تحاول الدول والشركات الإحتكارية إنقاذ نفسها وقت الازمات المالية، وتبدأ بالبحث عن الحلول ، ولو بإشعال حروب طاحنة، إما لإزاحة المنافسين أو لغزو أسواق جديدة، أو لتحقيق الهدفين معا… واندلعت الحروب الإستعمارية بين الإمبرياليات من أجل السيطرة على الأسواق والمواقع الإستراتيجية… وخرجت أمريكا من الحرب العالمية الثانية، أقوى مما كانت عليه (لأن الحرب العالمية الأولى والثانية خربتا أوروبا و العالم،ماعدا الأراضي والبنية التحتية والمصانع الأمريكية بقيت بمنآى عن الخراب والدمار, وكما يذكر المفكر الفرنسي روجية غارودي (ان امريكا لم تخسر في الحرب العالمية الثانية سوى مئة الف قتيل بينما اوروبا خسرت الملايين من البشر) وهيمنت على بقية العالم، خصوصا أوروبا، بواسطة المساعدات المالية (مشروع مارشال)، والقواعد العسكرية الأمريكية، وانطلاق مرحلة جديدة في التاريخ الأمريكي تكون فيه الثورة الصناعية التي هي الاساس في السيطرة على العالم، إذ حقق الأمريكيون لأول مرة في تاريخهم فائضا في الميزان التجاري. ومما لاشك فيه فإن هذا الفائض يدفع الصناعيون والممولون والساسة للحديث عن الحاجة لمنافذ خارجية للطاقات والسلع الأمريكية فأصبحت فيه أمريكا في عالم تتنافس فيه الدول على التجارة والملاحة. حيث كان الحل الإمبريالي الوسط هو السماح للعلم الأمريكي بالتقدم ونتج عن هذا في السياسة الخارجية التزام قوي بالسعي وراء أفكار مجردة مثل الحرية والديمقراطية والعدالة، وتكون بذلك قد وضعت البداية الأولى لتأسيس الدولة الاحتكارية. هذه الدولة التي ظهرت ملامحها مع خطاب ويلسون غداة الحرب العالمية الأولى حيث أكد: (إننا -كأمة أمريكا-مشاركون سواء أردنا أو لم نرد –في حياة العالم ومصالحه التي هي في الأصل مصالحنا. التعامل الصريح والسلام المشترك والتوافق والتعاون) حيث تحركت ” صوت أمريكا من خطاب ويلسون – الذي أخذ اسمه فيما بعد يطلق على المبدأ للشؤون الخارجية لتحقيق انخراطها في أحداث الحرب العالمية الأولى بأنها انطلاق حملة لردع العالم وجعله سالما وأكثر ديمقراطيا، ولصيانة مبادئ السلام والعدل في العالم كان لزاما على ويلسون أن يقحم جنوده في حملة لإنهاء الحرب الأوربية وجعل العالم آمن من أجل الديمقراطية-حسب ادعاءه-.. وسوف نقاتل من أجل الديمقراطية، من أجل حقوق الإنسان وحريات الأمم الصغيرة ..من أجل هيئة عالمية للأمم الحرة تأتي بالسلام والأمن لكل الأمم وتجعل العالم نفسه في النهاية حرا” وبذلك أحس ويلسون أن الليبرالية العسكرية هي المنقذ الوحيد للحضارة من الفوضى، وأن الرغبة في القوة مسألة كبيرة-طبعا الاهداف المعلنة لامريكا-. وبظهور القوى الأوربية الكبرى التي حدت من الليبرالية العسكرية وتراجع مصالح أمريكا أمام الزحف الشيوعي دفع دبلوماسييها إلى تطوير إستراتيجيتهم من خلال التفكير في “احتواء” الأزمة بدل مواجهتها وهم بذلك يؤسسون لمبدأ في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية الذي كان في البداية عبارة عن مشروع بسيط لإعادة إعمار أوربا وتأهيلها في إطار ما يعرف بمشروع مارشال ليتوج بمحاصرة المد الشيوعي ، لتدخل أمريكا في مرحلة انسجمت فيها سياسة الاحتواء مع الليبرالية. وازداد نفوذها في آسيا، حيث ركزت قواعدها في اليابان، وكوريا الجنوبية (بعد الحرب الكورية)… ومنذ الحرب العالمية