18 ديسمبر، 2024 8:46 م

مَن المسؤول عن انتشار الإرهاب الوهّابي في العراق؟

مَن المسؤول عن انتشار الإرهاب الوهّابي في العراق؟

كشف رئيس الوزراء العراقي، الدكتور حيدر العبادي، أمام مجلس النوّاب يوم الأحد 30 تشرين الثاني، 2014، أن خمسين ألف جندي من القوات النظامية في أربع فرق عسكرية لا وجود لهم إلا على الورق و في سجلات الرواتب الشهرية بوزارة الدفاع. و يُطلق عليهم تسمية الجندي الوهمي أو الفضائي. بينما تذهب رواتبهم إلى قادتهم من الضباط المسؤولين و بقية سلسلة المراجع مقابل حصولهم على إجازات مفتوحة خارج وحداتهم العسكرية. و قد أبدى العبادي تألمه لهذه الظاهرة الخطيرة على أمل أن يعالجها بالطرق المناسبة. و أضاف العبادي “أشعر بالأسى لما حدث. الجنود يقاتِلون و يُقتَلون، و غيرهم يستلم الرواتب.” و قال “إذا أجرينا تفتيشاً على الأرض فسنرى العجائب والغرائب.” و اعتبر أن “أخطر فساد ما هو موجود في المؤسسة الأمنية. جاء ذلك في أول اعتراف رسمي عراقي بحجم الفساد في المؤسسة العسكرية، و في إطار إصلاحها، حسب البيان الرسمي.

و كانت صور في الشبكة الدولية (الإنترنت) أظهرت الجنود العراقيين و هم يستبدلون الزي المدني بملابسِهم العسكرية قبل أن يفرّوا من معسكراتهم في الموصل في 9 حزيران/يونيو الماضي 2014 عندما اجتاحتها العصابات الإرهابية الوهّابية المسمّاة “داعش”.

كما أظهرت كاميرات الصحفيين الأرتال العسكرية و هي تصل بكامل عتادها و أسلحتها إلى أطراف المنطقة الكردية في شمال شرقي العراق. و قد طالب ضباط في الجيش العراقي حينها بفتح تحقيق مع الضباط المسؤولين في المدينة.

و في يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر، 2014 أصدر القائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي أوامر ديوانية بإعفاء 26 قائداً عسكرياً من مناصبهم و إحالة 10 قادة إلى التقاعد، و تعيين 18 قائدا في مناصب جديدة بوزارة الدفاع. ورد ذلك ضمن توجهات العبادي لتعزيز عمل المؤسسة العسكرية على أسس مهنية و محاربة الفساد بمختلف اشكاله.

و من متابعة التقارير الإخبارية اليومية يمكن القول باطمئنان أن ما يُقال عن الجيش ينطبق على قوات الشرطة و الأمن تماماً.

و تأكّد ذلك مرة أخرى عندما أعلن العبادي يوم الإثنين، 1 كانون الأول/ديسمبر، 2014 عن إعفاء 24 من قيادات وزارة الداخلية من مناصبهم و إحالتهم إلى التقاعد، و تعيين ضباط جدد ضمن خطة إصلاح عمل المؤسسات الأمنية. و يأتي هذا التغيير من أجل إعادة هيكلة القوات الأمنية و جعلها أكثر فاعلية في مواجهة الإرهاب ـ حسب تعبير البيان.

ذكرتُ في مقال سابق بعنوان “ما المطلوب عمله من رئيس الوزراء العراقي الجديد، حيدر العبادي؟” نُشِر في هذا الموقع الكريم يوم الأربعاء، 13 آب/أغسطس، 2014 ، أن الملف الأمني يجب أن يحظى بالأولوية المطلقة، بينما تسايره و تكمّله بقية الملفات بنفس الوقت. و من بين ما قلتُه صراحة أن “جيش الطوائف هو جيش الهزائم، و شرطة الطوائف هي شرطة الهزائم”. و وجّهتُ أصابع الاتهام مباشرة إلى شخص و وظيفة السيد نوري المالكي باعتباره رئيس الوزراء السابق و القائد العام للقوات المسلحة، و أشرف بنفسه على وزارتي الدفاع و الداخلية، و رئاسة المخابرات و الاستخبارات، و رئاسة مجلس الأمن الوطني و القومي. و مع امتلاكه لكل هذه المناصب الحساسة و الصلاحيات الواسعة فقد فشل و تهاون في درء خطر الإرهاب الوهّابي و العصابات المسلحة الطائفية التابعة للأحزاب الحاكمة في بغداد و أربيل. كما أن شخصيته الصِدامية سبّبتْ استقطاباً حاداً في المجتمع و الحكومة و مجلس النوّاب، و كذلك مع الدول المجاورة و الدول الحليفة، أي الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المتحدة.

