استطعت الحصول على القاموس الروسي – العربي المعاصر الكبير , الذي صدر في موسكو عام 2012 باشراف الدكتور جابر ابي جابر, وهو اول محاولة مهمة و جدية وحقيقية وكبيرة فعلا في تاريخ القواميس الروسية – العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر ولحد الان بشكل عام , والتي جاءت من قبل المتخصصين العرب بالذات في مجال تأليف واعداد هذه القواميس الروسية – العربية , اذ ان القواميس السابقة قام بها المتخصصون الروس حصرا , رغم وجود محاولات قليلة هنا وهناك من قبل العرب في هذا المجال , لعل ابرزها ما قام به الباحث الفلسطيني الذي درس في روسيا القيصرية وبقي فيها واصبح بروفيسورا في جامعاتها وهو بندلي صليبا جوزي ( 1871 – 1942 ) , تلك المحاولة الجريئة وهي – اصداره القاموس الروسي – العربي الكامل في مدينة قازان عاصمة تتارستان بالامبراطورية الروسية عام 1903 (والذي أشاد به المستشرق الكبير وعضو الاكاديمية الروسية كراتشكوفسكي في مقدمته التي كتبها لقاموس بارانوف العربي – الروسي ) , وهو قاموس رائد فعلا بالنسبة لذلك الزمان وانجاز علمي كبير حقا , ولكنه لم يحظ بالشهرة والنجاح الذي كان يستحقه واقعيا مع الاسف نتيجة عوامل خارجية كثيرة لعل اهمها الاحداث السياسية الهائلة التي حدثت بعد صدورهذا القاموس مثل الحرب العالمية الاولى وقيام دولة الاتحاد السوفيتي وانعزال العالم العربي عن روسيا ..الخ , وعندما عادت العلاقات العربية – الروسية هذه بعد الحرب العالمية الثانية بشكل او بآخر , اصبح ذلك القاموس منسيا مع الاسف لانه كان يحمل سمات القرن التاسع عشر بالطبع بمفرداته وخصائصه , ولم يعد ينسجم او يتلائم مع متطلبات العصر الروسي السوفيتي ومصطلحاته التي طرحها , وهكذا ونتيجة لذلك بدأ المتخصصون الروس السوفيت باصدار القواميس
الروسية العربية على وفق تلك المتطلبات الجديدة , وابرزهم طبعا المستشرق الروسي الكبير بوريسوف الذي اتحفنا بقاموسه الروسي – العربي في الستينات من القرن العشرين ( 42 الف كلمة ) , هذا القاموس الذي شغل مكانه المتميز جدا عند كل العرب المرتبطين بدراسة كافة الاختصاصات باللغة الروسية منذ ذلك الحين الى الوقت الحاضرتقريبا . لقد تم اصدار هذا القاموس بعدة طبعات في الاتحاد السوفيتي نفسه وعلى مدى الاربعين عاما الاخيرة من القرن العشرين وكان الطلب عليه من قبل العرب الذين يدرسون ويتعاملون باللغة الروسية و كذلك من قبل الروس الذين يتعاملون باللغة العربية كبيرا جدا و دائما , لدرجة ان تلك الطبعات العديدة في الاتحاد السوفيتي لو تكن كافية لتلبية تلك الاحتياجات ,ولهذا السبب فقد تم استنساخه في بعض البلدان العربية استغلالا ومن اجل الربح التجاري ليس الا طبعا وحتى دون سماح الجانب الروسي او مشاركته, وشاهدته انا شخصيا يباع في مكتبات بغداد ودمشق وبيروت وباسعار باهظة جدا , ولا يزال هذا القاموس لحد الان مهما وحيويا وضروريا للعرب الذين يتعاملون بشكل او بآخر باللغة الروسية , الا انه لم يعد كافيا بلا شك لكافة الاحتياجات المطلوبة نتيجة لمسيرة الحياة وتطورها وتشعباتها المتنوعة , مما حدى بالكثيرين من المتخصصين الروس والعرب الى اصدار قواميس اخرى روسية – عربية كل حسب امكانيته واختصاصه ومن ابرز المتخصصين العراقيين في هذا المجال الدكتور داود كرومي المنير والدكتور عبد السلام الشهباز والدكتور رؤوف موسى الكاظمي وغيرهم , ولا مجال في اطار هذه المقالة للتطرق والحديث عن تلك القواميس طبعا , اذ اننا نود التوقف عند القاموس الروسي – العربي المعاصر الكبير هذا وحسب عنوان مقالتنا .
