19 ديسمبر، 2024 2:07 ص

لينين يتصل بالرفيق حميد مجيد موسى

لينين يتصل بالرفيق حميد مجيد موسى

لست شيوعياً . ولا أريد أن أكون ذلك . فأعمارنا سيرتها غربتها ولم يعد لها حماس السياسة التي جعلت من حلم دموعها وحروفها منتمٍ لكل امنية تسكننا من أجلنا ومن أجل غيرنا …ا
غير أننا وبالهاجس يبقى في أوردتنا مصل لشيء غريزي فينا هو نتاج الرجوع الى ازمنة عشناها ، وحدود وعيها يمتد من لحظة تعلمنا كتابة موضوع الانشاء المدرسي ( البقرة سوداء ولكن حليبها أسود ) الى يوم أنت تلتحف مع شيب رأسكَ بين خطوة مقهى أو شقة منفى .

فتكون حياتك بكل خيباتها واخطاءها واساطيرها هي حياتك وعليك أن ترضى بقدريتها ويجب أن تدافع عنها بمقدار ما في قلبك من نية وبساطة وجنوب وفقر وقصيدة وبندقية وأي شيء تحويه ، من مختارات لينين الى كراريس عفلق وانتهاء بمواعظ آية الله سيد محسن الحكيم رحمه الله .

لا هروب من وقائع الأمس . تلك هي حياتنا . ضعفنا فيها .تخاذلنا . قاومنا زيارة مفوضي الامن لمدارسنا . خضنا حروبها .صفقنا بها .اغتربنا بربايا جبالها او اليشنات اهوارها .

جمع بكسر هي ترتبت في هذا الشكل.

قبل دخول المحتل الوطن من خواصر متعددة ، صحراء النخيب ، جبل سنام وسفوان ، ميناء الفاو وأم قصر ، الحدود التركية كان احد شعراء الناصرية ( حسين العامل ) الشيوعي القديم ومراسل صحيفة المدى اليوم . جاري وصديقي ورفيق مساءات مقهى مسلم حيث تعود ادباء المدينة الجلوس والتحاور والنقاش وبادل المنتج والمطبوع وفيها تعودت على البضاعة السرية والخفية لهذا الرجل المغامر . واعرف منه عندما ينزوي بي في  ركن ما ويتلوا امامي جميع سيناريوهات ما سيحدث في اسابيع الحرب الاولى ومعه مجلات ونشريات ومعي تساؤلي حد هذه اللحظة من أن يأتي له بكل هذه المنشورات والمجلات ..؟

مجلات تحمل ربورتاج لتدريبات مارينز حول اكتساح العراق من جهة الصحراء . تصاوير لانزال جوي ، بيانات لأحمد الجلبي ، وسعد صالح جبر ، السيد محمد باقر الحكيم وتوفيق الياسري . عراقيون لا اعرف اسماءهم ووجوههم يظهرون وهم يصافحون رامسفيلد أو يجتمعون بالطالباني والبرزاني في مصيف صلاح الدين . كل هذا كان حسين العامل يرينا اياه في يقين منه ان صدام لم يعد له وجود . فأرتعب من عبارته ، وبسبب خمس وثلاثين عام من هيمنة كتاب الوطنية احاول ان اصدق بخرافة محمد سعيد الصحاف ولا اصدق بتنظيرات صديقي البلشفي البطران ( حسين العامل ) الذي اعترف انه وبعض المغامرين البواسل ( صباح محسن كاظم ، امير دوشي ، صبيح طهماز ، مازن لطيف ) كانوا الموردين الاكثر نشاطا للكتاب الممنوع في مدينة الناصرية منذ ان نشر الجنرال شوارزكوف مذكراته وحتى سقوط بغداد . ولم اعد متفاجئاً او غير متوقع أن يطرق علي الباب واحد من هؤلاء المغامرين والاكثر قربا من حبل المشنقة بسبب فعلهم الفذ في منتصف الليل وبيده واحدا من هذه الكتب الممنوعة المستنسخة او المجلات التي تتحدث عن حشود ستأتي الى العراق وتهدم كل شعبه الحزبية..

