الموقف العربي وتصدعه وخنوعه ، وسكتت قيادات عربية لها حجمها وتاثيراتها الدولية ، ولم تستطع الجامعة العربية ودول الخليج والسعودية ان تصنع موقفا موحدا رصينا للحد من تاثيرات الاحتلال ومخلفاته المدمرة للعراق وشعبه واحداث ليمتد هذا الصمت والفشل فيما بعد لمجابهة احداث ما سمي بالربيع العربي وصفحاته المعقدة والغير معلنة في المنطقة وتوالت الاحداث وفق برامج ومشاريع مخطط لها في غفلة النظام العربي وجامعته العربية ومؤتمراتها الباهتة , وعاشت الشعوب العربية المقهورة بجور الحكام ردود فعل تسودها العاطفية والصدمة في واد ٍ وقياداتها في واد ، مما أثار الذعر في انظمتها مما جعلها اكثر تمسكا بقطريتها وأشد تشبثا بحماية الإدارة الامريكية وتصبح أسيرة لمواقفها وقراراتها ، وهذا ما يفسر موقف السعودية مما يحدث في اليمن كمثل لاحق واضح ، فبعد ان كانت صاحبة قول وفعل في حل الازمة اليمنية ، أمست وما زالت في حالة ذهول وصمت عما جرى ويجري على حدودها في اليمن لتكون ضمن دائرة التهديد لأمنها ونظامها بشكل مباشر وهي الدولة التي كان يمكن أن تقود النظام العربي لموقف أسلم واشجع لشعوب ودول المنطقة .
الدور العربي في تداعيات أزمة العراق ونكبته لم يعد يحسب له حساب بل اصبح بمرور الزمن موضع ابتزاز ورهان في وقت ارتهنت فيه السياسة الايرانية الناعمة والفاعلة بخراطيم اخطبوطها المتوغلة في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحر الاحمر والبحرين والكويت والبحر الاحمر والخليج العربي انتهاء الى مضيق هرمز ،لتصبح صاحبة القرار والفعل دون رادع ، بسبب تاثير هذه الخراطم وقدرتها على ابتزاز المواقف الحاسمة لأي نظام عربي حاكم ذو تاثير ، فيما استطاعت أن تستخدم مشروعها النووى موضع مساومة وتناغم مع الادارة الأمريكية التي لا يهمها ان تساوم بكل ما تمتلكه من تأثير على مواقف الدول والاطراف لقاء إيقاف تطويرهذا المشروع .
من بين أكثر التصريحات المبكرة للقيادات العربية فيما يخص النفوذ الإيراني في المنطقة والذي يبقى تبقى عالقا في ذهنية المواطن العربي لما يحمل من بعد في النظر وقراءة تحليلية ، هو ما حذر من خطورته جلالة الملك عبد الله الثاني قبل سنوات حول تصاعد النفوذ الايراني في المنطقة وعبر عنه بعبارة ( الهلال الشيعي ) واعتبرته ايران وقيادات شيعية انه يحمل نوعا من العدوانية لها ولطائفة ما ، ولكنه في الحقيقة كان يحمل انذارا لما يمكن ان يصنعه التسييس الطائفي من مخاطر في المنطقة ، وها هي مخاطر هذا التسييس تبدو جلية لكل عين ثاقبة لأحداث سوريا ولبنان والعراق واليمن اليوم ، والذي يكاد فيه الهلال ان يكتمل ليطوق المنطقة كلها بشحن طائفي قاتل ومخيف .
