17 ديسمبر، 2024 11:50 ص

تقرير خطير يكشف كيفية فوز المالكي في الانتخابات الاخيرة

تقرير خطير يكشف كيفية فوز المالكي في الانتخابات الاخيرة

تحقيـق رشـا كيـلاني : يعترف قيادي بارز في ائتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي، بأنه بات يفضل العودة الى منفاه على البقاء تحت رحمة الاخير وافراد عائلته، في حال استدارات الامور لصالحهم واستعادوا سطوتهم وسط الفوضى التي تعيشها البلاد الان.
القيادي الذي لم تشفع له ثلاثة عقود من معارضة نظام البعث، فخسر مقعده لصالح احد اقارب المالكي المغمورين، يقر بأن صهري الاخير، ياسر عبد صخيل المالكي وحسين هادي المالكي، وابناء عمومته علي صبحي المالكي وعلي شريف المالكي، ما كان لهم ان يصلوا الى قبة البرلمان لولا قرابتهم برئيس الوزراء وسماحه لهم باستغلال المال العام وملف تمليك العشوائيات والوظائف الحكومية لكسب اصوات الناخبين.
يمثل هؤلاء، كما تعتقد القيادية في ائتلاف الوطنية انتصار علاوي، الا عينة من البرلمانيين المغمورين الذين يدينون للمالكي بحصولهم على مقاعد نيابية، والذين راهن المالكي على وصولهم للبرلمان باستخدام المال العام كي يتمكن لاحقا من التشبث برئاسة الوزراء وإطالة أمد تشكيل الحكومة الجديدة، رغم كل ما تعانيه البلاد الان من الفوضى والعنف ومخاطر التفكك.
مثلها تماما، يعتقد الكاتب والاعلامي سرمد الطائي أن اصرار المالكي على اتباع اسلوب “منح العطايا” للحصول على مكاسب انتخابية له ولاقربائه، اعاد العراق الى مفهوم “الدولة الخراجية”، وكشف بشكل فاضح بدائية العملية السياسية وعجز الاجهزة الرقابية عن الحد من سوء استخدام السلطة، ومحاسبة المتجاوزين على المال العام.
الطائي الذي تعرض لدعوى قضائية رفعها بحقه رئيس الوزراء نفسه، ويعيش الان في منفاه الاختياري بمدينة اربيل، يقول أن صعود اشخاص مغمورين لم يعرف لهم نشاط سياسي او اجتماعي سابقا ولا يمتلكون من مقومات السياسة سوى قرابتهم برئيس الدولة واستغلالهم ملف العشوائيات والمناصب والوظائف الحكومية، “يعني ان هناك خللا فادحا في النظام وانهيارا في المنظومة الرقابية العراقية”.
على العكس من القيادية علاوي والباحث الطائي، يعتقد القيادي في ائتلاف الدولة العادلة والمقرب من المالكي، سالم الكعبي، أن حملة توزيع الاراضي التي تبناها رئيس الوزراء لم تكن الا جزءا من مبادرة السكن التي اقرتها الدولة العراقية وهدفت الى رفع معاناة المواطنين الذين حرموا من الحصول على سكن يليق بهم كمواطنين عراقيين.
الكعبي يؤكد أن الاتهامات باستخدام المال العام من قبل مرشحين لديهم صلة قرابة برئيس الوزراء “غير صحيحة على الاطلاق، وهي كانت جزء من الحملة الانتخابية المضادة لائتلاف دولة القانون من قبل بعض المنافسين”.
يعتقد مراقبون، محللون سياسيون، غرماء للمالكي ومناصرون له، أن الاخير كان حتى موعد الانتخابات، خيارا مفضلا لقطاعات ليست قليلة من العراقيين. لكن اغلب هؤلاء يعتقدون ايضا، أن الحجم الانتخابي الذي حصل عليه المالكي وبفارق ثلاثة اضعاف عن اقرب منافسيه، كان في جزء كبير منه مبنيا على حملة تمليك اراضي العشوائيات وتوزيع سندات ملكية الارض، وهو ما مكنه من رفع حصيلته الانتخابية وتحقيق حزمة من المكاسب.