الثانية لم تشتعل حرب بين الإمبرياليات الغربية، واصبحت الإمبريالية تؤجج حروبا إقليمية باستمرار، في عدة مناطق من العالم، لتشغيل وتطوير صناعة السلاح، ولتفكيك الدول الوطنية (خصوصا في افريقيا والوطن العربي) والسيطرة على مختلف الثروات واحتلال المواقع الإستراتيجية، أو لإزاحة الخصم الذي كان متمثلا في الإتحاد السوفياتي إلى غاية انهياره سنة 1989، فتغيرت وتيرة الحروب وشكل غزو بنما عملية تدريب أولى للجيوش الأمريكية، قبل المرور إلى حروب محاصرة وتفكيك الدول، في العراق (1991) ويوغسلافيا، ثم أفغانستان والعراق ثانية، باحتلاله، وجربت أمريكا القصف من البحر والجو، قبل احتلال العراق وأفغانستان، ثم استعمال جيوش المرتزقة , وخلق فتن مذهبية وطائفية وعشائرية، وحروب داخلية تقضي على أسس الولاء للوطن والوحدة الوطنية والدولة الوطنية والجيش الوطني الخ… وفي نفس الوقت تقوية موقع الحلفاء كاسرائيل، تتجلى مظاهر التنافس الأمريكي-الأوروبي في تزعم الولايات المتحدة الأمريكية للعالم الغربي، انطلاقا من إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، المتمثلة في المحافظة لأطول مدة ممكنة بموقع قوة عظمى وحيدة في العالم، وذلك للحفاظ على المجال الأمريكي الذي ليس له حدود، إذ حيثما توجد المصالح الأمريكية، فهناك يمكن تحديد المجال الأمريكي، ونتيجة لتناثر المصالح الأمريكية عبر العالم، فلا يمكن التحدث عن تحديد المجال الأمريكي، واتساقا مع هذه الإستراتيجية تعمل الولايات المتحدة الأمريكية كل شيء من أجل ردع الخصوم بين الدول الصناعية التي قد تفكر يوما في تحدي أو مواجهة الهيمنة، والوقوف في وجه الدور الكبير الذي تلعبه أمريكا على الخريطتين الإقليمية والدولية . إلا أنه في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية طرأت متغيرات هامة على الخارطة السياسية الدولية، من خلال خروج أوروبا من دائرة القوى العظمى وتحول الثقل الدولي الذي كانت تتمتع به أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي ورثت النفوذ الأوروبي على الصعيد العالمي، بحيث كرست كل سياستها الخارجية لحماية مصالحها القومية الحيوية المادية والاقتصادية ، ولجأت إلى تهويل الخطر الشيوعي .كل الدول والقوى السياسية التي تسير في فلك النظام الرأسمالي العالمي. من أجل محاربة “الشيوعية”، ولقد وضع هذا الاستقطاب حجر الأساس لانقسام العالم إلى كتلتين رئيسيتين منذ إعلان مشروع “مارشال” من قبل الرئيس الأمريكي “ترومان”، والقاضي بتقديم الدعم العسكري لأوروبا الغربية والدول الحليفة المحاذية لهذا الخطر، والذي عدَّ بمثابة خط الدفاع المتقدم في مقدمتها تركيا لمواجهة الاتحاد السوفييتي. واستمرت حالة الانقسام حتى وصلت ذروتها في تأسس الأحلاف الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبرى والمتمثلة ( الناتو، ووارشو)، وبدأت سياسات التعبئة المستمرة واستنزفت الموارد والطاقات الاقتصادية والبشرية والإعلامية، ووضعت السياسات الاستراتيجية والتكتيكية لتعميق الانقسام من جهة، وتحقيق النصر من جهة أخرى في إطار حرب باردة بين المعسكرين. وفي ظل هذه الأوضاع الدولية، لا يمكن لنا تجاهل الأطراف الأخرى، وهي القوى الإقليمية مثل تركيا التي احتلت وبصورة متزايدة الأهمية الكبرى في إطار الاستراتيجيات القطبية، ووضعاً حساساً