ربما لم يعرف العراق في تاريخه الحديث ظروفا اصعب واشد تعقيدا من الظروف التي يمر بها الان, لم يعد العراقيون هم اللاعبون الاساسيون في اللعبة على الرغم من انها تجري على ملعبهم وتكتوي جماهيرهم بنيرانها.
فهناك اللاعب الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية, حيث دخلت بكل ثقلها الى المشهد العراقي خاصة بعد عام 2003 , وهي وان تنازلت طائعة عن شئ من هذا الدور لكنها تبقى لاعبا رئيسيا بجانب لاعبون اقل حجما من بينهم الدول العربية التي اختارت ان تبقى على الهامش وبالتالي فقدان العراق العمق الطبيعي الذي يسانده, فكان هناك من ملأ الفراغ واصبح لاعبا محوريا ينافس نظيره الامريكي دون ان يصطدم به, انها ايران التي لولاها لما سقطت بغداد كما صرح بذلك ساستها, والتي تملك اليوم زمام اربع عواصم عربية من بينها بغداد وتسعى للمزيد كما تعلن دون خوف او حياء.
في هذا التوقيت الحرج جاءت زيارة رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري الى ايران لتكون استكمالا لجولاته في الدول العربية التي بحثت اوضاع العراق وعلاقاته مع دول الجوار العربي وسعيه للانفتاح مع دول العالم واعادة تمثيلها الدبلوماسي الى العراق, ومن هنا فان زيارة الجبوري التي تكتسي اهمية كبيرة جاءت في توقيت مهم بعد ان دعوة منذ اكثر من شهرين, لكن رئيس البرلمان اثر ترتيب الاوراق عربيا قبل الانتقال الى الجارة الشرقية التي وصل دورها في العراق الى اعلى مستوياته بحيث اصبح التدخل العسكري غير خاف على احد.
ان المهمة التي يضطلع بها الجبوري كرئيس للسلطة التشريعية تتطلب منه فتح القنوات مع اي جهة بما يضع حلولا للمشكلات سيما بعد تعاظم ازمة المليشيات والدور الذي تقوم به في العراق باشراف ايراني مباشر, لذا فان التعامل مع الازمة من مصدرها الرئيس افضل واسرع نتائج من التعامل مع التوابع, مع ما يقتضيه العرف الدبلوماسي من فتح خطوط الاتصال مع الجميع لان المقاطعة لاتجدي نفعا, ولا تحل معضلة.
اما اذا اردنا ناخذا الموضوع من جانبه الشرعي فان الشواهد اكثر من ان تحصى, ويكفي ان تعرف ان النبي صلى الله عليه وسلم فاوض يهود المدينة, وخاطب نصارى مصر والشام, ومجوس فارس , وعقد صلحا مع مشركي قريش, كل ذلك يدخل في باب المصالح التي تعد اساس التشريع في الاسلام.
واذا كان التاريخ يشهد على العداوة المتجذرة المتجددة مع ايران, فان فيه شواهد كثيرة تبين ان قنوات الحوار لم تغلق تماما حتى في حرب السنوات الثماني التي كانت فيه رسائل القيادة العراقية تتواتر الى طهران لايقاف الحرب المنسية التي اكلت الاخضر واليابس, حتى تجرع الخميني بعدها السم الزعاف, وسبق ذلك اتفاقية الجزائر وغيرها من خطوط التواصل التي كانت تهدف الى ترميم العلاقة بين البلدين ودفعها الى نقطة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الاخر.
ان احدا لا يستطيع انكار الدور السئ الذي تضطلع به ايران في العراق وفي المنطقة برمتها, والسياسية الايرانية التي تمتاز باللعب على اكثر من حبل ينبغي ان تواجه بنفس الاسلوب وهو ما ينبغي ان يفطن له السنة, وان ينبذوا اصحاب المراهقة السياسية الذي لا يجيدون الا النقد, ولا يحسنون الا الجلوس على التل والتربص لكل حركة يقوم بها الاخرون ممن يريدون اغتنام انصاف الفرص لنصرة اهلهم واستحصال حقوقهم بكل الوسائل ومن بينها السياسية التي لمن لا يعرفها, فهي فن الممكن.