ميليشيات متنفذة تقوم بتفجير مساجد بمحافظة ديالى, حملة تطهير عرقي تشمل المساجد ومنازل المدنيين في ديالى, تفجير جوامع ابو حنيفة والتواب والنقشبندي وام سلمة ومحمود باشا والجامع الكبير في ناحيتي السعدية وجلولاء.
هكذا تناولت وسائل الإعلام خبر الحملة البربرية التي طالت مساجد ديالى, وربما تكررت هذه العناوين خلال السنوات الماضية لاكثر من مرة وفي اكثر من مكان, وكان لديالى نصيب الاسد من هذه الاعتداءات خلال العامين الاخيرين.
تاريخيا, فان بداية الاعتداء على بيوت الله جاء بعد احداث سامراء في شباط 2006 حيث شنت حملة شعواء شملت حرق وهدم واحتلال عشرات المساجد على طول رقعة العراق وعرضه في كل مكان تطاله الزمر الميليشياوية، هذا إضافة إلى قتل كثير من الأئمة والخطباء والمصلين على يد عناصر همجية متخلفة تربويا وثقافيا, تحركها اياد لم تعد خافية عند عامة الناس فضلا عن اهل الاختصاص .
كل ذلك جرى ويجري اليوم وسط صمت مطبق من مرجعيات دينية معروفة, وهو ما يؤكد ان ذلك يأتي ضمن منهجية ماضية على قدم وساق لمسخ هوية العراق, واعادة صياغة هويته الجديدة وفق رؤية (الولي الفقيه) التي تحلم باعادة امبراطورية ساسان الفارسية لكن بعمامة سوداء تدعي زورا احقيتها بمظلومية اهل البيت وتطالب بالثار من ظالميهم وهم كل من لا يدخل تحت عباءة (الثورة الاسلامية), او بعبارة اخرى, فان الامة بكل ثقافتها وارثها التاريخي والحضاري هي المستهدفة من كل ذلك, لما يمثله المسجد من نقطة ارتكاز في الثقافة الاسلامية ولدوره المحوري في صناعة الهوية الاسلامية لاسيما بعد ان استعاد دوره التاريخي في جُمَع الحراك الشعبي الذي كان يقودها المشايخ والخطباء ويشكل المصلون مادتها الرئيسية, لان المساجد تمثل خط متقدم في معركة الهوية , واسالوا اسطنبول التي حافظت مساجدها على صبغتها كعاصمة للخلافة رغم عقود من العلمانية الموغلة في التطرف.
اذا تجاوزنا المعايير الوطنية ومبادئ التعايش السلمي التي تقتضي احترام عقائد الاخر ومقدساته فان العدوان على المساجد يمثل مرحلة من التردي الاخلاقي وهبوطا مريعا في المعايير الانسانية, ففي ديالى التي تعد جبهة متقدمة لمحاربة الارهاب وفق الرؤية الحكومية, عانى اهلها ايضا من ارهاب اخر تمثله الحشود الميليشاوية التي يقودها قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني, ومن هنا فان تكرار حوادث الاعتداء على المساجد يمثل حلقة في سلسلة مشروع التغيير الديموغرافي الذي بات واضحا ان ديالى تمثل هدفه الاول بعد البصرة.
ان من المؤسف ان تتوالى الاعتداءات على المساجد في ديالى بهذا الشكل الممنهج دون ان تكون هناك ردة فعل بنفس المستوى, واذا كان البعض مشغولا بالسهام التي توالت على الانبار ونينوى وصلاح الدين, فان توزيع الجهد واعطاء اولوية لديالى التي تواجه هجوم مزدوجا بات امرا يمثل ضرورة قصوى.
ومن هذا المنطلق فان ممثلي ديالى من ساسة وعلماء ومثقفين واكاديميين وحتى اعلاميين مدعوون لتكثيف الجهد لمواجهة هذا المخطط الخبيث, وعلى نواب ديالى وفي مقدمتهم رئيس مجلس سليم الجبوري, ان يقيموا البرلمان ولا يقعدوه للتوصل الى حل يرضي ممثليهم, فليس من المعقول ان تتكرر حملات التطهير العرقي الفجة هذه دون رادع من قانون او ضمير, وبلا قطرة من خجل, ولا تاخذ حقها من الاهتمام كما كان التعاطي مع احداث الموصل, لان غض الطرف والنأي بالنفس عن هذا المشروع الزاحف الذي يستهدف الثوابت والوجود, سيشكل كارثة بكل ما للكلمة من معنى, وان التمسك بالمنطقة الرمادية هو نوع من الانهزام والتخلي عن المسؤولية.