يقع هذا القاموس ب 1328 صفحة من القطع الكبير , وتوجد في كل صفحة من صفحاته ثلاثة اعمدة كاملة من الكلمات الروسية والتعابير المرتبطة بها مع معانيها العربية , ويحتوي القاموس كما تشيرصفحته الاولى على حوالي 110 ألف كلمة , والرقم هذا يعني انه اوسع من قاموس بوريسوف الروسي
– العربي الذي ذكرناه اعلاه بمرتين ونصف تقريبا , واكبر ملاحظة في هذا القاموس واروعها تكمن – من وجهة نظرنا المتواضعة – في انه لا يرتبط باسم شخص واحد كما هو الحال بالنسبة لقاموس بوريسوف وبقية القواميس , وانما جاء – ( تحت اشراف الدكتور جابر ابي جابر ) , وهذا يعني انه جهد جماعي كبير ساهم فيه آخرون , وان هناك مشرف علمي لكل تلك الجهود , وهذا مفهوم موضوعي وعلمي صحيح وسليم فعلا , وعلى الرغم من اننا نرى دائما في مقدمات القواميس الاخرى اشارة الى مساعدة الاخرين ومساهمتهم بشكل او بآخر في اعدادها , الاان تلك القواميس تثبت – مع ذلك – مبدأ الشخص الواحد بتأليفها او اعدادها بشكل عام , اما في هذا القاموس فانه حتى في المقدمة والتي لم يكتبها المشرف وانما رئيس دار نشر( بيبلوس كونسالتينغ ) الدكتور سليم أسعد علي , التي اصدرت هذا القاموس , وجدنا اشارة واضحة وصريحة الى ان هذا القاموس هو – ( حصيلة جهد سنوات عديدة تفانى بها كادر بيبلوس كونسالتينغ بحثا وتمحيصا للحصول على قاموس يلم بالتطورات اللغوية التي مرٌت بها كلتا اللغتين الروسية والعربية في ضوء التغيرات التي شهدتها وتشهدها البشرية في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية ..) , ويمكن لنا ان نقول – وبكل ثقة – ان هذه الكلمات صحيحة وتتطابق مع واقع هذا القاموس الكبير والشامل فعلا , والذي استخدم معدٌوه 15 مصدرا روسيا و 19 مصدرا عربيا وانكليزيا وفرنسيا, والتي ضمٌت معظم القواميس الروسية المشهورة مثل قاموس اوشاكوف او شفيدوفا او اوجيكوف و القواميس الروسية – العربية مثل قاموس بوريسوف و القواميس العربية – الروسية مثل قاموس بارانوف والقواميس الروسية – الانكليزية مثل قاموس كوزنيتسوف والقواميس العربية مثل المنجد والمعجم الوسيط والمورد والقواميس العربية – الانكليزية والعربية – الفرنسية وفي مختلف مجالات المعرفة من علوم صرفة وعلوم انسانية متنوعة , وقد بلغ هذا التنوع ( استنادا الى قائمة الاختصارات المستعملة والتي ثبٌتها المعدون في بداية القاموس ) اكثر من
220 مختصرا . هذا وقد جاء في نهاية القاموس ملحق خاص ضٌم قائمة بالتسميات الجغرافية في العالم .
شكرا جزيلا على هذا الجهد العلمي الرائع لدار نشر بيبلوس كونسالتينغ ورئيسها الدكتور سليم اسعد علي وكافة العاملين معه وشكرا للدكتور جابر ابي جابر على اشرافه الدقيق على هذا القاموس الكبير والمعاصر حقا وللمشاركين معه في وضعه واعداده واللذين تم تثبيت اسميهما في الصفحات الاولى للقاموس وشكرا لكافة المؤسسات الروسية التي ساندت وساعدت على اصدار هذا المصدر المهم والكبير والذي سيشغل حتما مكانه اللائق والجدير به في تعزيز العلاقات الثقافية والفكرية بين روسيا والعالم العربي وتطويرها لاحقا .