لقد آن الأوان لينتبه عرب المنطقة والخليج والمحيط لخطورة ما يحيق بهم من مخاطر محدقة ، ما لم تكن لهم رؤية صائبة ووقفة جادة موحدة تجاه ما يحدث ؟ لم يعد هناك من مبرر لأن يختلف قادة العرب ويقفوا موقف المتفرج فيما تفعله ايران في العراق والمنطقة ولا فيما يرتكبه النظام السوري في شعبه من جرائم ، وحزب الله اللبناني في سوريا والعراق من تحديات واختراقات وكذا الحال فيما ترتكبه الاحزاب الطائفية مدعومة
بالسلطة من جرائم وتهميش لمكون كامل في العراق، وما يعبث به الحوثيون باليمن من انتهاك وابتلاع كامل للسلطة ، وما يقترفوه من جرائم بحق شعب اليمن . لماذا لا يقف قادة العرب وقفة لما يحدث اليوم كالتي وقفوها مع العراق في حرب البوابة الشرقية للعرب التي خاضها العراق مع ايران لثمان سنوات ؟ ألسنا اليوم على ابواب خطر حرب في ساحات عواصم عربية عريقة ممكن ان تمتد لتحرق العالم العربي كله ، بسبب موجات العنف والارهاب والطائفية المقيتة والمكائد الصهيونية اللعينة ؟ ولماذا نتوافق على مشروع تحالف دولي تقوده أمريكا لصالح أمنها ، لا ضمانات فيه ولا نتائج مباشره لصالح العرب ، إذا كانت هذه النار البغيضة والتطرف المأزوم قد اوقدت واتسعت داخل الساحة العربية بإرادة إقليمية حاقدة ؟ أليس العرب هم المستهدفون حين تلتهم النيران أرضهم ويعبث الغلو بعقيدتهم وقيمهم ؟ أليسوا هم الأجدر بمشروع يوحدهم للتصدي للإرهاب بملئ أرادتهم وإدارتهم لتطهير قيمهم وارثهم ودينهم وأرضهم من كيد الارهاب والطائفية والتطرف المتنامي في منطقتهم بكيد وثأر الصهيونية العابثة والصفوية الحاقدة ؟. وهل من جدل يثار في كون ان هذا التطرف والارهاب السائد في المنطقة ، هو نتيجة حتمية لسياسات الولايات المتحدة ومواقفها التي تهمش قضايا العرب وفي مقدمتها قضية فلسطين !.
من أجل تحقيق اهداف غزو (تحرير ) العراق وفقا لصانعيه ومنفذيه وهي أهداف معلنة : ملخصها إسقاط الدولة العراقية وإقامة دويلات طائفية وعرقية (مشروع بايدن التقسيمي ) والحفاظ والهيمنة على مصادر النفط وتسويقه ، تم الترويج لسياسة الفوضى الخلاقة والفساد المستشري والعنف الطائفي وتكريس ظاهرة الانقسام المجتمعي في العراق بعد الغزو كواقع حال مطلوب مستجد وليس ظاهرة طارئة او نتيجة لثقافة عراقية قائمة ، ومن هنا ثبت الدستور الجديد الملغوم ، بأن العراق دولة اتحادية (بغموض متعمد عن طبيعة ونموذج هذا الاتحاد أو الفدرلة) ، لذا اصبحت قضية تشكيل الاقليم الشيعي والاقليم السني على شاكلة الاقليم الكردي كما
اعلن ذلك مبكرا الراحل السيد عبد العزيز الحكيم مطلبا شرعيا ، لا بل وطنيا وفق تبني النائب والقاضي وائل عبد اللطيف وغيرهم كما اصبح تكوين الاقليم السني حلا شرعيا و وطنيا لاحقا لأزمة الصراع وفقا لتبني زعيم التوافق الدكتور عدنان الدليمي و رافع العيساوي وابو ريشة ومحافضي الانبار المتعاقبين ، وتبنى الحزب الاسلامي هذا المشروع ولا غرابة في ذلك فكل من المجلس الاعلى والحزب الاسلامي وهم واجهات سياسية في مجلس الحكم واسناد وتوافق على مشروع تحرير العراق المزعوم ، و وفقاً لهذا الطرح تم استقطاب الساسة كممثلين للسنة والشيعة والاكراد بمحاصصة نسبية تم التوافق عليها مع الإدارات الأمريكية واعتبرت أساسا لكل خطوات الديمقراطية والانتخابات الزائفة لاحقاً .
