إنها خطوة صغيرة لإنسان … لكنها قفزة كبيرة للبشرية …هكذا عبر رائد الفضاء الأمريكي ارمسترونغ عن خطوته التي وطئ بها سطح القمر عام 1969 ، والتي كسر فيها حاجز المستحيل ، وفتحت الطريق أمام العالم المتحضر لغزو الفضاء الخارجي ، وسبر أغواره ومجاهله ، لتكون هذه الحادثة علامة فارقة ومشرقة في سفر الإنسانية جمعاء ، وفي تاريخه الشخصي كونه أول إنسان داس بقدمه تراب السماء ، لتتحول أنظار الغرب لأعمار الفضاء وبث الروح فيها ، بعدما عمروا أوطانهم ، وصنعوا أنسانا ارضيا متحضرا يؤمن بالعدل والمساواة ويعشق الحرية كجزء من احتياجاته اليومية ، مصان الكرامة والحقوق … هكذا هم فضائيون وأرضيون صناع للحياة والتطور … وهكذا نحن صناع للوهم والزيف …في موائمة غريبة ومقاربة حاول من كان يقف ورائها أن يحاكي الغرب المتقدم في غزوه للفضاء ويحقق انجازا عراقيا صرفا ، لا ينازعه فيه احد ، كون لم يسبقه إليه احد من قبل … انه ابتكار الإنسان الفضائي العراقي … اطل علينا السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي ليفجر قنبلة من العيار الثقيل ، ويعلن عن اكتشافه لأكثر من خمسين ألف جندي فضائي في الجيش العراقي الحالي ، أي ما يعادل أربعة فرق عسكرية …وإنهم الآن في طور إحصاء الفضائيين في الصنوف الأخرى من القوات المسلحة كالشرطة وحرس الحدود والمغاوير والقائمة تطول …
جنود فضائيون تصرف لهم الارزاق من طعام وشراب ويسلحون ويستلمون مرتبات تكلف الدولة مئات المليارات من الدنانير شهريا ، دون أن يراهم احد لا على الأرض ولا في السماء ، جنود فضائيون تواروا خلف الفوضى التي تضرب بإطنابها جميع مرافق الحياة هنا …وتعلقوا بشماعة الفساد الإداري الذي أصبح سمة العراق الجديد ، وولجوا إلى سمائنا من تحت عباءة الطائفية والقومية والحزبية والفئوية ، هؤلاء هم فضائيونا ، هم ليسوا روادا للفضاء أو كائنات غزت بلادنا من المريخ او الزهرة بصحونهم الطائرة … إنهم أسماء وعناوين ليس لهما وجود نسخت على أوراق رسمية ، أو أناسا جالسين في بيوتهم يستلمون نصف رواتبهم والنصف الآخر يذهب في جيوب ضباطهم الفاسدين … أنهم وهم القوة والكثرة التي نتج عنها هذا التدهور الأمني الذي نعيشه الآن ، واحد الأسباب الرئيسية لسقوط الموصل وتكريت وأجزاء كبيرة من المنطقة الغربية …
حين تفقد الحقيقة معناها ويغيب أو يغيب القانون كأداة رادعة للانحراف ، عندها يصبح الوهم والزيف هما من يحرك دفة الحياة … اليوم جنود فضائيون وغدا سيكتشف لنا منقبون آخرون عن كائنات فضائية أخرى تفسر لنا هذا الوجع العراقي المزمن ، وندرك حينها أن ميزانية العراق الخرافية بضخامتها ، أنتجت لنا كائنات خرافية ليس لها وجود … إلا في عالم الفضاء والخيال العلمي ، حين تمتد قائمة السيد العبادي وتكشف لنا عن وجود مدارس فضائية ومستشفيات فضائية وطرق وجسور فضائية ، وسياسيون ومثقفون فضائيون … حري بنا ان نفخر بحاضرنا الفضائي الذي تجاوزنا فيه كل خطوطنا الحمراء وعبرنا إلى اللاعودة ، حيث لا دين يردع مفسدينا ولا واعز أو ضمير …بغياب قانون قوي وصارم يضرب على ايدي السراق ، يقول لهم كفوا ايديكم عن نهب هذا البلد المسكين ، الذي نخشى ما نخشاه ، أن نجده قد تحول في إحدى غفلات الزمان إلى بلد فضائي هو الاخر .