ثم تفاجأ العراقيون و امتعضوا كثيراً عندما رأوا العبادي و باقي الأحزاب الطائفية و هم يُعَيِّنون و يُداورون رؤوس الهزائم و الجرائم و الفساد و الفشل و التهاون و التخاذل في مناصب رفيعة مرة أخرى. فقد أصبح نوري المالكي و إياد علاوي و أسامة النجيفي نُوّاباً لرئيس الجمهورية، و هو منصب فخري. و أصبح بهاء الاعرجي، و صالح المطلك، و هوشيار زيباري نُوّاباً لرئيس الوزراء. كما أصبح حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي و البحث العلمي، إبراهيم الجعفري وزير الخارجية، باقر جبر صولاغ الزبيدي وزير النقل، عادل عبد المهدي وزير النفط، روز نوري شاويس وزير المالية، و غيرهم من الفاشلين.

إتضّح من التصريحات و التعليقات الكثيرة من الدكتور العبادي مباشرة و من مسؤولين آخرين أن التعيينات الجديدة في ما يُسمّى الرئاسات الثلاثة، أي رئاسة الوزراء و رئاسة الجمهورية و رئاسة مجلس النوّاب، تمّتْ حسب ما أسمَوه “التوافقات الطائفية”، أي الحصص الطائفية التي جاءت بها جماعات مؤتمر لندن مع الاحتلال عام 2003. و من بين أسباب إعادة تعيين المالكي، على وجه التحديد، في منصب نائب لرئيس الجمهورية هو لمنع حدوث انشقاق جديد في حزب الدعوة الإسلامية الحاكم، و بنفس الوقت تطبيق للمثل الإنكليزي: “قرِّبْ صديقَك إليك، و قرِّبْ عدوَّك إليك أكثر.” حتى إذا ما احتاج أحد ٌأن يحاسب المالكي وجده تحت قبضة يديه.

إنّ مسؤولية المالكي، من النواحي الشخصية و السياسية و القانونية ـ الجنائية، عن ازدهار الطائفية و روح الانفصال و التقسيم و الفساد الإداري، و انتشار الإرهاب الوهّابي في العراق و حدوث مجازر الإبادة الجماعية و التهجير القسري و غيرها من الجرائم، لم تنتهِ بانتهاء مدة وزارته. و هي التي دامت ثمان سنوات و شهدت إعادة تشكيل القوات المسلحة في الجيش و الشرطة على أسس طائفية بحتة و بمساعدة القوات الأمريكية و البريطانية. و مع اقتراب مائة يوم من حكم وزارة الدكتور حيدر العبادي (في 20 كانون الأول/ديسمبر، 2014) فإن هذه المسؤولية يشترك فيها الآن مع المالكي إلى أن يستطيع دحر الإرهاب الوهّابي و تحرير كل المدن العراقية منه، و إلى أن يستطيع السيطرة و القضاء على الطائفية. فإن لم يفعل، لعجزه أو لامتناعه، فإنه يتحمّل المسؤولية بالكامل مثل نوري المالكي. بل سيُضاف عارٌ جديدٌ إليه، و هو أنه ربّما سيُشرف، مع الطائفيين الآخرين، على تقسيم العراق بصورة رسمية و على أسس طائفية أيضاً.

إذا كان هدف العبادي من تشخيص و معاقبة 50 ألف جندي و عدد غير معلوم بعد من الضباط المسؤولين هو أكل السمكة من الذَنَب وصولاً إلى الرأس فهو إجراء خاطئ من حيث أنه يبحث عن الأسماك الصغيرة و لا يتحرش بأسماك القرش و الحيتان الكبيرة. ذلك أن هؤلاء الجنود لم يجرؤوا على التغيّب من واجباتهم في حماية أمن الوطن لو كان الضباط و الوزراء و القائد العام للقوات المسلحة حازمين في تعاملهم مع الملف الأمني و الطائفية. و إذا كان هدف العبادي من معاقبة هؤلاء الجنود و ضباطهم امتصاص نقمة الشعب العراقي و الانشغال عن رؤوس الفساد، أي المالكي و وزارته كلها، فهو خلل قانوني و سياسي و أخلاقي فادح لا يمكن غفرانه.