ما يهمنا اليوم هو دور الإقليم العربي في صلب الأزمة العراقية ، فكما تلعب إيران دورا كبيرا في صلب الازمة العراقية تحت ذريعة ولاية الفقيه للمكون الشيعي من خلال الساسة والاحزاب الشيعية وقد تم ايضاح ذلك في الجزء الثالث والرابع (تركيا العثمانية وإيران الاسلامية)، هنالك اطروحات وتصريحات لساسة ومسئولين عراقيين عن دور فاعل لدول الخليج بضمنها السعودية وقطر في تاجيج الازمة العراقية ودعم لتنظيمات متطرفة سنية عراقية وغير عراقية ( كتنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة وغيرها ) ، و بسبب ما تفرزه مثل هذه الادعاءات والتصريحات من تعقيد وتثبيط يهدف للتأسيس الى عزلة عراقية عن محيطه ، لا بد من وقفة للحديث عن حقيقة الدور العربي في الأزمة العراقيه ماله وما عليه .
من المؤكد ان المكون السني في العراق قد عانى من حالة تهميش واقصاء وتأزيم بعد غزو العراق باعتراف الادارة الامريكية ورئاسات السلطة الحاكمة في العراق ، وبسبب هذا التهميش المتعمد تشكلت حالة تعاطف ودعم شعبي وإعلامي في دول عربية واسلامية عديدة بضمنها دول مجاوره مع المكون السني وتنامت حالة ظهور الفكر الجهادي في الحركات الاسلامية في دول الإقليم العربي المجاور ودول المغرب العربي للتطوع
والمشاركة في صفوف المقاومة العراقية للإحتلال على خلفية مشابهة لتلك التي اسهمت في فلسطين وافغانستان والشيشان ، انحنت في حينها الانظمة الحاكمة في السعودية ومصر في اسنادها لضغوط تلك الحركات الجهادية التي تطوع شبابها لهذا الواجب الشرعي الجهادي كخيار لا بد منه لتحقيق اهدافها في التحرر، مثل هذا التوجه لا يندرج تحت ظاهرة التطرف والارهاب كونه يحمل هدفا وطنيا يختلف عن من يتبنى العنف والقتال كنهج وفكر وحل لا بديل له لتحقيق التغيير وهو ما يندرج تحت مسمى الارهاب . وقد كانت حملات المتطوعين تجري بعلم وتشجيع بل وتكريم من قبل الإدارات الامريكية كما في افغانستان بعد انسحاب القوات الروسية ، لكن الذي حدث في العراق بعد غزوه واحتلاله ، تمّ التعامل مع المقاومة العراقية للإحتلال من قبل الادارة الامريكية والسلطة الحاكمة كظاهرة غير شرعية وارهابية وليس كمقاومة وطنية مبررة ومشروعة لاحتلال قائم وبالتالي فقد اصبح اي دعم او اسناد لهذه المقاومة عمل إرهابي وهو ما شكل حالة من الردع والخوف لدى الحكومات والأنظمة العربية الحاكمة عن أي دور فاعل في دعم تنظيم عمليات التطوع والمشاركة في المقاومة العراقية وبقي الاسناد المعنوي والاعلامي والمادي لفصائل المقاومة أمر خارج نطاق التدخل الرسمي ومن المؤكد ان مساعدات أفراد او تجار او واجهات زكاة كانت تصل لهذه الفصائل من اطراف عربية واسلامية خارج نطاق الحكومات ، وعلى العكس من ذلك وبضغوط دولية على الانظمة الحاكمة تم اتخاذ الاجراءات القاسية لتجفيف منابع الدعم المالي والتطوع الفردي للمقاومة واستمر نفس النهج فيما يخص اعتبار حركات التطرف والعنف كالقاعدة وداعش وتنظيم الدولة وحتى الاخوان المسلمين كحركات محذورة على قائمة الارهاب ، لا يجوز التعامل معها بل إخراجها ونفيها . نعم هناك مقاتلون عرب ومسلمون قاتلوا ضمن فصائل المقاومة العراقية في حينها ضد قوات الاحتلال ، كما يتواجد عرب ومسلمون أجانب يقاتلون في صفوف القاعدة والنصرة وتنظيم الدولة في العراق الآن بطرق و وسائل افرادا وجماعات بطرق و وسائل متعددة امام ظاهرة غياب الهيمنة على
