تمهيد :
سياسي محنك ، ولد من عائلة فقيرة في 26 فبراير 1954 في طرابزون ، أنبثق من رحم المؤوسسة الدينية ، حيث درس في مدارس ” أمام خطيب الدينية ” ، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة مرمرة / كلية الأقتصاد و الأعمال ، تحول ” من بيع البطيخ و السميط ” في مرحلة الأبتدائية و الثانوية / من أجل المساهمة في مساعدة وضعه العائلي ودفع مصاريفه الدراسية ، الى رجل تركيا القوي ، أنه ” رجب طيب أردوغان ” .
جاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلفية دينية أسلامية ، وأنطبع نهجه المستقبلي بهذه الصبغة ، لذا فأنه بدأ العمل السياسي وفق هذا المنظور ، ومن خلال التيار الإسلامي الذي قاده نجم الدين أربكان ، وحاول جاهدا منذ فوزه بالحكومة في عام 2002 التأكيد على أنه لا يمثل حزبا دينيا ، لكنه يريد بناء دولة ديمقراطية تفصل بين الدين والدولة كما في أوروبا ولا تسيطر فيها الدولة على الدين كما هو حال العلمانية التركية / سابقا .
انخرط أردوغان في سن مبكرة في حزب السلامة الوطنية الذي أسس عام 1972 بزعامة أربكان ، وظل عضوا في حزبي الرفاه ثم الفضيلة اللذين شكلهما أربكان ، إثر موجات الحظر التي كانت تطال أحزابه ، وفي عام 1985 أصبح أردوغان رئيسا لفرع حزب الرفاه الوطني في إسطنبول ، وفي عام 1994 فاز برئاسة بلدية إسطنبول ، وهكذا كان الصعود المدوي المثير للأنتباه و الجدل ، فمن مارس 2003 لغاية أغسطس 2014 كان رئيسا للوزراء خلفا لعبدالله غول ، ثم من أغسطس 2014 أصبح رئيسا للجمهورية ( نقلت بتصرف ، من موقعي الويكيبيديا و الجزيرة نيت .. ) .
الموضوع :
أضاءات في مسيرة رجب طيب أردوغان :
1. المتتبع للمسيرة السياسية لأردوغان يلاحظ أنه في موقع القيادة منذ عام 1994 كرئيس لبلدية أسطنبول ولغاية ترؤؤسه رئاسة الجمهورية في أغسطس 2014 ، مرورا كرئيس للوزراء منذ مارس 2003 ولغاية أغسطس 2014 / لأكثر من 11 عاما . هذه الأضاءة تبين لنا بشكل لا يقبل الجدل من تشبث أردوغان بالحكم ، وهو دليل هوس سلطوي / والديمقراطية مجرد أدعاء ، حاله حال الرئيس الروسي بوتين ( الذي مر بنفس المرحلة ) ، وأرى أن هذه الحقبة تشير لدكتاتورية أردوغان من خلال التلاعب و التبادل بالمناصب .
2. تعتبر تركيا من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأميريكية ، حيث يوجد على أراضيها قاعدة أنجرليك الجوية ، والتي تقع في ضاحية أنجرليك قرب أضنة ، والقاعدة تضم الوحدة 39 للطائرات المقاتلة الأميريكية ، التي تضم اكثر من 7000 موظف مدني وعسكري أضافة الى المتعاقدين ( نقل بتصرف من موقع مقاتل من الصحراء ، الأصدار 15 ) ، أذن قائد أسلامي / أردوغان ، ومرتبط بستراتيجية عسكرية مع أميركا ، هكذا حال أنظمة الأسلام السياسي ، وهكذا كان حال حليفه السابق / المعزول ، محمد مرسي ، التي دافعت عنه أميريكا !! حتى بعد سقوطه ..
3. في عام 1998 أتهم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية ، تسببت في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري يقول فيه : ( مساجدنا ثكناتنا ، قبابنا خوذاتنا ، مآذننا حرابنا ، و المصلون جنودنا ، هذا هو الجيش المقدس .. ) ، فأي علمانية هذه ، و الخطاب الرسمي يحمل طابعا دينيا أسلاميا متزمتا ، ومع كل هذا فأردوغان الأن هو رجل الدولة الأول و الأقوى ، ضاربا كل الأحكام القانونية عرض الحائط .
4. حليف الماضي لسوريا ، أصبح ألد أعداء لسوريا اليوم ، هذه هي لعبة تغيير التحالفات ، حيث كتبت سارة معروف ” في موقع مصريات ، على مدى أرتباط أردوغان بجماعة الأخوان المسلمين فكرا وممارسة ، ظهر تسجيل مسرب يكشف فيه وزير الخارجية أحمد دؤود أوغلو طلب أردوغان التدخل في الصراع في سوريا ، ويقترح ” حقان فيدان ” رئيس المخابرات ان يتم ارسال رجال الى سوريا ليقوموا باطلاق صواريخ على الاراضي التركية ، مما سيمثل اعتداءاً على سيادة تركيا وانتهاك لحدودها ويصبح هذا الفعل ذريعة لتدخل الجيش التركي والقتال ضد الجيش العربي السوري . ورد الفعل الاول من الحكومة التركية على فضيحة التسريبات هذه ، كان حجب ” موقع يوتيوب ” وبدأ التحقيق في كيفية تسجيل هذا الاجتماع وتسريبه . وخرج وزير الخارجية التركي ” عبدالله أوغلو ” ليتحدث بوقاحة عن هذا التسجيل ويقول انه بمثابة اعلان حرب على الدولة التركية . اما اردوغان فقد وصف التنصت على هذا الاجتماع وفضحه بالعمل الخسيس.