في واحد من هذه المرات لفت انتباهي وجها عريضا لرجل مبتسم في واحدة من المجلات التي تصدر في دول الجوار العراقي وحين سألت عنه صديقي حسين العامل من هو .قال لي : الرفيق ابو داوود. ثم عرفني بما يعرفه عن حميد مجيد موسى السكرتير الاول للحزب الشيوعي العراقي. ومن لحظتها لازمتني صورة ابو داوود .وعاشت في رؤى المخيلة بكل امتدادات ثقافة جنوبنا القديم وشارعنا الماركسي واصدقاء طفولة محلة الصابئة . وطالما تخيلت الرجل حتى وهو في مجلس الحكم وأن كان المكان ليس مكانه إلا انه وصحبه من رفاق الحزب ارادوا ان يكون لهم وجودا ومسارا ورؤى ، لكنه بسبب تقاطع الخواطر الشيوعية وعطر بريمر ومزاجيته الامبريالية لم يحدث التوافق بينهما حد الذي تمنى فيها الرفيق ابو داوود ان لا يصل لحرف اسمه الاول الدور ويصير رئيسا صوريا لمجلس حكم لم يفعل شيئا إلا من تحت عباءة بريمر.

عاش الرجل تجربته البرلمانية الاولى وودعها وهو بذات الصورة . وليس لأحد ان يتخيل أن هذا الضعف في اداء والحضور مرده في بساطة الرجل وعدم أنجاز المتوقع منه ومن الحزب ، فالرؤية الحقيقية كل الامر بالنسبة لدور الحزب الشيوعي خضع لوقائع تواريخ ومتغيرات لا يستطيع أي حزب شيوعي ان يقف في مجابتها واقصد العولمة برداءها المتدين والتي اولدتها ذات الاسباب التاريخية التي اولدت الكثير من ثورات التاريخ .

لكن في هذا القرن هي نتاج ما يمكن أن يطلق عليه كبت لمظلومية ثقافتها القهر وبساطة الناس وكبت قرون من تمايز سلطوي سببه اختلاف الرؤى المذهبية وتفرد الواحد في السلطة وبؤس المكان وأشياء رسختها التواريخ بتقادم غزاتها وفاتحيها وملوكها وثوراتها المتعددة الالوان والحماس والمعنى.

صورة الرفيق حميد مجيد موسى في الشارع العراقي تنتشر بين الاطياف العلمانية في حدود ادراك الناس أن الرجل وكوادره يفكر بعراقية واضحة وبمسارات اضيف اليه الاعتدال مما لحق في سمعة الحزب الفكرية بسبب التعريف الشيوعي المتداول بين الناس . وهو في بعضه اسطرة وجنايته على أرث سياسي وثقافي ساهم وبشكل جذري في عموم التحولات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية التي عاشها العراق من نهاية الخمسينيات والى اليوم .

ولكن ( المأكول المذموم ) بقي يلازم صورة الشيوعي . وظلت مسيرته مرهونة بأقدار غرائبية عاشت مرحلة اخطاءها وحماس تصوراتها لتمنى بكارثتين تاريخيتين الأولى بعد 8 شباط 1963 عندما كشف الحزب كل قواعده في حماسه العلني بمساندة الزعيم فتربص له الحرس القومي واقام عليه الحد وحول حتى المدارس سجنونا لكوادره وتعذيبهم وفي الناصرية مدرسة خالد بن الوليد الشاهد الحي لما جرى لشيوعي المدينة .

الخطأ الثاني هو الجبهة الوطنية مع البعث في سبعينيات القرن الماضي والتي اطلق عليها صدام طلقة الرحمة مع اول ظهور لكراسه الصغير في الاسواق ( خندق أم خندقان ) . وهنا حمل الجميع حقائب المنفى أو سكنوا في زنازين الامن العامة والبعض ممن لرضخ لبطون اطفاله وعائلته وفضل الصمت او الانضمام قسرا لخلايا حزبية هجينة اسماها البعثيون ( التنظيم الوطني ) وهي خلية حزبية يقودها واحد من رفاق البعث بدرجة عضو او عضو فرقة لتثقيف الرفاق القدامى في الحزب الشيوعي الذي يكاد يعرف هذا الرفيق انهم ضحايا القسر الاجتماعي والتباس الموقف وهوس الحماس الوطني المنفعل الذي رافق ظهور صدام على الساحة السياسية وهؤلاء شاء البعث أو لم يشأ أو عتب رفاقهم الصامدين عليهم . ظلوا شيوعيين بالأهواء والسريرة والصمت .وأغلبهم من كوادر الهيئات التعلمية والذي رفض منهم التحول الى التنظيم الوطني حولوه الى وظيفة بغير وزارة .

الرفيق حميد مجيد موسى ( بابلي ) الولادة يذكر في واحدة من مقابلات التعريف بشخصه انه رضع الفكر الماركسي من طفولته وصباه وتعلم ان يكون شيوعيا ليخدم ابناء محلته ويحمل الفقر ويرميه فوق السطوح . فضل أن لا يهادن حنان صدام على من تبقى من شيوعي الداخل . واختار له منفى البندقية ثم منفى البلد الشيوعي الاوربي.