في نطاق العلاقات الدولية المعاصرة، إذ لم يعد بالإمكان تجاهلها كفاعل في العلاقات الدولية أو كموضوع للاستقطاب الدولي في نطاق الصراع بين النظامين العالميين الرأسمالي والاشتراكي. شهدت السياسة الخارجية الامريكية المعسكرة خلال عامي 2006 و2007 انتكاسات في المنطقة. واضطرت الادارة الى تعديل استراتيجيتها والانتقال من ايديولوجية وسياسة المحافظين الجدد الى رؤية الواقعيين. وبالنتيجة لوحظ انتقال معين من النزعة العسكرية الحربية الى دبلوماسية الاحتواء والقوة الناعمة، في محاولة للخروج من الازمة السياسية ـ العسكرية التي ورطت ادارة بوش النظام السياسي الامريكي فيها. ان ادراك هذه العملية للتعديل و الانتقال التدرجي يستند الى وقائع ملموسة حدثت داخل النظام السياسي الامريكي، اذ ان الامر يتعلق بالمصالح العليا للاوليغارجية المسيطرة، والتي تفرض نفسها على اية ادارة سواء كانت جمهورية ام ديموقراطية. ومع انتهاء الحرب الباردة وما أدت إليه من تغير فى البيئة الأمنية، سعى قادة الحلف إلى التكيف مع هذه التغيرات وقد بدأ ذلك بقرار مجلس شمالى الأطلنطى فى يونيو عام 1990، حيث رأى قادة الحلف أنه مع أن دور الحلف الرئيسى ـ الدفاع المشترك ـ لا يزال قائما ومطلوبا، فإن التغيرات فى البيئة الأمنية المحيطة تقتضى تغيرا فى المهام العسكرية التى تواجه أعضاء الحلف، ومن ثم لابد من إدخال تغييرات على استراتيجية الحلف العسكرية. وترافق مع ذلك قرار لجنة تخطيط الدفاع بإجراء مراجعة شاملة للاستراتيجية العسكرية للحلف من أجل وضع متغيرات البيئة الجديدة فى الاعتبار. وبعد ذلك بحوالى شهر، حدد إعلان لندن الصادر فى يوليو عام 1990 المبادئ الاسترشادية بشأن عقيدة الحلف العسكرية وتشكلت مجموعة لمراجعة العقيدة العسكرية للحلف، وبحلول نوفمبر عام 1991 أكملت المجموعة عملها ومن ثم أصدر قادة الحلف إعلان روما فى نوفمبر عام 1991 حول السلام والتعاون، أكد على أن التحديات والمخاطر الأمنية التى أصبح الحلف يواجهها تختلف فى طبيعتها عما كانت فى الماضى من حيث: ـ إن التهديد بهجوم شامل على كل جبهات الحلف الأوروبية لم يعد قائما وبالتالى لم تعد نقطة التركيز فى إستراتيجية الحلفاء. ـ إن خطر الهجوم المفاجئ فى وسط أوروبا قد تراجع واتسعت مدة الإنذار بالنسبة للحلفاء. ـ إن المخاطر التى يواجهها الحلفاء أصبحت متعددة الأوجه والجهات مما يجعل من الصعب التنبؤ بها وتقييمها، ويتعين على الحلف أن يكون قادرا على الرد على هذه المخاطر لضمان الاستقرار فى أوروبا. تتسم العلاقات الأمريكية-الأوروبية بمزيج من التعاون والتحالف،هذه العلاقات تحكمها المصالح الحيوية لكلا الطرفين في المنطقة، إذ تعتبر أوروبا أن منطقة شمال افريقيا هي مجالها الحيوي، بحكم القرب الجغرافي، والروابط التاريخية الاستعمارية، وبالتالي تعمل على احتواء المنطقة عبر الشراكة الأورو-متوسطية، بينما تشكل شمال افريقيا في نظر الولايات المتحدة الأمريكية فراغا استراتيجيا لابد من ملئه، وذلك في إطار تأمين المصالح الأمريكية وفي إطار عملية الهيمنة والزعامة المطلقة على العالم. أما بالنسبة لقوات الردع الأوروبية فنجدها فكرة أوروبية ردا على التحدي الأمريكي الخاص بالمسألة الأولى، إذ في نظر القادة الأوروبيين لا يمكن المحافظة على الحضارة الأوروبية الناشئة بدون وسائل دفاع خاصة بها، ومن ثمة فإن قوات الردع الأوروبية تعتبر الضامن الوحيد لضمان أمن واستقرار أوروبا من الهيمنة الأمريكية. