لامجال مفتوح للهروب من الواقع المؤلم، لاحكماء الشيعة تغلبوا على صوت المتطرفين في المذهب الشيعي ولا حكماء السنة تغلبوا على صوت المتطرفين في المذهب السني،كلاهما خسر اللعبة، وعلق مايجري على شماعة التأريخ، ليست هذه رؤية ظلامية لكنها قريبة كثيرا إلى المشهد في العراق المتعدد الطوائف ، لقد بات التنوع الطائفي في المناطق يشكل خطراً كبيراً، وكثر الحديث الطائفي من كل صوب ومن كل جانب ، وأصبح الحديث عن تعزيز المشتركات المذهبية ، ماهي إلا لغة المترفين في المذهبين، لقد لعب الإعلام الطائفي دورا ً بارزا في إضفاء اللباس الطائفي على المجتمع ، الذي عززه الإعلام الشعبي (الفيسبوك)، الذي دخل إلى عمق البنية الاجتماعية، مع ذوبان لغة الحوار والفكر أمام لغة الدم والقتل على معايير وأسس مذهبية ، لابد أن نتحدث بشكل صريح وواضح أن الخلافات العميقة بين السنة والشيعة سياسية بنكهة طائفية ، وأن الحلول لايقاف نزيف الدم يتطلب المضي في إبعاد رجال الدين المتطرفين عن مقود المذهب ، والعمل على تخطي الخلافات التأريخية التي لايجدي الحديث فيها سوى خلافات عقائدية ، سرعان ماتتحول إلى سيارات مفخخة وهاونات ورصاص تحصد أجساد الأبرياء.
لم يعد الوقت كافيا ً لاستمرار الخلافات ومدّ حبل التطرف إلى ما لانهاية ، ولم يعد الوقت كافيا للتجافي الفكري بين المذهبين، إن كل مايجري في العراق من جرائم ارهابية لها جذور طائفية ، حتى تلك التي تأخذ طابعا ً جنائيا ،فقبل أيام بثت فضائية معروفة تحقيقا مع مجرم سارق لمحل للأجهزة الهاتف النقال قال : إن سبب سرقته للمحل ، هو أن صاحبه من مذهب لاينتمي إليه.
يعني ذلك أن المنظومة القيمية للمجتمع قد ضربت في العمق ، وأن سنوات التفكير الطائفي وعمليات الابتعاد عن الآخر للأسباب طائفية قد جنى ثماره الإقليميون ، وقد انتعش المرتزقة وفرح المتفرجون، لا مجال سوى المصارحة الدينية، نعم ينبغي أن نسأل لماذا يقاتل بعضنا الآخر ولم كل هذه الدماء تسيل من أجل خلافات فيها لمحة تأريخية لانعرف مدى دقتها.
إن وقوف حكماء رجال الدين موقف العاجز الساكن لايناسب دورهم ولاينسجم مع وظيفتهم الأساسية في المجتمع ، فقد بات الدين في خطر ،وبات المتطرفون يشكلون معضلة بلا حل . وإن رجال الدين الذين يديرون ظهورهم لعمق المشتركات المذهبية ، والذين يثيرون النعرات الطائفية ويعمقونها، لابد من اجتثاثهم من المجتمع ، ولابد من إعادة النظر بمجمل المواقف والقرارات والأفكار التي صهرت المواطنة وعززت الطائفية وأدت إلى اقتراب ولادة دين شيعي وآخر سني.