في العراق لم نكن نعرف أي شيء عن الذي جرى للذين حملوا حقائب القضية والامل ومسكوا سلاح المقاومة واختاروا كوردستان مكانا لمقاومة جيش كان في ذلك الوقت عقائديا ومتحمسا بسبب انتصاراته الاولى في حربه مع ايران .

وستظهر لنا في مذكرات قادمة للرفيق حميد مجيد موسى محطات لأمكنة ذلك المنفى المقاوم .وسيتحدث عن الذي يصمت ازاءه الان وتجرأ الكثير ليحكوا عنه واقصد تلك الطعنات التي تلقها الشيوعيين من رفاق السلاح في الفصائل الكردية الاخرى ، وحتما المبرر العام الذي يطرح الان ان الامر خضع لتوازنات المصالح القومية للكرد كشعب وثمة اسرار واسباب اخرى غذتها الرشاوي والعشائرية والتقاطع الميداني في القيادة وامور تحتاج لتواريخ لتكشف سر المأساة الانسانية المفجعة التي تعرض لها الانصار في قرى بشتيان وربايا الجبال البعيدة . وتلك المرحلة اوقع الحزب الشيوعي لحظته التاريخية في صورة الاضطهاد المنسي إذ لا احد اعانه .لا سوفيت ولا معسكر اشتراكي ولا فيدل كاسترو .عاش محنته وحده وتحملها بطوابير من الضحايا وفي النهاية من تبقى لم يقتنع في البقاء في مهزلة ثورة المكان الذي صار بفضل الخوف من غدر الفصائل ومدافع الجيش النظامي مثل الكنكرين في العظام ففضلوا تطبيق مسيرة الشاعر الإسباني انطونيو متشادو حين ارغمه الجنرال فرانكو وجيشه ان يعبروا الحدود الجبلية الثلجية بين اسبانيا وفرنسا حتى وهم حفاة لينالوا المنفى ومتشادو مات قبل ان يصل الحدود وقد تجمدت ساقيه من البرد .

وبالنسبة لشيوعي العراق كانت براغ ودمشق وبيروت وموسكو وبودابست ووارشو هي من اكثر المناطق الآمنة لرحلة المنفى والشغف وانتظار الحلم الجديد لعراق بسبب كل عهود القهر فيه قبلوا ان يرتدوا القمصان بازارها الذهبية ويصيروا في واجهة مجلس الحكم.

منذ وزارة علاوي الاولى وحتى وزارة المالكي الثانية لم يتقدم الشيوعيون العراقيون في مسارهم الاجتماعي واثبات لحقيقة التاريخ الجهادي الذي يستحقوه عن جدارة .بل انهم في الانتخابات الكثيرة خسروا كل مقاعدهم البرلمانية الاثنين التي حصلوا عليها من تحالفهم مع قائمة اياد علاوي . وفي تلك الدورة استطاع ابو داود ان يكون موجودا بالقدر الذي يشعر فيه العراقي ان الشيوعيين هنا ، ولكن تبقى عبارة اليد الواحدة لا تصفق تلازم طبيعة هذا الوجود داخل البرلمان .

ولا ادري لماذا يلازم الاجحاف التاريخي لمسيرة اقدم حزب علماني في تاريخ العراق الحديث . لماذا لا يرحم الرأي العام هؤلاء الذين ظلت ثيابهم بيضاء حتى عندما اتوا مع المحتل ليبرهنوا ان هذا المر الذي جرعوه انما هو ليد القسر التاريخي ورغبتهم ان يكونوا داخل الجسد العراقي حيث ولدوا .

وربما درس وزارة الثقافة الذي استلمه مفيد الجزائري ارانا حقيقة كيف يكون الشيوعي نزيها في وظيفته ومنصبه .لكن احدٌ بسبب هوس المذهب والطائفة وثقافة احتواء حلم الناس صوب فجيعتها القديمة اربك كل شيء في الذائقة العامة .وبالتالي لم يكن في صناديق الاقتراع إلا اوراق الرفاق القدامى وعوائلهم وهي ان جمعت على العموم العراق ربما قد تجلب صوتا او صوتين .لكن سكاكين كوتة التخندق والمناطقية المذهبية وثقافة عموم الطائفة والتحديات الجديدة ابعدت ابو داود ورفاقه عن الواجهة ليبقوا في واجهة ذلك النقاء والحلم الرومانسي لرغيف الخبز ولشمس الحرية الحمراء ولأغاني الكادحين.