الحدود والفلتان الامني ، وبالرغم من تكرار التصريحات العراقية المعلنة الرسمية والشخصية عن دور حكومي إقليمي وخليجي مساند لهذه الظاهرة ، لا يتوفر اي دليل او وثيقة يثبت ذلك . تركيا والأنظمة العربية الرسمية تعلن وقوفها مع العملية السياسية وحكوماتها وتحضر مؤتمراتها وتتبادل التمثيل السياسي والزيارات والعلاقات التجارية مع السلطة العراقية بشكل اعتيادي في حين ان فصائل المقاومة والقوى المناهضة للاحتلال لغاية اليوم تعتقد اعتقادا جازما بان جوهر العملية السياسية وركائزها واهمة وخائبة ولا يمكن اصلاحها من داخل طواقمها المتحكمة . القوى السنية المشاركة في العملية السياسية وسلطتها سواء بصفة شخصية او رسمية تتبادل الزيارات والاراء حول الاحداث والاوضاع في العراق مع انظمة وحكومات إقليمية حاكمة وربما تلقت دعما سياسيا او ماديا بصفتها الرسمية ، ولكن ذلك لا يبرر ما يكرره شركائهم من ساسة الشيعة ( تدعمهم إيران بالمال والسلاح جهارا نهارا بل بتواجد مقاتلين ايرانيين وقوات فيلق القدس وقائده سليماني للقتال في العراق بذريعة داعش )، اتهام االسعودية ودول الخليج بدعم خلايا الارهاب والتكفير في الوقت الذي تقوم فيه دول الخليج بإعلان حربها على مجمل حركات الاسلام السياسي المعتدل والمتطرف سواء كان إرهابيا او غير متلبس في الإرهاب .
الظروف العصيبة التي تواجه الانظمة العربية وحالة العنف التي تجتاح عواصمها ، لا تعطيها فسحة لأي مبادرة لتبني مشروعا عربيا فيما يخص النكبة العراقية او أزمات أقطارها المشتعلة ، لكن عرب العراق السنّة منهم والشيعة اللذين يشكلان جوهر الأزمة العراقية ، هم اليوم بأمس الحاجة لمشروع وطني مدعوم عربيا ، لا سبيل عنه ولا حل سواه يضمن وحدة وأمن العراق وانتشاله من محنته ونكبته ، العرب مدعوون ساسة وانظمة للمساعدة في نشوء هذا المشروع وتحقيق المصالحة الوطنية بخطوات جريئة وفاعلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
تكاد قضية النفوذ الأجنبي والإرهاب تشكل جوهر اأزمة الأنظمة العربية ، ولو كانت هناك إرادة واستقلالية في اتخاذ القرار ، لكان بامكان المشروع العربي الجامع ان يقدم الحلول لكل أزمات المنطقة ، ولما كان بامكان ان تتم التحالفات والاصطفافات والاستعانة بالأجنبي بكل تعقيداتها ومضاعفاتها ، والتي تشكل نقطة ضعف وابتزاز لهذه الأنظمة ، مع ان الجميع يدرك ان الحل يكمن بيد الشعوب والقيادات العربية . وان وحدة الشعوب وارادتها هي الغالبة وليست مصالح الإرادات والقوى الاجنبية الطامعة والتي لا تقاتل بالنيابة وانما لتحقيق اهدافها ومخططاتها .
