صعب جداً أن توضع بين خيارين كلاهما يستبيح دمك وعرضك ومالك، والأصعب منه أن تواجه أحد الخطرين، فيأتيك الخطر الآخر ليسلبك روحك وبيتك وحريتك وكل شيء، لكن إياك أن تعترض أو تتأوه أو تصرخ من شدة الألم، لأنهم سيسلقونك بألسنة شداد حداد، من التهم والنعوت والأوصاف.
مناطق كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، قتل أهلها وشردوا وطالهم أذىً كبيراً، وبعد أن تحررت مناطقهم جاءت الميليشيات تحت غطاء محاربة التنظيم الإرهابي، لتكمل ما بدأه داعش من قتل وخطف وتفجير للبيوت والمساجد، وتشن حملاتها تحت غطاء رسمي، وعلى مرأى ومسمع القوات الأمنية، لكن الفارق أنه كان بالأمس داعش، واليوم ماعش، مع أن الضحية واحدة.
الغريب أن صرخات المظلومين ، تجابه بردود غاضبة من سياسيين ونواب، تصل الى حد الطعن بوطنية كل معترض على جرائم، بل مجازر الميليشيات ، ويخرج عبر وسائل الإعلام أولئك المتصدرين للتصريحات الدفاعية، ليذودوا عن ميليشياتهم، ويذبون عنها بطريقة رمتني بدائها وأنسلت، ثم لايتورعون عن إتهام كل من حاول أن يقول كلمة حق إزاء حملات القتل التي ترتكب بعد دحر إرهابيي داعش، وتولي ماعش زمام السيطرة، بأنه داعشي، حتى وإن كان هو من ضحاياه، وقاتله بكل الأسلحة.
كنا نتمنى أن نسمع صوتاً منصفاً لايخضع لهوى القبيلة او الطائفة أو الحزب، وينظر الى الوقائع بتجرد عن الهويات، فالجريمة بشعة في كل الأحوال، سواء كانت على يد إرهابيي داعشي، أو إرهابيي ماعشي، لكن يبدو أن بعضهم لايروق له ذلك، ويحاول أن يكيّف الجريمة تبعاً لأفكاره ومنهجيته، الى حد منحها المشروعية، من خلال صياغة بعض مسوغاتها، غير ملتفت أصلاً الى سلطة الدولة وسلطة القانون التي يدعى مراعاتها والعمل تحت مظلتها.
في الوقت الذي نتطلع فيه جميعاً كعراقيين الى التخلص من داعش، ينبغي أن لا يكون البديل الميليشيات، إذا كنا نحرص على بناء دولة قانون، كما ينبغي أن نتعامل مع الجريمة بلون واحد، لا أن نحاربها هنا، ونغطي عليها هناك،
كذلك من الضروري أن نتعامل مع أي شكوى على أساس الوقائع والأدلة وليس مجرد الرفض المسبق نتيجة تحسس معين من الآخر، أو ربما لرغبة إنتقامية، أو مشروع إستئثاري لإجراء تغييرات ديموغرافية، كما يراها البعض في ظل حالة اللامبالاة من الجرائم التي ترتكب تحت عنوان محاربة داعش، فيما الضحايا يصبحون ويمسون رهينة الدواعش والمواعش، وثالثهما السجان.
أيها السادة .. أيها الساسة .. لانريد داعش ولانريد ماعش، ولاقوة من خارج البطنين ( الجيش والشرطة)، إنما نريد وطن آمن، يخلو من الميليشيات السائبة، وعصابات الخطف، والسلاح المباح، وان يكون القانون سيداً على الجميع.