أتخيل الرفيق ابو داود وهو يجلس تحت صورة مؤسس حزبه فلاديمير اوليانوف لينين . يتلقى من لحيته الناعمة مزيدا من رسائل النصح والإرشاد للتعامل من ما يحدث .يحثه أن لا يكون الصمت الطويل هو مساحة النسيان بين الذاكرة الجمعية العراقية وثقافة الحزب ووجوده بين الناس. يحرر فيه التفكير السائد .لننتظر ماذا سيحدث ثم نقرر .. وربما الشيوعيون يعرفون قبل غيرهم ان بيت الشاعر جرير والقائل اعلل النفس بالآمال ارقبها ما اضيق العيش لولا فسحة الامل ….هو ليس فصالا لقميص يليق بهم في حكمته ومعناه..!

وهم قد خسروا في الكثير مما كان مقدرا لهم ان يكونوا فيه وعليه وخاصة بعد ثورة 1958 فلو نال العراق فرصة ان يكون بلدا اشتراكيا وبهذه الخيرات فأنه لن يقع في مستقنع المآسي والخيبات التاريخية التي وقع بها بسبب الحروب وغزو الجيران والحصار القاتل واخيرا هذا الهدم الهجين الذي اتى مع المارينز وبتنا لانعرف رأسنا من اقدامنا فالكل يقول :انا ابن ابي ..ولتسقط النزاهة ….والشهادات المزورة .

وربما بسبب هذا التوارد الخواطري بين الرفيق حميد مجيد موسى والرفيق الغالي لينين كان على البابلي السائر في محنة وجود حزب فرضت عليه الأيدولوجيات الجديدة نوعا من الانكماش غبر أن الرفيق لينين اعرب عن سعادته كون العراق الذي اسس فيه فهد نواة البروليتارية الناشطة منذ ثلاثينيات القرن الماضي هو اليوم الحزب الشيوعي الوحيد في الشرق الاوسط من يعيش المساحة الكافية ليتصل بجماهيره وله صحافته ويرفع اعلامه الحمراء في تظاهرات ساحة التحرير وهذا ربما كلفه ان يهدد من قبلة الحكومة بأخلاء مقره الواقع في ساحة الاندلس .ويقال ان الرئيس طلباني تدخل في الامر وأجل محاولتهم لي ذراع حزب الشغيلة ومساطر العمالة التي تعبث في جسدها الاحزمة الناسفة.

لا أعرف ماذا يدار بين ابو داود والرفيق لينين في كل ليلة ولكني اعرف ان الرجل لا يطلب توجيهات محددة .فالدوران في الفلك السوفيتي كما كان يتهم الحزب بهذا انتهى زمنه ولم يعد هناك اتحاد سوفيتي وعلى الرفيق حميد مجيد موسى ورفاقه ان يكيفوا الرؤى الجديدة لمسيرة حزبهم مع المتغير الحضاري الجديد ووقائع الارض وليست وقائع الكراريس وحسم الكومنات القديمة بواسطة حراب البنادق والاناشيد الحماسية لروزا لكسمبورغ .

فالعراق لم يعد يحمل في معظم هاجسه اغلبيتين كما في ستينيات القرن أما قوميا أو ماركسيا ، فلقد اتى عصر ما بعد الحرب الباردة وهيمن الفكر الديني على المشهد بسبب الظاهرة التاريخية في نتائجها الحتمية التي هي حتما من افرازات الضغط الروحي على المشهد الكوني للحياة وخاصة في منطقة واحدة هي الشرق الاوسط التي تكاد ان تكون المكان الخصب الوحيد في الكرة الارضية لنشوء ديانات السماء ( اليهودية ، المسيحية ، الاسلامية ) فمنذ صحائف موسى وتوراته وحتى فجر الاسلام كانت الحركة التاريخية قائمة على ميتافيزيقيا النبوءة والتنبؤ والانبعاث القادم للمخلص الجديد .