ابرز هذه المكاسب، كما يرى الباحث والاعلامي ابراهيم الصميدعي، هو تكوينه كتلة برلمانية تخضع لارادته بالكامل، تضم اقاربه واصهاره ومؤيديه، وهو ما يعتقد المالكي انه يحتاجه لمواصلة السعي للحصول على الولاية الثالثة حتى “آخر نفس”، وايضا، نجاحه في تحجيم حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه منذ عام 2007، والذي من المفترض ان يكون هو صاحب قرار ترشيح المالكي لولاية ثالثة من عدمه.

العشوائيات.. أول الطريق الى السلطة
قيد المالكي طوال سنوات حكمه بناء الاحياء السكنية الافقية، مبررا ذلك بأن المدن التي تعاني اصلا من الاكتضاض السكاني، لم تعد تحتمل هذا النوع من السكن، وتمكن فعلا من اقناع مجلس الوزراء في 26 شباط فبراير 2013 باصدار قرار يمنع توزيع قطع الاراضي واعتماد البناء العمودي في كل مناطق العراق.
لكن مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، اطلق المالكي أكبر حملة لتوزيع الاراضي وتمليك مناطق العشوائيات، والتي تقدرها دائرة الاحصاء بوزارة التخطيط بـ(347) الف مسكن عشوائي في كل العراق، يسكنها نحو 2.4 مليون شخص.
خلال توزيعه اول وجبة من سندات ملكية الارض في  ايلول سبتمبر 2013، عبر المالكي عن ألمه لعدم حصول العراقيين على منازل سكنية خاصة بهم، مبررا ذلك بأن بعض المسؤولين “لم يكونوا متحمسين لتوزيع الأراضي ورفع المعاناة من المواطنين”.
وخلال الفترة الممتدة من اطلاقه مشروع تمليك الاراضي والعشوائيات (ايلول سبتمبر 2013) وحتى موعد الانتخابات (30 نيسان ابريل 2014)، وزع المالكي بنفسه أو عن طريق اقاربه واصهاره، حسبما يقول عداي جعفر مسؤول احدى دوائر البلديات في العاصمة بغداد، من 40 الى 50 الف قطعة سكنية، وهو رقم يفوق بكثير، ما وزعته الدولة العراقية منذ تسلم المالكي الحكم عام 2006 وحتى خريف عام 2013.

سندات “غير قابلة للتسجيل”
لا تحمل السندات التي وزعها رئيس الوزراء بنفسه او عن طريق اقاربه وحلفاؤه  وذيلها بتوقيع “اخوكم نوري كامل المالكي”، سوى اسم المعني بالاستلام واسم المحافظة. ويتضمن نص السندات الموزعة: “استنادا الى الصلاحية المخولة لنا بموجب الدستور وعملا بقرار مجلس الوزراء (254) لسنة (2013) قررنا تمليككم قطعة ارض بواقع (150) متر مربع في محافظة (—-) ومراجعة دائرة التسجيل العقاري وتسجيلها بدون بدل”. دون الاشارة الى منطقة التوزيع ولا رقم قطعة الارض ولا خريطة المنطقة.
أثار هذا النوع من السندات غير المتعارف عليه سابقا، حسبما يقول جعفر، جدلا بين الدوائر المعنية حول كيفية تنفيذه وتسجيل هذه الاراضي فعلا. خصوصا ان اغلب الاراضي التي وزعت “تقع ضمن مساحات غير محددة، ومتداخلة الملكية ما بين وزارات المالية والتخطيط والتربية والتعليم والكهرباء والزراعة والوقفين السني والشيعي، واغلبها غير قابل للتسجيل بالمطلق”، بحسب جعفر.
