بعد مضيّ قرون على “آخر الرسالات” وبعد أن تعبّأ سِفر المسلمين الديني بكلّ أنواع المُلقَيَات من الغثّ والسمين إن إنارات كانت أم نفايات رُميت على هذا الدين لأجل “إدامته” كلّ تلك القرون وهي بالعشرات وما ألقي كان باطلاً كان أم حقّاً كان حتّى امتلأت بها خزائن الذاكرة الإسلاميّة ووصل لفتحات الأنوف والأفواه والآذان وغصّ الجميع بطوفان تركات الألف والخمسمائة عام .. ففي في بضعة سنين مثلاً ظهرت طقوس دينيّة مضافة في احتفاء الطرفين “السنّي” أو”الشيعي” علاوة على “مبتكرات” تحت باب الفتاوى قديمة كالاحتفال بالمولد النبوي والطرق الصوفيّة بأنواع ممارساتها وبأنواع تمائمها ووصاياها ولغاية ظواهر جديدة ظهرت بُنيت على مفاهيم وأسس فقهيّة وتشريعيّة تبدو غريبة كداعش أو القاعدة أو الزواج العرفي أو زواج المسيار لدى الطرف الأوّل أو عند الطرف الثاني ميليشيّات وعصائب بعد أن كان قد احتوى تراثهم الديني ظواهر تأسّست كعادات موسميّة بدأت ب “قضم الأصابع” وأرجوا أن لا تُحمل اليوم تلك العادة السنويّة المنقرضة محمل الجدّ ! والبكاء والنحيب لم تنتهي عند المستحدث كطقوس التطبير أو اللطم أو غيرهما وصولاً إلى بداية القرن الماضي انظمّت ما عُرفت بركضة طويريج ثمّ لتضاف بعد الغزو “بالنسبة لي أعتبره انحراف عُنفي عن وجهته الصحيحة للتعبير عن السخط من احتلال العراق” , مع ظهور ركضات جديدة وممارسات “زحف على البطون والتطيين وسفينة النار” وغيرها وجميعها لا شكّ أشبه “بالصراع البارد” بين الطرفين على مرّ القرون .. الحقيقة أنا أتفق مع كلّ من يدلو بدلوه في توجيه النقد لرجال الدين والوعّاظ بأنواعهم من أصحاب عمائم بمختلف ألوانها وفي الهجمات اللاذعة الّتي يتلقّوها ومنهم “أصحاب الغُتر بلونيها الأحمر والأبيض” أينما كانوا فهم جميعاً يتحمّلون وزر الّذي جرى ويجري من مصائب ومن إشاعة لعمليّات التجهيل السارية على قدم وساق والنزوع نحو التخلّف لأنّ هؤلاء وجدوا في طقوس الإسلام ضالّتهم لركوبها عبّئوا التراث الديني بتفاسير وإضافات ليست من دين الله في شيء فلو كانت صحيحة لأقرّها الله بنفسه ولم ينتظر من مخلوق خلقه يتبنّاها ! مستغلّين الفترات المظلمة الّتي أحاطت بعقول الناس عشرات القرون وتراكم أساطير وخرافات لا حصر لها حتّى باتت من الدين ذاته ومن لم يؤمن بها “فقد خرج عن الملّة” علاوة على ما خزن من انحراف في الدين عندنا في العراق في العقدين الأخيرين نتيجة الحروب والحصار .. لكنني أرى البعض , من الناقد لهؤلاء , يبدو وكأنّه يتغافل أو “ينسى” طرف آخر يمارس قادته المعمّمون نفس ما يمارسه الطرف الأوّل فلا يأتي هذا البعض وهو في خضمّ هجماته الشرسة على “دين الصحراء” على ذكر أصحاب عمائم قم وطهران والبقاع وحسن نصر “الله” الذي يبدو للكثير وكأنّه استنطق “الله” فقرر الله منحه “حزب باسمه تعالى” .. منحه “وكالة” أو ترخيص يعني ! , وأعتذر للقارئ الكريم فمثل هذه التسميات غير لائقة تُنسب لله وأهدافها سياسيّة ولنكن صريحين مع أنفسنا ولا ندفن رؤوسنا في الرمال فنساهم من دون قصد في مروق الباطل طويلاً أو محاباة لهذه الجهة أو لتلك , إذ هكذا هي هذه المسمّيات يتلقّاه كلّ متلقّي بحسب ما يفهم لأنّ مثل هذه المسمّيات “حزب الله” مثلاً توحي بأشياء كثيرة فمنهم من يصدّق فوراً يتناولها بسجيّته ومنهم يقلّب الأمر فلا يراها إلاّ أمر إلهي بتشكيل هذا الحزب مثلاً ! .. أسأل هنا وأتسائل , هل “الله” جماعة الصحراء والبعران غير الله عند هؤلاء جماعة المدن في إيران ولبنان والنصف الثاني من العراق ؟ .. نتّفق تماماً مع كلّ نقد مفيد لأيّ جهة كانت ونطالب بالمزيد وأن يكثر الناقدون لهذه الظواهر المسيئة للإسلام ولمن يتبنّاها لعلّ الأمّة تفيق على إيمان نظيف بالإسلام وتتخلّص من كلّ ما علق به أو مفرّق باسم الله ! من تخاريف وهطل معرفي وفهم عقيم , والبعض نغبطه على الجرأة في التهجّم المباشر بجرأة على رموز تلفزيونيّة دينيّة بعينها من هذا الطرف أو ذاك في ظروف كانت لا تسمح , فالكثير مع توجّه هذا البعض قلباً وقالباً , وعندنا في العراق مثل بغدادي قديم ولمّاح وذكي وينمّ عن عمق حضاري واستيعاب لمعنى الألوهيّة واسع فتتداوله الألسن حين يعمّ فساد ما الاقتصاد أو السياسة فيتندّر البغادلة قائلين ( كلمن ربّه شِكِلْ ) أي ـ كلّ واحد من أولئك “المفسدون” يفهم الله على هواه ـ وهو نقد لاذع وماض .. ياليتنا نمتشق جميعنا جميع من بمقدوره ذلك ؛ سيف “الهجاء” نطارد به جوقة المتخلّفين جميعاً ودون استثناء وليس وعّاظ “الصحراء” فقط ..