صفحات من دفتر النكبة العراقية
7.النكبة العراقية من وجهة نظر إقايمية : النظام العربي الحاكم
لم تستطع الانظمة الحاكمة للدول العربية المجاورة للعراق بعد احتلال العراق او حتى قبل احتلاله ان تشكل موقفا موحدا من جريمة غزو العراق الذي نفذته إدارة الولايات المتحدة وتحالف معها اكثر من ثلاثين دولة . وزادت عملية احتلال العراق وما تبعها من تعقيدات واصطفافات ، من ضعف الموقف العربي وتصدعه وخنوعه ، وسكتت قيادات عربية لها حجمها وتاثيراتها الدولية ، ولم تستطع الجامعة العربية ودول الخليج والسعودية ان تصنع موقفا موحدا رصينا للحد من تاثيرات الاحتلال ومخلفاته المدمرة للعراق وشعبه واحداث ليمتد هذا الصمت والفشل فيما بعد لمجابهة احداث ما سمي بالربيع العربي وصفحاته المعقدة والغير معلنة في المنطقة وتوالت الاحداث وفق برامج ومشاريع مخطط لها في غفلة النظام العربي وجامعته العربية ومؤتمراتها الباهتة , وعاشت الشعوب العربية المقهورة بجور الحكام ردود فعل تسودها العاطفية والصدمة في واد ٍ وقياداتها في واد ، مما أثار الذعر في انظمتها مما جعلها اكثر تمسكا بقطريتها وأشد تشبثا بحماية الإدارة الامريكية وتصبح أسيرة لمواقفها وقراراتها ، وهذا ما يفسر موقف السعودية مما يحدث في اليمن كمثل لاحق واضح ، فبعد ان كانت صاحبة قول وفعل في حل الازمة اليمنية ، أمست وما زالت في حالة ذهول وصمت عما جرى ويجري على حدودها في اليمن لتكون ضمن دائرة التهديد لأمنها ونظامها بشكل مباشر وهي الدولة التي كان يمكن أن تقود النظام العربي لموقف أسلم واشجع لشعوب ودول المنطقة .
الدور العربي في تداعيات أزمة العراق ونكبته لم يعد يحسب له حساب بل اصبح بمرور الزمن موضع ابتزاز ورهان في وقت ارتهنت فيه السياسة الايرانية الناعمة والفاعلة بخراطيم اخطبوطها المتوغلة في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحر الاحمر والبحرين والكويت والبحر الاحمر والخليج العربي انتهاء الى مضيق هرمز ،لتصبح صاحبة القرار والفعل دون رادع ، بسبب تاثير هذه الخراطم وقدرتها على ابتزاز المواقف الحاسمة لأي نظام عربي حاكم ذو تاثير ، فيما استطاعت أن تستخدم مشروعها النووى موضع مساومة وتناغم مع الادارة الأمريكية التي لا يهمها ان تساوم بكل ما تمتلكه من تأثير على مواقف الدول والاطراف لقاء إيقاف تطويرهذا المشروع .
من بين أكثر التصريحات المبكرة للقيادات العربية فيما يخص النفوذ الإيراني في المنطقة والذي يبقى تبقى عالقا في ذهنية المواطن العربي لما يحمل من بعد في النظر وقراءة تحليلية ، هو ما حذر من خطورته جلالة الملك عبد الله الثاني قبل سنوات حول تصاعد النفوذ الايراني في المنطقة وعبر عنه بعبارة ( الهلال الشيعي ) واعتبرته ايران وقيادات شيعية انه يحمل نوعا من العدوانية لها ولطائفة ما ، ولكنه في الحقيقة كان يحمل انذارا لما يمكن ان يصنعه التسييس الطائفي من مخاطر في المنطقة ، وها هي مخاطر هذا التسييس تبدو جلية لكل عين ثاقبة لأحداث سوريا ولبنان والعراق واليمن اليوم ، والذي يكاد فيه الهلال ان يكتمل ليطوق المنطقة كلها بشحن طائفي قاتل ومخيف .