في مدينة كربلاء تكرر الامر نفسه، كما يقول النائب السابق على كردي، فاغلب الذين تسلموا السندات “راجعوا البلدية وفوجئوا بعدم وجود اي اراض مسجلة باسمهم، وطلبت منهم هذه الدوائر العودة لاحقا”.
هذا ما يؤكده ايضا رئيس مجلس محافظة كربلاء السابق محمد الموسوي، فالأراضي التي وزعها المالكي “غير موجودة على ارض الواقع، وهي لا زالت زراعية وصحراوية تابعة لوزارة المالية، ولم تحول الى وزارة البلديات ولم تفرز كقطع أراض سكنية حتى الآن”.
يؤكد عبد اللطيف الساعدي، أحد مسؤولي حملة كتلة المواطن المنافسة للمالكي، أن الاخير تعمد توزيع قطع الاراضي بهذه الطريقة، كي يضمن أن المستفيدين سيصوتون له لضمان بقائه في السلطة حتى لا يأتي بعده من يلغي هذه السندات.
الساعدي يقول أن كتلته حاولت توعية اهالي المناطق التي وزعت فيها السندات، بأن الاراضي التي حصلوا عليها “مجرد وهم”، لكن دون جدوى.
يشير الساعدي في هذا السياق الى ان مطالبات كتلته وباقي الكتل السياسية باستبعاد اصوات المالكي وحليفه القاضي محمود الحسن باءت بالفشل، رغم ان تسجيلا مسربا يكشف تماما كيف استخدم المالكي ملف العشوائيات لكسب اصوات الناخبين.

اوراق الملكية مقابل اوراق الاقتراع
 يخاطب القاضي محمود الحسن اهالي احدى العشوائيات السكنية، كما يكشف التسجيل المسرب، أن رئيس الوزراء كلفه شخصيا بتسليم السندات لهم، وان يقوم هو نفسه بمتابعتها (تسجيلها رسميا). لكن الحسن يشترط لانجاز ذلك بحسب ما يرد في التجيل المسرب، أن يفي المستفيدين بما وعدوا به، مكررا لاكثر من مرة أنه “سيتحاسب” معهم بعد يوم 30 نيسان (يوم التصويت) ليتأكد أنهم وفوا بوعودهم. (الرابط http://www.youtube.com/watch?v=GMWUB9IjDro).
رغم مطالبات الكتل السياسية، بما فيها كتلة المواطن، باستبعاد اصوات المالكي والقاضي الحسن على حد سواء، الا ان مفوضية الانتخابات التي يتهمها اعداء المالكي بالولاء له، اكتفت بتغريم الحسن 43 الف دولار.
اثار التسجيل المسرب، وحملات المالكي لتوزيع الاراضي في اغلب مدن الوسط والجنوب حيث يتركز ناخبوه، استياء بالغا لدى مناوئيه وحلفائه في باقي الاحزاب على حد سواء. وابرزهم حليفه السابق وسلفه في رئاسة الوزراء ابراهيم الجعفري.
الجعفري أعلن في مؤتمر علني لاعضاء تيار الاصلاح الذي يتزعمه، أن الاصوات التي حصل عليها ائتلافه كانت “اصواتا ذهبية”، رغم قلة عدد المقاعد التي حصل عليها (ستة مقاعد). لأنها لم تكن “جزءاً من صفقة”، ولأن تحالفه الانتخابي “لم يوزع الاموال، ولا الهدايا، ولا التعيينات”.
لم ينس الجعفري الذي تنازل للمالكي عن رئاسة الوزراء ربيع عام 2006، فخسر بعدها حتى زعامة حزب الدعوة، لم ينس أن ينتقد المرشحين المغمورين الذين لم يكن لهم تاثير قبل الانتخابات، فهؤلاء، بحسب الجعفري، “لم يفرزهم حجمهم الاجتماعي، بل افرزتهم مكتسبات الموقع الذي سخروه لشراء الاصوات”.

