قد يختلف العراقيون في الكثير من الاشياء، وحتى لو اختلفوا في كل الاشياء الا انهم لا يختلفون في الحسين، فما ان يطل عاشوراء حتى ترى الحسين يجمعهم في مجالس العزاء من شرق العراق الى غربه ومن شماله الى جنوبه في منابر الجمعة وحول نار قدور “الهريسة”. في احاديثهم اليومية وصحفهم في اذاعاتهم وتلفزيوناتهم.
وما ان تقترب اربعينيته حتى ترى قوافل النازحين كالسيل المتدفق يتوزع على شكل انهار وروافد تلتقي في كربلاء مكونة بحيرة بشرية عظيمة عند ضريحه الطاهر.
العجيب في هذه التظاهرة المليونية العفوية انها تضم الصغار والكبار، النساء والرجال، الفقراء والاغنياء، البسطاء والعلماء.
والجميل في هذه التظاهرة انها تجمع المتدينين والعلمانيين، الراديكاليين والليبراليين.
واللافت في هذه التظاهرة ان اكراد وتركمان العراق يسبقون المواكب العربية وان مواكب (اهل السنة في البصرة واهل السنة في واسط ) في طليعة الرايات، وان (اهل السنة في بغداد) نصبوا سرادقات الخدمة التي تستضيف الزوار على طول الطريق، وان صابئة سوق الشيوخ يحثون الخطى ليلتحقوا بصابئة بغداد لتشكيل موكب مميز.
وان مسيحيي الكرادة شذرات نفيسة زينت مواكبها فكل موكب تشرف بضمهم وسط جموعه ليباهي المواكب الاخرى.
والاعجب فيها انها منزهة عن اي غرض اواي مطمع، لم تكن ارضاء لاحد، ولا خوفاً ولا استحياءً من احد، ولا تنفيذا لامر سلْطة، ولا رغبة في هباتها، ولا دعما لحزب او حركة.
انها اشادة بموقف… واجلال لمبدئية… وتخليد وتكريس لقضية مشرفة… وتقديس لرمز رسالي موحد تحدى طغات العصور مبشرا بالحرية لجميع بني البشر.
انها عشق نقي طاهر توضأ بسلسبيل الحب والخير والحرية والجمال.
فالحسين قضية انسانية قبل ان يكون قضية اسلامية، والحسين هوية عراقية قبل ان يكون قومية عربية، قاتل معه نصارى العراق، والّف فيه احفادهم الملاحم. وذاب في عشقه صابئة العراق ، وشبكيوه ، وايزيديوه ،وتعرضوا للاضطهاد والتنكيل من اجله.
عرفه العراقيون قبل الطائفية والطوائف، ورفعوه فوقها، وصكوا بهتاف الحسين ) هيهات منا الذلة ) وجوه دعاة التفرقة والتشرذم والتعنصر والتطرف. ومراسيم احياء شعائرالثورة الحسينية عراقية.. سومرية، بابلية، اصيلة بعمق تأريخ العراق وحضارته الازلية.
ولأن طغى عليها الطابع الشيعي فلأن الشيعة يتنفسون حب الحسين.