في جميع دول المعمورة هناك جملة من الرموز الوطنية التي تعكس وحدة المجتمع وتمثل سيادة الدولة ، وأن أي مساس بقيمتها أو التقليل من شأنها كفيل بإثارة حفيظة أجهزة السلطة المعنية ، ليس فقط للدفاع عن سلامتها والحفاظ على كرامتها فحسب ، وإنما لإيقاع القصاص بكل من تسول له نفسه الإساءة إليها أو التطاول عليها ، كائنا”من يكون وتحت أي ظرف من الظروف . هذا ما يحصل عادة لدى جميع الدول الصغيرة والكبيرة ، المتقدمة والمتخلفة ، الإسلامية والعلمانية ، الديمقراطية والدكتاتورية . باستثناء (دولة) العراق العتيدة التي أضحت مطية لكل راكب ومستباحة لكل ناهب ، سواء من هؤلاء السرّاق وشذاذ الآفاق الذين نصّبتهم الهمجية الأمريكية في الداخل ، أو من أولئك الذين طالما تربصوا شرا”بالعراق أرضا”وشعبا”وتاريخا”وهوية من الخارج ، بعد أن أتاح لهم الغزو الأمريكي الغاشم نفث سمومهم وحقن جراثيمهم في كيان هذا البلد الجريح ، بحيث بات آيلا”إلى التذرر إلى دويلات متنازعة والتبعثر إلى جماعات متصارعة . أكتب هذا وفي حلقي غصة مما شاهدته وقرأته من على مواقع التواصل الاجتماعي ، التي لم تبرح تبث مشاهد مثيرة للقلق وباعثة على الاستغراب بخصوص صمت حكومتنا وتجاهل ساستنا حيال التجاوزات الإيرانية المتواصلة – تحت يافطة مساعدة العراق على مكافحة الإرهاب – ليس فقط في الشأن السياسي وصناعة القرار السيادي فحسب ، بل وكذلك في الاستهانة برموزنا الوطنية والمساس بحرمتها من خلال رفع الأعلام الإيرانية على مداخل المدن العراقية ، فضلا”عن لصق صور الشخصيات السياسية والدينية الإيرانية في الأماكن العامة ، هذا بالإضافة إلى رفع لافتات كبيرة في بعض شوارع بغداد الرئيسية ، تمثل بعض التنظيمات الحزبية الإيرانية ذات الطابع الطائفي . هذا في حين إن تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية ماض – على قدم وساق – في عمليات (تدعيش) المؤسسات والعلاقات والذهنيات ، في الشطر الآخر من الجغرافية العراقية ، كما لو أن دولة (الخلافة) أضحت حقيقة واقعة تفرض وجودها بقوة الشكيمة ورجاحة التنظيم وزخم الدعم وشراسة الطباع . وبين تدخل القوة الناعمة (الإيرانية) في الوسط والجنوب ، والقوة الخشنة (الداعشية) في الغرب والشمال ، فان رموزنا الوطنية – وبسبب من خذلانها السيادي وبطلانها القيمي – لم تعد قادرة على لعب دورها في التوحيد الاجتماعي وممارسة وظيفتها في التجانس الثقافي . بقدر ما باتت ضحية للمتاجرة في أروقة السياسة الموبوءة بالفساد ، وأداة من أدوات التعبئة الطائفية والتضليل الإعلامي . والحقيقة إن الحكومة التي لا تحترم رموز دولتها ولا تهتم لمصالح شعبها ، لا ينبغي لها أن تتوقع من أيا”كان أن يبدي أي ضرب من ضروب الاحتراز من التطاول على الأولى والتحايل على الثانية ، طالما إن أهل الشأن المعني بعيدين كل البعد عن صونها من عبث العابثين وإبعادها عن إساءة المسيئين ، وجعلها بالتالي عنوان هيبة الدولة وإطار وحدة المجتمع !!.