احياء “ياسر المالكي” السكنية
لم يعقب احدا من اقارب المالكي على ما قاله الجعفري مطلقا، وتعتقد القيادية انتصار علاوي والباحثان الطائي والصميدعي، أن الاشارة الاخيرة “الاموال، والهدايا، والتعيينات” وتسخير السلطة لشراء الاصوات، كانت تشمل المالكي واقاربه في ذات الوقت، وابرزهم ياسر عبد صخيل المالكي، زوج ابنة المالكي ومسؤول حمايته، وحسين هادي احمد، صهره وسكرتيره الشخصي.
كلاهما، ياسر وحسين المالكيان، لم يكونا قبل الانتخابات يتمتعان بأية مقومات تتيح لهم ممارسة العمل السياسي، ناهيك عن العمل تحت قبة البرلمان لتشريع قوانين تتعلق بتوزيع السلطة والثروة في بلد مضطرب مثل العراق، كما يقول مسؤول رفيع عمل معهما في مكتب رئيس الوزراء.
 
كان الاول حارسا بصفة شرطي قبل ان يتزوج ابنة رئيس الوزراء ويتسنم منصبا امنيا رفيعا، في بلد يعاني من تراجع امني مزمن على مدى عقد كامل. فيما يحمل الثاني شهادة اعدادية الزراعة التي لم تؤهله سوى للعمل موظفا بسيطا في هيئة اجتثاث البعث، قبل ان يلتحق بالعمل سكرتيرا لرئيس الوزراء عام 2006.
رغم ذلك، التحق ياسر وحسين بقائمة المالكي الانتخابية على حصة حزب الدعوة الذي يتشارك مع الحزب الشيوعي العراقي، بأنهما اعرق واهم حزبين في تاريخ الحياة السياسية في العراق.
يعتقد عضو مجلس محافظة سابق وصديق مقرب من ياسر المالكي، ان الاخير بالغ في اطلاق الشعارات وتحميل برنامجه الانتخابي بقضايا تتعلق بتشريع قانون البنى التحتية، بناء مليون وحدة سكنية، توفير اكثر من مليون درجة وظيفية، بناء 8 الاف مدرسة، بناء مستشفيات حديثة، انشاء شبكات نقل متطورة، بناء اقسام داخلية حديثة للطلاب، تأسيس مراكز شباب، تطوير شبكات الري واستصلاح الاراضي، وهذه كلها مشاريع استراتيجية لم يتحقق الا جزء قليل منها طوال سنوات حكم المالكي الثمانية.
لكن الوثائق التي حصل عليها كاتب التحقيق (مرفقة)، تشير الى ان ياسر المالكي كان يعمل في حملته الانتخابية على خط مشابه لحملة رئيس الوزراء، وهو الحصول على موافقات خاصة لتمليك 24 حيا للسكن العشوائي والاحياء المقامة على اراض زراعية (البستنة)، رغم انه لم يكن معنيا بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة بملف توزيع الاراضي.
وافق رئيس الوزراء في 2 اذار مارس على تمليك اربعة احياء عشوائية بناء على طلبات تقدم بها ياسر المالكي، وهي حي الجوادين (مرفق 1)، وحي الولاء (مرفق 2)، وحي الغدير (مرفق 3)، وحي القائم (مرفق 4). وكما في كل الطلبات التي ذيلها بتوقيعه، لم يذكر ياسر المالكي علاقته بالقضية أو الصفة القانونية التي سمحت له بتقديم الطلبات عوضا عن سكنة هذه الاحياء.
الأمر نفسه تكرر خلال ذروة الحملات الانتخابية، وتحديدا في 11 اذار مارس، ففي هذا اليوم وافق المالكي على تمليك 20 حيا عشوائيا لساكنيها، بناء على طلب ياسر المالكي نفسه، وعلى دفعتين، الاولى تضمنت تمليك 11 حيا سكنيا ومنطقة عشوائية هي على التوالي: (الشهداء)، (المثنى) (موسى الكاظم)، (الامام الباقر)، (القائم)، (جمعيات الامن الداخلي)، (الانوار)، (الجواد)، (الامل)، (الامام للبناء الجاهز) واخيرا، منطقة عشوائيات الحي الصناعي .