5. سلك أردوغان سلوكا عميقا في أسلمة تركيا ، خلاف ماكانت عليه أيام ” مصطفى كمال أتاتورك ” ، الذي كانت كراهيته للإسلام وشريعته / أقصد أتاتورك ، واضحة حتى قبل أن يُسقط الخلافة رسميًّا ، فكما يقول أرمسترونج : ” ولقد طالما أوضح لأصدقائه أنه يرى وجوب اقتلاع الدين من تركيا ” ( المسألة الشرقية ، محمود ثابت الشاذلي ، ص(239) ، نقلًا عن كتاب “الذئب الأغبر .. مصطفى كمال”، أرمسترونج ، ص 195 ) ، أردوغان لم يكتفي بالأسلمة ولكن خطابه أصبح أكثرقوة في تأييد الحكومات الأسلامية ، ومنها حكومة الأخوان المسلمين في مصر / في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي 30 يونيو 2012 و 3 يوليو 2013 ، وأصبح يشير الى شعاراتهم فيما بعد ( كشعار رابعة .. ) ، وأنتقد حكومة عبد الفتاح السيسي ونعتها بحكومة الأنقلاب ، ووصل الأمر به الى أنه ” أنتقد سماح الأمم المتحدة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي -دون أن يذكره بالاسم- بإلقاء كلمة من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وتساءل أردوغان خلال كلمة ألقاها في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في إسطنبول إذا كانت الأمم المتحدة ” مكاناً مناسباً لكي يلقي فيه الانقلابيون خطاباتهم ؟” ( المصدر ، نقل بتصرف من موقع الجزيرة نيت ) .
كان من الأجدر بأردوغان أن لا يدخل تركيا في مهاترات سياسية مع مصر ، خاصة وأن الأمر يمثل حالة سياسية داخلية لدولة ذات سيادة وذات ثقل سياسي يعتبر الأكبر عربيا ، كما أن قرار أقصاء الرئيس محمد مرسي وجماعة الأخوان المسلمين عن الحكم كان قرارا شعبيا بأمتياز ..
6. في محاربة الأرهاب وأردوغان ، هناك أكثر من أضاءة ، فبين ليلة وضحاها تنضم تركيا الى محاربة داعش ، وهي التي كانت ممرا ستراتيجيا لكل المقاتلين الأسلاميين الذين يؤدون فريضة الجهاد ، ونشرت صحيفة “ميللييت” عن تقارير أمنية تركية أن عدد المقاتلين من التابعية التركية في صفوف تنظيم “داعش” بلغ ثلاثة آلاف مقاتل ، وأن معظمهم تلقى تدريبات في معسكرات تنظيم “القاعدة” في أفغانستان وباكستان ، كما أن تسليح المنظمات الجهادية الأسلامية هو تركي ، ولقد كان العنوان الأبرز في تركيا دعوة رئيس “حزب الشعب الجمهوري” كمال كيليتشدار أوغلو ” ، وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ، الى الاستقالة ، جاء ذلك في لقاء لصحيفة “جمهورييت” مع كيليتشدار أوغلو، بعد اجتماعه مع داود اوغلو ، حيث قال الأول إن السلاح الذي كان يصل الى “جبهة النصرة” كما تنظيم “داعش” ، إنما هو الذي كان أردوغان يرسله عبر شاحنات النقل الخارجي الى سوريا لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد . وأضاف زعيم أكبر حزب معارض في تركيا ، أن ” فاتورة تركيا بسبب سياستها الشرق أوسطية كانت ثقيلة جداً . المقاتلون الأجانب في سوريا كانوا يتحركون بسهولة من تركيا وإليها والسلاح الذي كان يرسله أردوغان انقلب الآن ليوجه الى صدور المواطنين الأتراك في القنصلية التركية في الموصل وقبلاً في الريحانية وغيرها”. ( نقل بتصرف من موقع جريدة الشعب الألكترونية ). وأما أطلاق سراح الرهائن الأتراك من قبل داعش فهو موضوع يثير أكثر من علامة تعجب و أستفهام !! حيث أن داعش ليس من عقليتها أطلاق رهائن ، ويبين ” موقع الحياة تجريبي ” بأن ( «داعش» أطلق سراح 46 رهينة تركياً ، بعد أكثر من مئة يوم في قبضة التنظيم الذي خطفهم من القنصلية التركية عندما استولى التنظيم على مدينة الموصل ، في ما يعتقد أنها « صفقة بين التنظيم والرئيس رجب طيب أردوغان تقايض إطلاق الرهائن بعدم انضمام أنقرة إلى تحالف دولي يريد القضاء على الدولة الإسلامية في العراق وسورية » ) ، ولكن الرهائن أطلق سراحهم !! وتركيا أنضمت للتحالف في نفس الوقت !!