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت هذه المسألة المتعلقة بالقوة الأوروبية بمثابة تهديد لوجود الحلف الأطلسي، فعملت على الأقل لتفجيرها من الداخل وربطها بالحلف الأطلسي.فالمخاوف الأمريكية تتمثل في أن تؤدي قوات الردع الأوروبية إلى فقدان أمريكا السيطرة على مستقبل الدفاع الأوروبي والتي طالما احتفظت به ووجهته طبقا لمصالحها الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية . و لتكريس الهيمنة تستخدم السياسة الخارجية الأمريكية، القوة العسكرية المنتشرة عبر العالم، والتي تتدخل في الصراعات المسلحة لإيجاد الحلول المناسبة، كما تستخدم القوة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، بهدف إقناع الخصوم الحاليين (أوروبا) بأنهم ليسوا في حاجة إلى أن يلعبوا دورا كبيرا نسبيا، لأن الهدف هو بقاء موقع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة، قائدة للعالم وتستطيع ردع أي أمة أو مجموعة من الأمم قد تفكر يوما في تحدي أمريكا، أو أن تشكك في النظام الاقتصادي والسياسي الذي ترفعه. حيث تطالب الدول الأوروبية الأعضاء فى الحلف بتدشين “بنية عسكرية ذاتية” تتولى النهوض بأعباء أمن القارة الأوروبية لاسيما فى الحالات التى لا تبادر فيها الولايات المتحدة بالتحرك أو لا تجد لها مصلحة فى هذا التحرك فى حين ترى الدول الأوروبية ضرورة التحرك السريع وفى الوقت الذى ترى فيه واشنطن أن اتحاد غرب أوروبا بعد تفعيله يمثل البنية الأمنية الأوروبية داخل الحلف، فإن الجانب الأوروبى يرى ضرورة تطوير بنية أمنية منفصلة تماما عن الحلف ضمانا لاستقلالية القرار الأوروبى والقدرة على الفعل المستقل بعيدا عن الهيمنة الأمريكية على الحلف. و في الستينات و السبعينات حققت حركات التحرر انتصارات ساحقة ضد الاستعمار الغربي في الكثير من الدول الإفريقية والاسيوية وانتصرت الثورة في فيتنام ووحدت وطنها ، وانتصرت الثورة في نيكاراغوا ضد سوموزا وطردت القواعد العسكرية في كثير من البلدان النامية ..لقد أسهم هذا في إقامة حواجز أمام سرعة التمدد الامبريالي للولايات المتحدة الأمريكية..و أصبح الوطن العربي في معظمه خطا لدول عدم الانحياز و معه معظم دول العالم الثالث..رغم ذلك كانت أمريكا توطن نفسها بالقرب من مصادر النفط وتعزز حضورها في القرار الإسرائيلي خلفا لفرنسا وبريطانيا..و عملت بدأب لإنجاح الثورات المضادة مما جعل النصف الثاني من الستينات شاهدا على حركة واسعة من الانقلابات في الدول المعادية لأمريكا. استمر الاتجاه نحو فرض النفوذ على الدول الواقعة ضمن دائرة الاستحواذ .. واخذ الاتجاه الأيديولوجي المتطرف في البروز بفعل عدة أسباب وأصبح تيار المحافظين الجدد في سدة الحكم والقرار ..وكان لريغان دور بارز في تعزيز ذلك الاتجاه.. الأمر الذي أوقع الاتحاد السوفيتي في خطأ تم تدبيره بإتقان كما أكد بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في أواسط الثمانينات حيث تم استدراجه الى احتلال أفغانستان..و كانت الفرصة للإدارة الأمريكية في حملتها المنظمة ضده ..فلقد حسم الغزو السوفيتي لأفغانستان الموقف العربي الإسلامي – على الأقل على المستوى الشعبي .