وشملت الدفعة الثانية موافقة المالكي على تمليك تسعة احياء عشوائية اخرى هي على التوالي: (مقلع المهندسين الزراعيين)، (الامام الصادق)، (الجمعية البستنة/ طويريج)، (البلدية/ قرب التقاعد)، (المنتظر)، (الانتفاضة الشعبانية)، (دور الزراعة/ الحسينية)، (منطقة فريحة)، و(منطقة الشبانات) .
تشير نتائج الانتخابات الى ان ياسر المالكي تصدر مرشحي كربلاء في اغلب المناطق التي انتشرت فيها هذه العشوائيات، فقد حصل على (15430) صوتا في قضاء الهندية مع نواحيها، وهي اكثر منطقة من مناطق تمليك العشوائيات من قبل ياسر المالكي، و(2766) صوتا في حي الغدير، و(2113) صوتا في شهداء سيف سعد، و(3360) في الحي العسكري، و(4244) صوت في منطقة الحسينية. وارقام مشابهة في الكثير من الاحياء التي تمكن ياسر المالكي من استحصال الموافقات الخاصة من رئيس الوزراء بتمليكها لشاغليها.
تشارك مع ياسر المالكي في الحصول على موافقات لتمليك اراضي العشوائيات، نسيبه حسين هادي المالكي، الصهر الثاني لرئيس الوزراء، فالاخير رفع لافتات ضخمة في العديد من مناطق كربلاء تشيد بدوره في الحصول على موافقات رئيس الوزراء لتمليك اراضي العشوائيات، أو تحويل جنس الارض من زراعي الى سكني.
لم يتوقف دعم المالكي لصهريه على ملف توزيع الاراضي فقط، كما يقول عبد المهدي الكركوشي عضو الفريق الانتخابي لائتلاف دولة القانون الذي ينتمي اليه ياسر وحسين معا، فمن خلال مكاتبهما الانتخابية المنتشرة في العديد من احياء مدينة كربلاء وضواحيها، والتي تقدر بأكثر من 32 مكتبا، دخل ياسر وحسين في منافسة للحصول على المرتبة الاولى في محافظة كربلاء.
كلاهما، ياسر وحسين، اشرعا ابواب مكاتبهما أمام طالبي الوظائف الحكومية وتمليك الاراضي والمساعدات العينية، وكلاهما صرفا مبالغ كبيرة للترويج لنفسيهما، بحسب الكركوشي، ففي حين اعتمد ياسر المالكي على ملتقى البشائر الخاص بحزب المالكي للترويج لشخصه، أسس حسين المالكي منظمة الرحاب الخيرية لنفس الغرض، وحين انشأ ياسر اذاعة البشائر لبث الاغاني الحماسية التي تروج لانتخابه، أسس حسين راديو الرحاب, ووصل الامر اخيرا حتى الى تأسيس صحف خاصة بهما مثل صحف (كربلاء)، (نواويس)، (الموقف)، و(عشائر).
يحكي ابو سجاد الكربلائي، احد مسؤولي الماكنة الانتخابية لياسر المالكي كما قدم نفسه، أن ياسر وحسين صرفا مبالغا طائلة على فعاليات انتخابية متشابهة، بدءا من ارسال مئات السفرات السياحية والعلاجية الى ايران والاماكن المقدسة، برا وجوا، ومساعدة اهالي المدينة في الحصول على الوظائف في الامن الوطني والجيش والشرطة والمخابرات، وتوفير الاليات الثقيلة والحوضيات لادامة الطرق الزراعية وتعبيد بعضها بالاسفلت، ونصب محطات تصفية المياه (آرو)، وتأسيس العديد من الملاعب الرياضية داخل الاحياء السكنية. فيما انفرد ياسر بنشر محطات ملونة لانتظار الحافلات في العديد من مناطق المدينة .
تتضارب الارقام التي طرحت لتقدير قيمة الاموال التي صرفها ياسر وحسين، ومصادرها، لكن عددا من القائمين على حملاتهما الانتخابية تحدثوا مع كاتب التحقيق طالبين عدم كشف هوياتهم، قالوا ان كل منهما صرف من 10 الى 15 مليون دولار.
الكاتب والباحث الصميدعي تحدث عن 30 مليون دولار حسب معلومات خاصة استقاها من مقربين منهما، فيما يتحدث مسؤول محلي مقرب من ياسر وأخيه علي المالكي، نائب رئيس مجلس المحافظة، عن 28 مليار دينار عراقي (نحو 24 مليون دولار).
في المحصلة، حاز صهرا رئيس الوزراء حسين المالكي على 54 الف صوت في الانتخابات، وحصل ياسر المالكي على 48 الف صوت، ما يعني انهما حصلا على 54% من مجموع اصوات الفائزين الـ11 في محافظة كربلاء، فيما تقاسم الفائزون التسعة الاخرين، نسبة الـ46% المتبقية.

ابن اخ دولة رئيس الوزراء
حملت كل اللافتات الانتخابية للمرشح علي صبحي كامل المالكي، هذه العبارة التي مثلت كل القوة الانتخابية التي يملكها، كما يقول حارث عباس، أحد مسؤولي الدعاية الانتخابية لدولة القانون في بابل.
الامر ذاته انطبق على المرشح علي شريف المالكي الذي ارتكز في الاعلان عن نفسه على انه “ابن عم دولة رئيس الوزراء”، والحديث هنا لعباس الذي يكشف أن المالكي حول ملفات الاثنين معا من مدينة العائلة (كربلاء) الى محافظة بابل، ضمانا لعدم منافستهما لابناء عمومتهما (ياسر وحسين) في نفس الدائرة الانتخابية.
نشط علي صبحي في سياسية تمليك الاحياء السكنية العشوائية والزراعية، وناب عن عمه رئيس الوزراء بتوزيع سندات ملكية الارض بدلا عنه في عدد من المناسبات الانتخابية، وابرزها الاحتفالية التي اقيمت في منتجع بابل السياحي يوم 18 نيسان (قبل الانتخابات بـ12 يوم فقط)، ووزع خلالها علي صبحي المالكي 800 سند ملكية للفقراء والارامل والمطلقات والمعاقين.
وعلى ذات السياق، وافق رئيس الوزراء على طلبات تقدم بها ابن اخيه علي صبحي المالكي، لتوزيع قطع اراض سكنية لمنتسبي معمل الاسمنت، وتمليك 1500 قطعة ارض في منطقة ابو خستاوي بمحافظة بابل.
الى جانب علي صبحي، حاز علي شريف،  ابن عم المالكي، على فرصة كبيرة لكسب ناخبيه بالطريقة نفسها التي اتبعها اقاربه، وانتشرت لافتات في قضائي القاسم والهاشمية تشيد بعلي شريف، تثمينا “لجهوده المبذولة  في استحصال الموافقات الخاصة بـ: أولا/ انشاء مستشفى الهاشمية سعة 200 سرير: ثانيا/ تأهيل قاعة المشرح العائد الى منتدى شباب القاسم: ثالثا/ انشاء ملعب خماسي الكرة لمنتدى شباب القاسم”.
باستثناء ابن أخ رئيس الوزراء الاخر، مظفر عبد الوهاب كامل المالكي، والذي خذله نظام سانت ليغو الانتخابي في الوصول للبرلمان رغم حصوله على اكثر من 5 الاف صوت، باستثناء هذا القريب غير المحظوظ، نجح كل اقارب المالكي في الوصول للبرلمان الجديد.