لقد آن الأوان لينتبه عرب المنطقة والخليج والمحيط لخطورة ما يحيق بهم من مخاطر محدقة ، ما لم تكن لهم رؤية صائبة ووقفة جادة موحدة تجاه ما يحدث ؟ لم يعد هناك من مبرر لأن يختلف قادة العرب ويقفوا موقف المتفرج فيما تفعله ايران في العراق والمنطقة ولا فيما يرتكبه النظام السوري في شعبه من جرائم ، وحزب الله اللبناني في سوريا والعراق من تحديات واختراقات وكذا الحال فيما ترتكبه الاحزاب الطائفية مدعومة
بالسلطة من جرائم وتهميش لمكون كامل في العراق، وما يعبث به الحوثيون باليمن من انتهاك وابتلاع كامل للسلطة ، وما يقترفوه من جرائم بحق شعب اليمن . لماذا لا يقف قادة العرب وقفة لما يحدث اليوم كالتي وقفوها مع العراق في حرب البوابة الشرقية للعرب التي خاضها العراق مع ايران لثمان سنوات ؟ ألسنا اليوم على ابواب خطر حرب في ساحات عواصم عربية عريقة ممكن ان تمتد لتحرق العالم العربي كله ، بسبب موجات العنف والارهاب والطائفية المقيتة والمكائد الصهيونية اللعينة ؟ ولماذا نتوافق على مشروع تحالف دولي تقوده أمريكا لصالح أمنها ، لا ضمانات فيه ولا نتائج مباشره لصالح العرب ، إذا كانت هذه النار البغيضة والتطرف المأزوم قد اوقدت واتسعت داخل الساحة العربية بإرادة إقليمية حاقدة ؟ أليس العرب هم المستهدفون حين تلتهم النيران أرضهم ويعبث الغلو بعقيدتهم وقيمهم ؟ أليسوا هم الأجدر بمشروع يوحدهم للتصدي للإرهاب بملئ أرادتهم وإدارتهم لتطهير قيمهم وارثهم ودينهم وأرضهم من كيد الارهاب والطائفية والتطرف المتنامي في منطقتهم بكيد وثأر الصهيونية العابثة والصفوية الحاقدة ؟. وهل من جدل يثار في كون ان هذا التطرف والارهاب السائد في المنطقة ، هو نتيجة حتمية لسياسات الولايات المتحدة ومواقفها التي تهمش قضايا العرب وفي مقدمتها قضية فلسطين !.
من أجل تحقيق اهداف غزو (تحرير ) العراق وفقا لصانعيه ومنفذيه وهي أهداف معلنة : ملخصها إسقاط الدولة العراقية وإقامة دويلات طائفية وعرقية (مشروع بايدن التقسيمي ) والحفاظ والهيمنة على مصادر النفط وتسويقه ، تم الترويج لسياسة الفوضى الخلاقة والفساد المستشري والعنف الطائفي وتكريس ظاهرة الانقسام المجتمعي في العراق بعد الغزو كواقع حال مطلوب مستجد وليس ظاهرة طارئة او نتيجة لثقافة عراقية قائمة ، ومن هنا ثبت الدستور الجديد الملغوم ، بأن العراق دولة اتحادية (بغموض متعمد عن طبيعة ونموذج هذا الاتحاد أو الفدرلة) ، لذا اصبحت قضية تشكيل الاقليم الشيعي والاقليم السني على شاكلة الاقليم الكردي كما
اعلن ذلك مبكرا الراحل السيد عبد العزيز الحكيم مطلبا شرعيا ، لا بل وطنيا وفق تبني النائب والقاضي وائل عبد اللطيف وغيرهم كما اصبح تكوين الاقليم السني حلا شرعيا و وطنيا لاحقا لأزمة الصراع وفقا لتبني زعيم التوافق الدكتور عدنان الدليمي و رافع العيساوي وابو ريشة ومحافضي الانبار المتعاقبين ، وتبنى الحزب الاسلامي هذا المشروع ولا غرابة في ذلك فكل من المجلس الاعلى والحزب الاسلامي وهم واجهات سياسية في مجلس الحكم واسناد وتوافق على مشروع تحرير العراق المزعوم ، و وفقاً لهذا الطرح تم استقطاب الساسة كممثلين للسنة والشيعة والاكراد بمحاصصة نسبية تم التوافق عليها مع الإدارات الأمريكية واعتبرت أساسا لكل خطوات الديمقراطية والانتخابات الزائفة لاحقاً .
