تبدي الحكومة العراقية حذرا حيال مناشدات العشائر السنية لتسليحها بهدف مواجهة تنظيم داعش المتشدد الذي يتقدم في مناطقها بالأنبار. ويرى مراقبون أن هذا الحذر نابع من مخاوف الحكومة العراقية “الشيعية” من تقوية دور السنة، وهو ما يعيد إلى الأذهان حقبة صدام حسين التي عانى خلالها شيعة العراق من الاضطهاد والقمع، فضلا عن مخاوف دول الجوار العراقي.
وتحرص الحكومة العراقية على الاحتفاظ بقاعدتها الحزبية التي تستند إلى المكون الشيعي الذي يعمل على فرملة حكومة حيدر العبادي ومنعها من التمادي في خططها لتسليح السنة.
ويضاف إلى ذلك عامل آخر يتمثل في حالة التشتت التي يعيشها المكون السني ذاته، فالعشائر السنية موزعة الولاءات، فهناك من يعبر عن ولائه للنظام العراقي السابق ولقيادات حزب البعث التي تنشط في بعض المناطق، وثمة من يمثل امتدادا للصحوات العشائرية التي وصمت بأنها تعاونت مع المحتل الأمريكي، وهناك طرف ثالث يؤيد الحكومة المركزية.
وثمة أصوات تذهب إلى أبعد من ذلك، إذ تلمح إلى تعاطف بعض السنة مع تنظيم داعش المتشدد، وهي ترى أن هذا التنظيم ما كان لينجح في السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد لو لم يجد الحاضنة الاجتماعية “السنية” الراضية عن سلوكه وممارساته.
ولا يخفي أفراد من الحشد الشيعي، الذي تأسس في أعقاب اجتياح داعش لمناطق في العراق، خشيتهم من الخطر السني، إذ يعتبرون أن السنة من المدنيين يمثلون تهديدا يوازي خطر داعش، لأنهم جعلوا من مناطقهم حواضن للإرهابيين.
وتعتقد أعداد من الطائفة الشيعية أن جميع السنة يحلمون بعودة البعثيين ويعملون لأجل إعادة انتاج صدام حسين جديد.
وكانت عشيرة البونمر العراقية السنية التي فقدت المئات من ابنائها في المعارك ضد داعش قد شكت من أن الاسلحة القليلة التي زودتها بها الحكومة العراقية لا تصلح إلا للصيد والمناسبات الاجتماعية التي تطلق فيها الرصاص تعبيرا عن الفرح.
ويرى مراقبون أن مسألة تسليح شريحة من المجتمع غالبا ما تكون لها ارتدادات عكسية كما حصل في السودان وليبيا واليمن، على سبيل المثال، ومن هنا، فإن الحكومة العراقية تخشى من عدم قدرتها على ضبط هذه المسألة بحيث تتحول ولاء أبناء العشائر للعشيرة ذاتها وهو ما يقوض مرجعية الدولة وسلطتها.
ويعاني اليمن من سطوة الحوثيين الذين يمتلكون عددا هائلا من قطع السلاح يستخدمونها لفرض اجندات سياسية، والحال كذلك في السودان الذي يشكو من ممارسات جماعات الجنجويد التي سلحتها الحكومة، بينما تعيش ليبيا، بدورها، على وقع معارك اججتها الميليشيات الإسلامية المتشددة التي تمتلك فائضا من الأسلحة تستخدمها لتحقيق مكاسب سياسية.
ولا يتعلق رفض التسليح بالحسابات الداخلية العراقية المعقدة فحسب، بل يثير هواجس إقليمية كذلك، وهو ما يفسر موقف واشنطن الرافض لخطوة تسليح العشائر رغم حاجتها الماسة إلى مقاتلين ضد تنظيم داعش.
ويعرب مراقبون عن اعتقادهم أن أمريكا ترفض دعم المكون السني وفق اسس ميليشياوية لأن هذا الإجراء يمثل تهديدا لحلفائها في المنطقة وخصوصا الأردن والسعودية، لا سيما وأن ثمة حدودا برية طويلة تربط هاتين الدولتين مع المناطق العراقية في الأنبار التي تشكل معقلا للطائفة السنية، والتي يسيطر داعش على مساحات واسعة فيها.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن أي دعم للسنة سيوفر تربة خصبة لانتعاش التنظيمات السنية المتطرفة، كما حصل في سوريا، غير ان المخاطر لن تقف عند حدود العراق بل ستصل إلى العمق الأردني والسعودي.
ورغم أن عمان والرياض لم تصدرا اي موقف إزاء تسليح سنة العراق، لكنهما من حيث المبدأ تعارضان إنشاء اي قوة عسكرية ذات طابع ميلشياوي على حدودها، وهما تدعمان الحكومة العراقية وجيشها في جهودها ضد داعش.
وتدرس الحكومة العراقية حاليا حلا بديلا عن تسليح العشائر عبر السعي لإعادة قوات الشبح العراقية إلى الحياة بعدما كشف العبادي عن وجود أكثر من خمسين ألف “جندي وهمي”، كانوا مسجلين رسميّاً على قائمة رواتب الجيش من دون أن يكون لهم اي حضور فعلي.
وتشير دراسة حديثة إلى أن القوة القتالية الفعلية للجيش العراقي تبلغ 104 آلاف عنصر فقط، ويضاف إلى هذا العدد حوالي 120 ألف عنصر من قوات الحشد الشعبية من الميليشيات الشيعية وحوالي 115 ألف عنصر من قوات “البشمركة” التابعة لإقليم كردستان.