الخاتمة :
* العلمنة في تركيا منذ حقبة أتاتورك كانت تقودها المؤوسسة العسكرية ، أما في حقبة أردوغان / أذا صح القول ، فأن الموؤسسة العسكرية بالمفهوم الأتاتوركي مغيبة ، وما هو بارز الأن هو فكر أسلامي يقوده أردوغان ويحاول فرضه على تركيا مع رجاله وبعض المؤيدن لنهجه من المؤوسسة العسكرية ..
* في كتاب ” رجب طيب أردوغان قصة زعيم ” يقول الكاتبان حسين بسلي , عمر أوزباي ” لم أتغير ؛ ولكنني تطورت ” ، بهذه الكلمات الموجزة دشَّن “رجب طيب أردوغان” مرحلة جديدة في مسار حركة الإسلام السياسي ، وارتاد تياراً وسطاً بين ثنائية ( العلمانية / الإسلام ) ، عُرف بتيار ” الأردوغانية ” .. ولكني أرى لا توجد ثنائية في منهج الحكم في تركيا ، لأن الخطاب أسلامي و التوجه أسلامي بنفس الوقت ، ولكن لو سلمنا جدلا بهذا ، فهل يعتبر الحكم ذو ” توجه أسلامي ” ، فلو رجعنا الى تصريحات نائب حزب الشعب الجمهوري ( أشتراكي – ديموقراطي ) ” ليفانت غوق” الذي ندد ب ” قصر سري ورئيس يسكنه بشكل غير شرعي ” ، واضافة الى ضخامة حجمه ، فأن فاتورة القصر الجديد تثير الاستنكار والاستياء ، فالصحافة التركية قدرت أولا كلفته ب 350 مليون دولار الا أن وزير المالية ” محمد شمشك ” أجج الجدل بكشفه خلال مناقشة للميزانية عن ان التكلفة النهائية لبناء القصر بلغت 1,3 مليار ليرة تركية اي 615 مليون دولار ، ما يعادل 490 مليون يورو ، هذا من جهة … ومن جهة أخرى / كأشارة ، يروى تأريخيا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رواية ملخصها ” أنه لما جيء بالهرمزان أسيرا إلى عمر رضي الله ، لم يزل الموكل به يقتفي أثر عمر حتى وجده بالمسجد نائما متوسدا درته ، فلما رآه الهرمزان على هذه الحالة قال :” عدلت فأمنت فنمت ” ، والله إني قد خدمت أربعة من ملوك الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحدا منهم هيبتي لصاحب هذه الدرة ” ( ذكر هذه الرواية – فيما وقفت عليه – الزمخشري (ت 538) في ربيع الأبرار ، وابن حمدون (ت 608) في التذكرة الحمدونية ، والنويري (ت 733) في نهاية الأرب في فنون الأدب .) ، نلاحظ هنا بعدم وجود أي أوجه مقارنة في فلسفة الحياة التي يعيشها الأثنين / الخليفة عمر بن الخطاب والرئيس الأسلامي أردوغان من منطلق أن الشخصيتين تمثلان حقبة أسلامية متميزة ، مع الأخذ بنظر الأعتبار الفارق الزمني / نحن هنا لسنا في مجال مقارنة ، ولكننا نستشعر مدى التناقض الشاسع بين طريقة و أسلوب حياة الشخصيتين ، كمناظرة الثرى و الثريا كحياة !
* رجب طيب أردوغان ليس علمانيا ، لأن علمانية تركيا كفكر ونهج كانت في حقبة أتاتورك فقط ، كما أنه ليس أسلاميا لأنه كان الأجدر به أن يحيا أو أن يتمثل بالخلفاء المسلمين الأوائل بشكل أو بأخر / حتى يدلل على أسلاميته الحقيقية نهجا وفكرا و أسلوب حياة ، ولا أقصد هنا أن يعيش زهد الدنيا كعمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزبز ولا ترف وأبهة وبذخ الخلفاء الأخرين ، كهارون الرشيد مثلا هذا من جانب ، كما أن الأسلام الذي يطبقه أردوغان / من لعب سياسية و أدوار أقليمية و دولية وأقامة تكتلات وتحالفات ، ليس الأسلام بالمعنى الذي نعرفه عن الأسلام هذا من جانب أخر …
* أني أرى ” أردوغان ” في خلاصة الأمر ، أنه سلطان عثماني أسلامي بأيطار حضاري للقرن الواحد والعشرين يريد أن يرجع مجد الامبراطورية العثمانية ، بمضمونها الأسلامي … ذلك المجد الذي ولى ولن يعود !!