ما يهمنا اليوم هو دور الإقليم العربي في صلب الأزمة العراقية ، فكما تلعب إيران دورا كبيرا في صلب الازمة العراقية تحت ذريعة ولاية الفقيه للمكون الشيعي من خلال الساسة والاحزاب الشيعية وقد تم ايضاح ذلك في الجزء الثالث والرابع (تركيا العثمانية وإيران الاسلامية)، هنالك اطروحات وتصريحات لساسة ومسئولين عراقيين عن دور فاعل لدول الخليج بضمنها السعودية وقطر في تاجيج الازمة العراقية ودعم لتنظيمات متطرفة سنية عراقية وغير عراقية ( كتنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة وغيرها ) ، و بسبب ما تفرزه مثل هذه الادعاءات والتصريحات من تعقيد وتثبيط يهدف للتأسيس الى عزلة عراقية عن محيطه ، لا بد من وقفة للحديث عن حقيقة الدور العربي في الأزمة العراقيه ماله وما عليه .
من المؤكد ان المكون السني في العراق قد عانى من حالة تهميش واقصاء وتأزيم بعد غزو العراق باعتراف الادارة الامريكية ورئاسات السلطة الحاكمة في العراق ، وبسبب هذا التهميش المتعمد تشكلت حالة تعاطف ودعم شعبي وإعلامي في دول عربية واسلامية عديدة بضمنها دول مجاوره مع المكون السني وتنامت حالة ظهور الفكر الجهادي في الحركات الاسلامية في دول الإقليم العربي المجاور ودول المغرب العربي للتطوع
والمشاركة في صفوف المقاومة العراقية للإحتلال على خلفية مشابهة لتلك التي اسهمت في فلسطين وافغانستان والشيشان ، انحنت في حينها الانظمة الحاكمة في السعودية ومصر في اسنادها لضغوط تلك الحركات الجهادية التي تطوع شبابها لهذا الواجب الشرعي الجهادي كخيار لا بد منه لتحقيق اهدافها في التحرر، مثل هذا التوجه لا يندرج تحت ظاهرة التطرف والارهاب كونه يحمل هدفا وطنيا يختلف عن من يتبنى العنف والقتال كنهج وفكر وحل لا بديل له لتحقيق التغيير وهو ما يندرج تحت مسمى الارهاب . وقد كانت حملات المتطوعين تجري بعلم وتشجيع بل وتكريم من قبل الإدارات الامريكية كما في افغانستان بعد انسحاب القوات الروسية ، لكن الذي حدث في العراق بعد غزوه واحتلاله ، تمّ التعامل مع المقاومة العراقية للإحتلال من قبل الادارة الامريكية والسلطة الحاكمة كظاهرة غير شرعية وارهابية وليس كمقاومة وطنية مبررة ومشروعة لاحتلال قائم وبالتالي فقد اصبح اي دعم او اسناد لهذه المقاومة عمل إرهابي وهو ما شكل حالة من الردع والخوف لدى الحكومات والأنظمة العربية الحاكمة عن أي دور فاعل في دعم تنظيم عمليات التطوع والمشاركة في المقاومة العراقية وبقي الاسناد المعنوي والاعلامي والمادي لفصائل المقاومة أمر خارج نطاق التدخل الرسمي ومن المؤكد ان مساعدات أفراد او تجار او واجهات زكاة كانت تصل لهذه الفصائل من اطراف عربية واسلامية خارج نطاق الحكومات ، وعلى العكس من ذلك وبضغوط دولية على الانظمة الحاكمة تم اتخاذ الاجراءات القاسية لتجفيف منابع الدعم المالي والتطوع الفردي للمقاومة واستمر نفس النهج فيما يخص اعتبار حركات التطرف والعنف كالقاعدة وداعش وتنظيم الدولة وحتى الاخوان المسلمين كحركات محذورة على قائمة الارهاب ، لا يجوز التعامل معها بل إخراجها ونفيها . نعم هناك مقاتلون عرب ومسلمون قاتلوا ضمن فصائل المقاومة العراقية في حينها ضد قوات الاحتلال ، كما يتواجد عرب ومسلمون أجانب يقاتلون في صفوف القاعدة والنصرة وتنظيم الدولة في العراق الآن بطرق و وسائل افرادا وجماعات بطرق و وسائل متعددة امام ظاهرة غياب الهيمنة على
