يجيب فرديديك انجلز ضمن المحاولات الفلسفية لتعريف الدولة وشرح اسباب نشوئها، بأنها نتاج طبيعي لصراع اجتماعي طبقي، تحتمها ضرورات الحفاظ على النظام، والتخفيف من حدة الصراع الطبقي، ومع انه يرى ايضاً أنها تبقى مجسدة لمصالح طبقة سائدة وحاكمة تمتلك وسائل الانتاج، بهذا المقدار يوضح إن الدولة حاجة داخلية للمجتمعات، ولا يمكن فرضها عليه من الخارج، وبأختصار مبسط يعد انجلز ان من ضرورات وجود الدولة، هو تأدية وظيفة حفظ النظام، وخلق حالة من التوازن عبر استخدامها للعنف لفرض منطقها ( القانون)، على الرغم من إن القانون كما يرى بعض الفلاسفة “تعاليم ظالمة ميزتها إنها تطبق بعدالة على الجميع”.
مقتل الدول يقع بفقدانها لخاصية القدرة على فرض القانون على الجميع بذات المقدار، أو فقدانها لامتياز عاملي العنف والثروة، اللذان يوفران لها منعة وحماية من تغول الجماعات الإجتماعية عليها، وكذلك يقع مقتلها ايضاً في اصطباغها بلون، أو ممارستها التمييز المفرط بين رعاياها، وبالتالي خروجها من حيادها المفروض الى أتون صراع وتدافع طبقي تكون فيه طرفاً، الأمر الذي يقود الى ان تقف جماعة مع الدولة وأخرى بالضد منها، وحينها يبدأ طور جديد في حياة الدولة.
فالدولة حين تنحاز لصالح مركب من مركباتها، ستقتضي الضرورة عندئذ ان يصار الى خلق تشققات وصدوع في بنائها، وهنا تبدأ دورة إنحلال ما يسمى بـ ” الأسمنت” الرابط بين المكونات، وتحوله من حالة الصلابة ، الى الصلادة المجوفة، خصوصاً اذا كان النظام ديكتاتوري، وما أن يتعرض البناء “الدولتي” الى اي هزة خارجية حتى يبدأ بالتصدع مروراً بالإنهيار، وصولاً الى التفكك الذي يعءسسثني صعوبة إعادة ترميم الدولة.
الذي جرى في العراق منذُ ظهور الدولة فيه، هي ذات المُشكلة، وتعقدت بسبب ظروف موضوعية، وأخرى ذاتية، الى أن قُضي على الدولة برمتها ابريل 2003، على الرغم من إن الديكتاتورية حاولت بناء نظام صلب عبر استخدام القمع والعنف المنفلت، الا انها نجحت في بناء نظام صلد فحسب، وبقيت عناصر الانقسام المجتمعي تغور الى إعماق المجتمع العراقي، الذي تفكك في نهاية المطاف الى ثلاث مكونات (شيعية- سنية – كردية)، وهذا مآل يصعب معه الربط من جديد في شكل دولة، خصوصاً وان التنافر يزداد بفواعل خارجية وأخرى داخلية، ونزوع الرغبات بتحقيق الذات عن كيان الدولة الأم!
العراق امام استحالة حقيقية في إنتاج دولة جديدة، وهذه الخلطة التي يعاد انتاجها بعد كل اختبار انتخابي، لا تعدو كونها وصفة مؤقتة لتجاوز آلالام الواقع، ولكنها تبقى بعيدة عن الحل !