ما يحدث اليوم ليس هو خارج اطار الرؤية التي كان ماركس وانجلز وحتى اهل الصوفية وكهنة حران وابناء الصفا ومعتزلة الاسلام والامام علي ع في نهج بلاغته ما كان يتحدثون به . انها الحركة الجديدة للتاريخ بصورته المتوقعة والغير متوقعة . والعراق قدر له بسبب جغرافيته وطبيعته وتواريخه ان يكون البديل المشابه لعنق اسماعيل في الاضحية وبعده اتت عربة محمد البو عزيزي لتغير في صورة المشهد كله في اتجاه جعل الحماس الديني واحزابها التاريخية الاخوان ..والسلفي الجديد المولود في الحاضنة الافغانية ليهمن على المنبر ويأخذ من الربيع العربي اغلبية المكاسب والمغانم .والشواهد الثلاثة حاضرة تونس ومصر وليبيا ..وحتى سوريا اذا قدر لنظامها أن يسقط فأن عمامة حمص ستخل بتوازن معارضتها وتهيمن على كل شيء.

وحتما في هذه البلدان سيكون على الشيوعيين الانتباه جيدا والحذر ايضا .لاسيما ان الفقه الاسلامي البسيط وليس العميق تعامل مع الشيوعية كنوع من الكفر الملحد فيما يجد بعض المفكرين المنفتحين من مسلمي الرأي والفكر والفلسفة ان الشيوعية يمكنها ان تتعامل مع الاسلام وفق المنظور العقلاني وأن جانبها المادي وباعتراف ماركس نفسه يمتلك سلطة روحية عميقة تلتقي في جوهرها بالكثير من الافكار المثالية .وربما احداث ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اثبتت عند بعض الاحزاب الشيوعية وخاصة الشرقية ان التعامل من الوقائع بموروثاتها هو التعامل الحقيقي لتطوير الفكرة الشيوعية مع حركة التاريخ.

الشيوعيون في العراق فعلوا ذلك . وكان ممثلهم الوزاري مفيد الجزائري في استلامه لوزارة الثقافة يتحدث في اتجاه مفهوم كهذا ليفاجئ الجميع بعدم تصلب الايمان الشيوعي اتجاه ما كان يشاع انها كفر والحاد .بل انه في مؤتمر اليونسكو الاول للثقافة اقام ورش عمل من اجعل تعميق التراث وتطوير النظرة اليه بأي انتماء مذهبي كان . وكم كانت سعادتي وانا ارى ما اعتقده البعض تنازلا عن روح المبادئ عندما ساهم مقر الحزب الشيوعي العراقي في الناصرية في احياء شعائر عاشوراء .ليس احتراما لمشاعر اغلبية المدينة الشيعية أو تجنبا لبعض التطرف الذي اصاب بعض العقول حين تم مهاجمة مقر الحزب في محاولة للبعض من احراقه واخلائه بحجة انه ينبغي ان يكون مقرا لواحد من المنظمات الطلابية الاسلامية لكن التشيع بالنسبة لأعضاء الحزب عمومهم في الجنوب العراقي ووسطه هو ينمو فيهم بفطرة الانتماء إلى المكان وطقوسه .

وحتى في ستينيات القرن الماضي كان الشباب الماركسي من بناة المواكب الحسنية وربما الرادود الحسيني الشهير الملا فاضل قد حمل في رداته شعارات لمرحلة نضال قادها الشيوعيون ضد الحكم العارفي والبعثي هي ملائمة تماما مع قضية الحسين ع واستشهاده .ويعرف اهل الناصرية ان واحد من اهم المواكب الحسينية في الناصرية وهو موكب ( المجارية ) كان مؤسسه المرحوم فرهود فجر والد المناضل الشيوعي كاظم فرهود الذي عاش سني النضال الشيوعي بشتى اوجهه وانتهى به ليكون نزيلا في سجن نقرة السلمان .

هذا بعض مختصر الرؤية لما يمكن ان نتخيل فيه لحظة التقاء الرفيق حميد مجيد موسى بالرفيق لينين .وفي المحصلة يمكن ان يثق القائد البلشفي بكل هواجس هذا الشيوعي البابلي ويقدر له موقفه ودوره ونزاهة الجماهير التي يقودها حيث قدر لهم أن يدفعوا الى هامش الاحداث ويجرف احلامهم سيل المتغير الجيد لكنهم كما في تواريخ وقفاتهم القديمة باقون في امكنة الضوء حتى مع قلة جماهيرهم التي هي في المحصل الجمعي للمكان العراقي هائلة العدد والاحلام والطموح .

وحتما هو طموح مؤجل بسبب طبيعة الاوضاع .مؤجل ليتسع ويتطور وليثبت في ذات متغير تاريخي أن تلك الايادي البيضاء بعقولها بتكنقراطيها وبمساحة الوعي فيها لقادرة ان تعطي للعراق شيئا كبيرا وكثيرا دون الحاجة لتذهب محاضر افعالها الى لجان النزاهة والرقابة المالية …………..!

أحدث المقالات

أحدث المقالات