الحدود والفلتان الامني ، وبالرغم من تكرار التصريحات العراقية المعلنة الرسمية والشخصية عن دور حكومي إقليمي وخليجي مساند لهذه الظاهرة ، لا يتوفر اي دليل او وثيقة يثبت ذلك . تركيا والأنظمة العربية الرسمية تعلن وقوفها مع العملية السياسية وحكوماتها وتحضر مؤتمراتها وتتبادل التمثيل السياسي والزيارات والعلاقات التجارية مع السلطة العراقية بشكل اعتيادي في حين ان فصائل المقاومة والقوى المناهضة للاحتلال لغاية اليوم تعتقد اعتقادا جازما بان جوهر العملية السياسية وركائزها واهمة وخائبة ولا يمكن اصلاحها من داخل طواقمها المتحكمة . القوى السنية المشاركة في العملية السياسية وسلطتها سواء بصفة شخصية او رسمية تتبادل الزيارات والاراء حول الاحداث والاوضاع في العراق مع انظمة وحكومات إقليمية حاكمة وربما تلقت دعما سياسيا او ماديا بصفتها الرسمية ، ولكن ذلك لا يبرر ما يكرره شركائهم من ساسة الشيعة ( تدعمهم إيران بالمال والسلاح جهارا نهارا بل بتواجد مقاتلين ايرانيين وقوات فيلق القدس وقائده سليماني للقتال في العراق بذريعة داعش )، اتهام االسعودية ودول الخليج بدعم خلايا الارهاب والتكفير في الوقت الذي تقوم فيه دول الخليج بإعلان حربها على مجمل حركات الاسلام السياسي المعتدل والمتطرف سواء كان إرهابيا او غير متلبس في الإرهاب .
الظروف العصيبة التي تواجه الانظمة العربية وحالة العنف التي تجتاح عواصمها ، لا تعطيها فسحة لأي مبادرة لتبني مشروعا عربيا فيما يخص النكبة العراقية او أزمات أقطارها المشتعلة ، لكن عرب العراق السنّة منهم والشيعة اللذين يشكلان جوهر الأزمة العراقية ، هم اليوم بأمس الحاجة لمشروع وطني مدعوم عربيا ، لا سبيل عنه ولا حل سواه يضمن وحدة وأمن العراق وانتشاله من محنته ونكبته ، العرب مدعوون ساسة وانظمة للمساعدة في نشوء هذا المشروع وتحقيق المصالحة الوطنية بخطوات جريئة وفاعلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
تكاد قضية النفوذ الأجنبي والإرهاب تشكل جوهر اأزمة الأنظمة العربية ، ولو كانت هناك إرادة واستقلالية في اتخاذ القرار ، لكان بامكان المشروع العربي الجامع ان يقدم الحلول لكل أزمات المنطقة ، ولما كان بامكان ان تتم التحالفات والاصطفافات والاستعانة بالأجنبي بكل تعقيداتها ومضاعفاتها ، والتي تشكل نقطة ضعف وابتزاز لهذه الأنظمة ، مع ان الجميع يدرك ان الحل يكمن بيد الشعوب والقيادات العربية . وان وحدة الشعوب وارادتها هي الغالبة وليست مصالح الإرادات والقوى الاجنبية الطامعة والتي لا تقاتل بالنيابة وانما لتحقيق اهدافها ومخططاتها .