قراءة حال الوضع بدقة تدفعنا إلى القول ، أنه لا ظلم يفوق الظلم الذي ألحقه بنا الغرب عموماً والإدارات الأمريكية متعاقبة ما بعد الحرب الكوني الثاني ، خصوصاَ ومن خلال أدواته الشرسة . وفي مقدمة هذه الأدوات نفاق تحت عنوان حقوق الإنسان بالمفرد كما وصفه أحدهم ، والذي دفع في بعض بلداننا وتحت عنوان (مجتمعات المدنية ! ) لهم عشرات الدكاكين والوكالات دفاع عن حقوق الإنسان ، مع أن المقهور الدائم لدينا هو الجميع ! ، ولدى الغرب عندما يتربص بنا ، لا حقوق الشعوب بالجمع كما يؤكد كل تصرفاتهم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في تعامله معنا ، ويخطط وينفذ كل ما هو ضد إرادة هذه الشعوب التي يريدها أن تبقى عبدة الأوثان الدينية وليس رسالة الدين ( كرسالة الحضارة والبناء المستقبل المتطور لصالحهم ) ولا تريد أن تراها وقد تحررت من جهلها وتخلفها وفقرها وهو مطمئن أنه مع بقاء ظاهرتي ( الجهل والتخلف ) يدخلنا بالمعارك نخسرها وهو يجني مكاسب من وراء تلك الخسارة ؛ لأن الغرب المنافق والكذاب مهمته في الأساس في تعاملها معنا ينفذ تخطيط توريطنا في المعارك من خلال دفعنا لاختيار نوع المعركة بطريقة خاطئة وفي مواقع خاطئة أيضاً ، وما وصل إليه نتائج انتفاضات في مصر وليبيا واليمن وسوريا ، وبعد غزو العراق يؤكد هذه الحقيقة ، أن الغرب وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا يستهدفون بناء الدولة كما تزعم أبواقهم أو من يتعاون معهم ، بل يعملون لتعميم نموذج الفوضى العراقية على أكثر من بلد من بلدان المنطقة ، لذلك تراهم يلعبون على تناقضات الطائفية والعرقية في تلك البلدان .
لابد وأن وقعت أعينكم على الخبر الذي مفاده .. كشف مسؤول عسكري أمريكي رفيع المستوى : أن لتنظيم الدولة معسكرات تدريب في شرقي ليبيا ، مشيراً إلى أن هذه المعسكرات قيد المراقبة ، وقال الجنرال ديفيد رودريغيز قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا ، في تصريح للصحفيين : إن تنظيم “داعش” لديه معسكرات تدريب في المناطق الواقعة شرقي ليبيا ، وأن الجيش الأميركي يراقب هذه المعسكرات عن كثب ، وأضاف أنه لم يتضح بعد مدى ارتباط المتدربين بتنظيم الدولة أو ما إذا كان يتعين على القوات الأميركية استهداف هذا النشاط ، مضيفاً أنه لم يصدر توصيات للقوات الأميركية أو القوة الجوية بملاحقة معسكرات التدريب في الوقت الراهن ، وأوضح ( نتابع الأمر بدقة بالغة لنرى كيف يتطور..) .
أشرنا في أحد المواضيع باستغراب إلى ظهور ما سمي بالقراصنة الصوماليين في المياه المحيطة بشرق قارة أفريقيا قبل أكثر من عامين . وكنا نسمع من خلال الأخبار أن هؤلاء القراصنة كلما يسيطرون على أي سفينة ( والغريب أن أكثرها محملة بالبضائع التجارية ) من مختلف الدول عدا الأمريكية ؟ وأشرنا أن هذه الظاهرة تجعلنا
نضع علامات الشك والاستفهام على أن القوى العظمى لها يد خفية في تشجيع القرصنة والمافيا أينما يكون ذلك مطلوباَ ، لضمان تنفيذ أجندات خاصة بمصالحهم في أية منطقة من العالم ، على أن تكون مافيا الإرهاب مصانة من قبلهم ومن خلال أيادي خفية ، وإشارتنا جاءت بعد مشاهدة برنامج في إحدى الفضائيات عن علاقة القوى المتنفذة والمسيطرة على الوضع العالمي وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الدعم الخفي لكل أنواع المافيات المؤثرة على مسار الاقتصاد لتكون في أمان ومشمولة بثوابت نهج الهيمنة لديهم .
لا ننطلق من خلال الاعتماد على ظاهرة ( عقدة التآمر ) لنقول أن كل ذلك يحصل ( بمافية ظاهرة داعش وتوابعها ) من صنع الغرب وبقيادة أمريكا ، ولكن نقول وبثقة أن كل سيء يحصل في هذه المنطقة هو من إفرازات تصرفات الغرب والإدارة الأمريكية ومن يتعاون معهم لبقاء هيمنتهم على مقدرات الأرض وأهل هذه المنطقة حيث كانوا مصممين على عدم السماح بنهضة الإرادات الوطنية ، وتلك التصرفات تصنع حواضن لكل الظواهر السيئة ، وفي المقدمة الإرهاب ما يسمى بـ( الجهاديين ) .
إن لوجود الكم الهائل من القوات والأساطيل الأمريكية وأسراب من طائرات من دون طيار وعشرات المراصد الاستخبارية والمخابراتية في المنطقة وتحت عنوان ضمان الأمن واستقراره ، وبعضهم يصورون المواكب والقوافل الطويلة ( الداعشية ) كما عرضت صفوف مقاتليهم في أحد الأماكن الليبية ، مع تأكيد المصدر أنهم مقاتلي داعش ويتدربون !! يدفع المرء ليتساءل : إذاً ماذا تنتظر هذه القوات الضخمة لكي تنتقض على هذه البؤر الإرهابية لمنع توسعها ؟ هل ينتظرون دخولهم إلى عواصم حلفاءهم وبعد ذلك ينقضون عليهم ؟ من هنا ، التحليل الصحيح لما يحصل في المنطقة عموماً والعراق خصوصاَ هو القول أن الولايات المتحدة الأمريكية في المقدمة وبمباركة حلفائها الغربيون تخطط لعدم تمكين العراق بعد الاحتلال وكذلك الدول التي تحولت ربيع إنتفاضات شعوبهم إلى جحيم وإباحة سفك الدماء من إعادة بناء دولهم بمعنى الدولة ذات الإرادة الوطنية منسجمة مع وحدة الأرض ومشروع مفهوم المواطنة المنتمي إلى تلك الأرض ، وهي تسير باتجاه بناء معاكس تماماً لهذا الهدف ( ورغم مرور ثلاثة دورات برلمانية في العراق ‘ لم يتم إقرار أبسط قانون كدليل على توجه لبناء الدولة وهو قانون النشيد الوطني وعلم الدولة المركزية لأنه القانون دخل ضمن صراعات فئوية والمحاصصة …!! ) لذلك أن ( مرحلة داعش ضرورية لإعادة بناء دولة الوكالة ، وأن هذه الكيانات الجديدة التي تبغي أميركا تأسيسها ليست بالضرورة أن تكون في محيط الإرادة الأمريكية المباشرة ولكن يكفي أن تحقق مرادها الاستراتيجي على أرض الصراع الراهن ، بمعنى آخر تعويق إعادة بناء الدولة الوطنية المنشودة للعراق ولشعوب المنطقة ) .