و في الوقت نفسه أشغلت الولايات المتحدة إيران والعراق في حرب ضروس ، لتدمير قوتهما خوفا من تنامي قوة إقليمية في مرحلة التراجع الأمريكي التكتيكي المتولد عن الهزيمة في أكثر من موقع في جنوب شرق آسيا.. وهكذا أشرفت الإدارة الأمريكية على حربين في آن واحد الأولى ، متحالفة مع الإسلام في افغانستان ضد السوفيت ، و الثانية مع البعث والدول الخليجية ضد الإيرانين وقد تم تمويل المعركتين في الأولى أنهكت الاتحاد السوفيتي وفي الثانية حرفت الثورة الايرانية وأرهقتها.
إن المخاطر التى يتعرض لها حلف الناتو لن تأتى من عدوان محدد على أراضيهم وإنما من ظروف وأوضاع ناجمة عن صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة بما فى ذلك الصراعات العرقية والنزاعات الحدودية التى تواجهها كثير من دول أوروبا الوسطى والشرقية وهذه التوترات لا تهدد بشكل مباشر أمن وسيادة أعضاء التحالف، ولكنها قد تؤدى إلى أزمات خطيرة تهدد استقرار أوروبا وربما تتطور إلى نزاعات مسلحة تتورط فيها قوى خارجية من بينها أعضاء فى الحلف الأمر الذى يؤثر على أمن الحلفاء. من هذه المنطلقات، كانت هناك الاختلافات في الرؤى، وتحركات على كل المستويات، إذ عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحجيم أوروبا ،عن طريق إلغاء دورها كطرف له وزنه على الساحة الإقليمية والدولية، واقناعها بأنها بحاجة إلى الحماية الأمريكية في جميع المجالات وخاصة في المجال الأمني، حيث هناك خطر جديد يتمثل في الأصولية المرتبطة (الإرهاب) والذي يشكل خطرا على العالم بأسره، ومن ثمة فلابد للولايات المتحدة الأمريكية أن تقود العالم في محاربة هذا الخطر الجديد الذي يهدد العالم بـأسره، وما على اعضاء حلف الناتو إلا الانقياد إلى الأطروحات الأمريكية .هذه النظرة تقابلها النظرة الأوروبية التي تحاول أن تجسد تواجدها باعتبارها الحليف الطبيعي للولايات المتحدة الأمريكية وقوة لها وزنها الإقليمي والعالمي، وذلك عبر قوات الردع الأوروبية، للتخلص من التبعية الأمريكية في مجال الأمن، من أجل الوصول إلى نقطة التوازن في علاقاتها مع أمريكا. من مظاهر التنافس أن كل طرف سواء الأمريكي أو الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا، يحاول قطع الطريق أمام تعزيز الطرف الآخر لنفوذه في مناطق يعتبر نفسه ولأسباب جغرافية وتاريخية أنه أولى بها، فيتحول التنافس إلى حرب مواقع اقتصادية وأسواق تجارية في إطار التنافس المصلحي حول مناطق النفوذ. و من هنا يصبح الحلف الأطلسي وقياداته أداة عسكرية يمكن أن تستخدمها أمريكا متى تشاء وكيفما تشاء، وهذا ما حدث ويحدث الآن وذلك بغية استتباب الأمن والسلام العالميين، بحيث نجد أن أمريكا هي الضامن الوحيد للاستقرار في العالم. وللتخفيف من حدة التوتر الأمريكي حول هذه المسألة، فقد نفت أوروبا أن الهدف من وراء ذلك هو منافسة الحلف الأطلسي، مؤكدة أن عمل هذه القوات يتم بالتعاون مع الحلف الأطلسي عن طريق استخدام العتاد والأسلحة الخاصة بالحلف، إلا أنه يعد تفاوضا شاقا قبلت أمريكا الفكرة واشترطت أن يعهد بمهمات التخطيط العسكري إلى لجنة متخصصة للقيادة المركزية للحلف يمكن من خلالها استخدام القوات الأوروبية للعتاد الاستراتيجي للحلف. كما يمكن أن نلاحظ الخلاف القائم بين المصالح الأمريكية والأوروبية خاصة في المسائل التجارية، إذ اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات فردية في علاقتها بشركائها التجاريين بشكل يخل بالأحكام الدولية ويؤدي إلى تزايد الحماية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بامتداد بعض التشريعات الأمريكية إلى خارج أراضيها، مما يضر بالمصالح الأوروبية ومصالح الدول الأخرى عبر تعاملها مع الولايات المتحدة الأمريكية في المجال التجاري مثل الإحجام عن التعامل في المجال التجاري بالنسبة للدول التي تصنفها أمريكا في خانة دول محور الشر. لقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقلب الموازين الاستراتيجية الدولية من خلال إقرارها للسياسة الجديدة للحلف الأطلسي، إذ أنها أعطت لنفسها الحق في التدخل العسكري خارج المجال الحيوي الذي كانت تعتبره مجالها التقليدي وأصبح المجال الدولي في الحياة الدولية الجديدة مجالها الجديد. إن الولايات المتحدة الأمريكية بإقرارها للمفهوم الاستراتيجي الجديد الذي يعتبر مفهوما مكملا للمفهوم السابق الذي أقرته في مؤتمر روما عام 1991 كانت ترمي إلى توجيه رسائل مباشرة للقوى الدولية التقليدية والجديدة التي تنافسها على الإدارة الدولية. فأزمة كوسوفو أعطت التبرير للولايات المتحدة الأمريكية لاثباتها لروسيا ودول الاتحاد الأوروبي على أنها تواصل إدارتها الدولية للأزمات والتهديدات الدولية الجديدة التي تعتبر أشد من التهديدات التقليدية لان الدول الأوروبية وروسيا ستكون عاجزة عن مواجهتها لوحدها والدليل أزمة كوسوفو التي أظهرت عجز الدول الأوروبية عن مواجهة أزماتها الداخلية . وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت إلى حد ما أن تغير من رؤية بعض دول المنطقة للصراع خاصة الدول التي اتهمت بمساندتها للجماعات الإرهابية.
وقد ظهرت الأصولية بعد خروج قوات الاتحاد السوفييتي (سابقا) من أفغانستان وانتهاء حرب الخليج ، عندها رجع العديد من الذين شاركوا في حرب أفغانستان متأثرين بالتجربة الأفغانية وأسسوا جماعات سرية كانت تتلقى الدعم الخارجي من دول ومنظمات مثل السعودية لإسقاط الأنظمة القائمة ووجدت هذه الأحزاب والجماعات التسهيلات الإعلامية من دول أوربية لم يكن بمقدورها أن تجدها في دولها الأصلية.
وما يخيف الولايات المتحدة الأمريكية هو احتمال وصول هذه الجماعات إلى الحكم ، فإنها ستغير من النمط السياسي للمنطقة وتغير حتى من وجهة التعاملات الخارجية لأن هذه الجماعات لن تتعامل – إذا ما وصلت إلى السلطة – مع دول أوربية أو مع الولايات المتحدة الأمريكية، و إنما ستتعامل مع دول تتبنى الإسلام كتوجه إستراتيجي في سياستها الداخلية والخارجية ،عندئذ تتشكل كتلة سياسية موحدة في المنطقة بالإمكان أن تمتد تداعياتها إلى باقي الدول المتوسطية . وقد ظهر بجلاء للولايات المتحدة الأمريكية أنه يصعب عليها التعامل مع هذه الجماعات . وما يخيف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على حد سواء هو احتمال أن تلجأ هذه الجماعات إلى استعمال أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تكون قد حصلت عليها بطرق سرية لذلك ترغب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إقامة الشراكة الأمنية من أجل أن تنسق فيما بينها لاحتواء هذه الجماعات الإرهابية . قال كولين باول وزير الخارجية الأمريكي الاسبق في بيان أمام اللجنة الفرعية الخاصة بإفريقيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب : إن سياسة الولايات المتحدة تعارض بحزم التعصب والتطرف، سواء كان دينيا أو علمانيا في طبيعته … إن الإسلام الذي هو واحد من ديانات العالم العظيمة ليس عدونا .وقال أيضا : إن شمال إفريقيا يشكل بطرق شتى صورة مصغرة للعالم النامي ، ومجتمعاته تمر بمراحل مختلفة من التنمية الاقتصادية وتستجيب بطرق مختلفة لما يطلب من حكوماتها القيام به من أجل المشاركة السياسية والرخاء الاقتصادي. فدول حوض شمال البحر الأبيض المتوسط تعاني انكماشا اقتصاديا ، ازداد حدة عندما توحدت ألمانيا التي أظهرت عيوب اقتصاديات الدول الأوربية الكبرى كفرنسا وبريطانيا .فأصبحت الجماعات المتطرفة (كالجبهة الوطنية بزعامة ” لوبين ” في فرنسا، والحزب الفاشي الجديد في إيطاليا) تقود حملة سياسية ضد دولها من أجل تغيير الطروحات السياسية والاقتصادية الحالية لأنها طروحات لم تحقق نمواً اقتصادياً واجتماعياً . لذلك تتخوف الولايات المتحدة الأمريكية من أن تظهر جماعات وأحزاب أخرى تتبنى برامج سياسية متطرفة تتعاطف معها الشعوب الأوروبية. كان هناك نوع من التوازن الإستراتيجي خلال فترة “الحرب الباردة”، واستغلت أمريكا وحلفاؤها انهيار الإتحاد السوفياتي وحلف وارشو وسقوط أنظمة دول أوروبا الشرقية ، لبسط نفوذها على العالم، وتقوية حلف شمال الأطلسي عوض حله، بعد انهيار “العدو”… وسيطرت أمريكا عسكريا وسياسيا على مناطق جديدة من العالم، منها الوطن العربي وافريقيا وجزء من آسيا، إضافة إلى كامل منطقة أوروبا، باستثناء روسيا… وكان الشعب الفلسطيني، بشكل خاص، والعرب بشكل عام، من أكبر الخاسرين والمتضررين من سقوط الإتحاد السوفياتي، الذي كان يمثل قوة ردع يحسب لها حساب… وكانت الحرب على العراق سنة 1991، بمشاركة عربية… وتعزز بالتالي نفوذ الإمبريالية الأمريكية، التي قضت على أي هامش لاستقلالية حلفائها أومنافسيها، وقضت على محاولة بعض القادة الأوروبيين لخلق كيان سياسي أوروبي، يتمتع بنوع من استقلالية القرار. يكمن هدف أمريكا في السيطرة على مصادر الطاقة وطرق الإمداد، ليس فقط لاستهلاكها الداخلي، وإنما للضغط على منافسيها وخصومها، إذ لأمريكا مخزون هائل من الطاقة، وقد طورت في السنوات الأخيرة تقنيات الحفر واستخراج النفط والغاز ، لخفض كلفة استخراجه، وقد تصبح أكبر منتج في العالم، وقد تستغني على استيراد الطاقة، وتبقى السيطرة على مصادر الطاقة هدفا استراتيجيا أمريكيا لإضعاف الخصوم. من هنا فإن مفهوم المصلحة الوطنية قد يكون وصفا موضوعيا لواقع سياسي استراتيجي أو لمصلحة يجب تقديرها واختيارها من بين غيرها، وقد يكون إسقاطا ذاتيا أو تبريرا شخصيا لسياسة تم تبنيها بشكل عفوي وبناء على مصالح أو تصورات ليست وطنية ولا تحظى بالدعم الوطني ولايوجد إجماع عليها.وضمن المفهوم الموضوعي-فإن المصالح الوطنية تكون هي المحددات الأساسية والحاجات الجوهريةأو المعايير النهائية التي بموجبها تصيغ الدولة أهدافها ومقاصدها،وترسم سياستها الخارجية وإستراتيجيتها وتكتيكها الدبلوماسي عبر مؤسساتها الدستورية وعلى أساس مشاركة أكبر قطاع ممكن من الأجهزة المختصة،والرأي العام في الأنظمة الديمقراطية.وإذا ما قمنا بتحليل مصطلح مصالح وطنية فإننا نجد له تجليات ودلالات كثيرة.