( موروثية البوح و انغلاق النص )
لقد كانت محاور ( الوطن / الجراح / الصباح …. ) والغربة الطاغية على جو تجربة قصائد الديوان , تعود لاعتقاد الشاعر صدام فهد ألأسدي بأنها الأماكن الحقيقية التي يرى من خلالها التفاصيل الأكثر شعرية وإنسانية والتي لا يمكن الحصول عليها إلا بطريقة الانتماء إلى دلالات :
خذيه من شفتي فالقول يحترق
وحيرتي أنها ضاقت بنا الطرقُ …. صـ11ـ .
إن تجربة قصائد ألأسدي ما تزال يعوزها – فنياً – الشيء الكثير مما تبدو لنا بحاجة إلى الكثير من المنجزات والوسائل الحديثة من الأفكار ومساحة المفردة الشعرية , كما الحال في قوله :-
كن في كلامك رافعاً أو ناصباً
فسكون تلك الدار أصبح صاخباً
تباً إلى الأدب الوضيع بأهله
من قال سطراً صار حالاً كاتباً ……. صـ74ـ .
إن تراكمات التجربة الحياتية والفكرية مع اللوعة المتيقظة قد ولدت لدى ألأسدي في قصائده , عبارة عن عالم غير دقيق , راسماً الخرائط لمدن وأشياء , مضللة , بقيت مشتعلة لتبدو لنا بحجم أصابع الشاعر النحيلة , هناك ثمة أكثر من شعور يحيلنا إلى حجم التضاؤل والغربة داخل النص واستفهام عن مجهولات حاولت أن تضمحل , غير أن الشاعر قد أقتنصها في الوقت المناسب , رغم وقوع بعض الاستنكارات الفجة التي كان يلاحقها وآخرها ( يقولون يخسر الثائرون … لأن الحقيقة عكس الخيال ….) صـ115ـ .
لقد كشفت بعض النصوص هذياناً فنياً وروحاً شعرية غير مطمئنة , أدت إلى ولادة عبارات وجمل غوامض لا تخلو من التلميح في تجاوز الواقع الملموس إلى أثيرية عالية تسمو بالذات فتحرك النص , ضمن إيحاءات لها دلالات صحية وإن كان يخيم عليها القليل من الموروثيـة والتاريخية , فيقول في أماكن مختلفة من الديوان 🙁 إلى متى صراعنا بالقتل والخدع / إلى متى كلامنا أكثر من أفعالنا …. ) صـ29ـ . لا أدري قد يكون الشعور بالحيرة والارتباك هو السبب لتخفيف حدة التساؤلات فهناك اللاجدوى التي يمر بها الشاعر وهو يتأمل النماذج الإنسانية فتضيع جملة هنا أو ترتبك صورة هناك فتتجرف النصوص إلى سواحل التأويلات العديدة والتي نحن بحاجة إلى استكشافها عن طريق ( كاميرا النص ) المتلصصة أو الحاسة الشعرية السادسة التي تعمل بموجب وعي في استقبال الثغرات وتحويلها إلى صورة مبدعة …..
إن انفتاح ( موروثية البوح ) في أدوات النص الشعرية والمعرفية , أغرى الشاعر بالخروج والابتعاد عن الشكل والوزن مستفيداً من تعبئة الأصوات القصيرة والمتوسطة والتي ليس فيها عيب للشعر , بل هي بناء للمعنى وتفادي حالة التصدع وسقوط ما يسمى ( بعالم القصيدة ) على وفق بناءات تعمل ضد المصطلحات الجاهزة التي فيها من التجربة الكثير ولا أعني أن وجود بناءات كهذه يعني ( وهم التجربة ) بل على العكس هو حصيلة حضور في المخيلة لا يمكن أن يدركها المبدع …..
يبقى أن أقول وأنا أغادر قصائد الديوان بأنني قد رأيت بعض الصور الشعرية الساكنة والمتناثرة دون وعي أو اكتراث مع تلاعب واضح في بعض الصيغ البنائية لسياق الجمل والمعنى لا بقصد التورية بل هو تحت رحمة نحت يؤدي بالقارئ غير الحذر إلى السراب مع استفادة قلقة من الموروث الديني والتاريخي والشعبي وذلك بسبب عدم تطابقها واعتمادها التمثيل بشخصيات وأسماء بعيدة عن النص مما أوقع القارئ في دائرة التخمين والهذيان . لكن من حسن حظ ألأسدي وجود بعض من الأسماء والأماكن التي قد دافعت عن وجودها ضمن مناخ الحالة الشعرية في قصائد ديوان ( محاجر الغسق ) .