19 ديسمبر، 2024 12:41 ص

الديمقراطية .. هي السبب

الديمقراطية .. هي السبب

في أعقاب حرب استعادة الكويت عام 1991 وجد الأردنيون أنفسهم في ضائقة اقتصادية كبيرة، لم يشهدوا مثلها منذ سنوات. توقفت بلادهم عن أداء دورها كمعبر حيوي للتجارة العراقية، بعد أن امتدت إليها يد العقوبات الدولية. ولم تتبق لديهم في الكويت جالية فلسطينية تمدهم بالأموال. وكان لا بد أن تكون لذلك ردود فعل قوية، وأن يتصاعد السخط، وتتعالى صيحات الاحتجاج. فوجد الملك حسين في حينه أن أفضل طريقة لامتصاص الغضب الشعبي هي إعطاء جرعة من الحرية لمواطنيه، والسماح للأحزاب بممارسة نشاطها السياسي. فلما أجريت الانتخابات عام 1992 فازت جماعة الإخوان المسلمين بالأغلبية. وكان ذلك صادماً للكثيرين بمن فيهم الملك نفسه. فالدولة التي ألقت بثقلها خلف صدام حسين لمواجهة الإسلام السياسي الإيراني، وجدت نفسها تعتنق إسلاماً سياسياً أكثر تشدداً، في عقر دارها.

ولم يكن مثل هذا الأمر وقفاً على الأردن. فقبل ذلك أوشكت انتخابات 1989 في الجزائر على وضع جبهة الإنقاذ الإسلامية بزعامة عباسي مدني على رأس السلطة، لو لم تبادر الحكومة التي يسيطر عليها العسكر بإلغاء الجولة الثانية منها.

أما مجلس الأمة الكويتي الذي استأنف نشاطه بعد التحرير، فقد أسفرت الانتخابات فيه عام 1992 أيضاً عن فوز كبير للإسلاميين المتشددين. ولم يكن مثل هذا الأمر مألوفاَ في هذا البلد الغني، من قبل. والفضل في ذلك يعود دون ريب إلى صدام حسين، الذي أوقع الكويت في أزمة نفسية ومادية كبيرة.

وربما كانت مثل هذه الأزمة هي السبب في صعود عدد كبير من ممثلي الإخوان في مجلس الشعب المصري، رغم منع الأحزاب ذات الطابع الديني من المشاركة في الانتخابات. كما بدأت الظاهرة نفسها تجد طريقها إلى برلمانات الدول الإسلامية الأخرى التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية مماثلة.

عندما تجتمع عوامل القهر والفقر والاستبعاد، يتصاعد الشعور الديني، ويتطلع الناس إلى حكومة إسلامية عادلة. فالعدل هو أحد أهم ركائز الإسلام كما لا يخفى.

ثمة أمور لا يمكن تفسيرها بغير نظام اللحظة التاريخية. ففي النصف الأول من القرن العشرين كان الشعور القومي هو الأكثر بروزاً، وقد عول عليه العرب من أجل تجاوز واقعهم السيئ. ثمة من تصور أنه يمكن بعث الأمة عن طريق إحياء اللغة أو التراث أو التاريخ. وكان هذا الانطباع سائداً لدى الجميع. غير أن هزيمة 1967 عجلت بتلاشي سطوته في الشارع. ثمة من اقترح الماركسية بديلاً، لكنها كانت هي الأخرى تشهد نهاية وجودها التاريخي.

هل كان بإمكان الإسلام السياسي أن يقفز إلى قمة هرم السلطة في معظم البلدان العربية دون إجراء انتخابات برلمانية حرة، وهل كان يمكن للأحزاب الدينية أن تتصدر المشهد العام في هذه البلدان لو لم تعتمد النظام الديمقراطي؟

ليس ثمة مناص من الاعتراف بصحة نتائج الانتخابات هذه، فهي ظاهرة شائعة في المنطقة هذه الأيام. ولا أمل للأحزاب العلمانية باختلاف وجهات نظرها للفوز فيها. ولكنها ربما تنجح في مسعاها هذا إذا سلكت أحد سبيلين اثنين. أولهما الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري محكم التخطيط، مثلما حدث في مصر، وثانيهما إحداث ثورة اقتصادية وتقنية هائلة تنقل البلاد إلى صفوف الدول المتقدمة. وتزيح ما تراكم على صدور أهلها من أزمات. وعندئذ يجد الناس أن عليهم الانتقال إلى طور آخر من أطوار الحياة السياسية، يتجاوز الأطر الدينية والقومية، ويجعل المواطنة أساساً للتعايش بين الثقافات داخل البلد الواحد.