نجح المالكي من خلال تأمين صعود اقاربه ومقربيه الى البرلمان، في استبعاد زعامات مؤثرة داخل حزب الدعوة وخفض عدد مقاعده في البرلمان، بحسب القيادية علاوي التي تشير الى ان هؤلاء “احتلوا امكنة ساسة معروفين في الحزب مثل وليد الحلي وصلاح عبد الرزاق وحسن السنيد وكمال الساعدي وغيرهم ممن كانوا حتى وقت قريب ابرز حلفاء المالكي”.
مستسلما لمشيئة زعيمه نوري المالكي، انزوى حزب الدعوة الاسلامية بعيدا عن صدارة المشهد السياسي بعد الانتخابات مباشرة. تاركا للاخير ان يقرر بنفسه فيما اذا كان سيبقي على الحزب واجهة سياسية له، أم أنه سيستعيض عنه بتيار او حزب تحت مسمى اخر.
ويعتقد ابو مهند الكربلائي، وهو احد الاعضاء المخضرمين الذين انتموا الى الحزب “حتى قبل أن يولد اصهار المالكي وابناء اخوته”. أن حال المالكي مع حزب الدعوة، يشبه تماما حال صدام حسين مع حزب البعث، “فكلاهما احكم قبضته على السلطة من خلال الحزب، ثم عمد الى تهشيمه وشل قدرته على محاسبته”، وكلاهما ايضا “استخدم المال العام والوظائف والامتيازات والقضاء لضرب منافسيه، ثم قرب افرادا مغمورين من عائلته، ومنحهم مناصب رفيعة وسلطات أعلى من سلطة القانون”.
يقول الباحث سعد الله ابراهيم، ان الازمة السياسية التي يعيشها العراق حاليا فيما يتعلق باستبعاد المالكي او الابقاء عليه، يعتمد بشكل كبير على القوة التي اكتسبها الاخير بانتاج كتلة موالية قوامها يقترب من ثلث اعضاء البرلمان.
يعتقد سعد الله ان من الصعب على الكتل السياسية في العراق الان، ان تتعامل مع كتلة برلمانية بهذا الحجم موالية للمالكي، ويدين معظم اعضاؤها بالولاء لشخصه بغض النظر عن الظروف التي تحيط بالبلاد والتي قد توصل البلاد الى التفكك التام.
عمليا، كما يقول الباحث الصميدعي، صار العراق الذي نعرفه جزءا من الماضي، وهناك عراق جديد أو أكثر يوشك ان ترسم ملامحه على خارطة الشرق الاوسط. رغم ذلك، ما زال الجزء الاكبر من الكتلة التي صنعها المالكي تصر على انه مرشحها الوحيد لرئاسة الوزراء. وهذا لوحده يكفي للدلالة على هدف المالكي من استبعاد حتى حلفائه المقربين وتعويضهم بانصار يدينون له بالدخول الى قبة البرلمان وجني مكاسبه.
الكتلة التي صنعها المالكي، كما يعتقد الصميدعي، ودائرة الأقارب التي حاول اي يحيط بها نفسه لضمان فوزه بولاية ثالثة، هي ذاتها التي يمكن ان تنهي احلامه في الاستمرار على رأس هرم السلطة، مع اتفاق معظم القوى السياسية على رفض تجديد ولايته، وبوجود رغبة متنامية في الشارع الشيعي الذي انتخبه، وحتى داخل صفوف حزبه.
بأنتظار ما ستسفر عنه الاحداث الجارية في العراق والصراعات السياسية القائمة حول منصب رئيس الوزراء، يلخص القيادي الخاسر في الانتخابات، قصة صعود عائلة المالكي الى السلطة في العراق ببيت شعري دارج ردده شعراء شعبيون في المناسبات الانتخابية لائتلاف المالكي.
البيت الدارج يقول (افتر سكان الدنيا… من العوجة لطويريج)، وهو يعني ان مقود الحياة السياسية في العراق تحول خلال عهد المالكي، من قرية العوجة مسقط رأس صدام حسين، الى قضاء طويريج مسقط رأس المالكي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة