24 ديسمبر، 2024 2:44 ص

ليس رقماً كبيراً ذلك الذي كشفه لنا السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي عن اعداد الجنود الفضائيين الذين عشعشوا في نسيج المؤسسة العسكرية، في اربع فرق عسكرية فقط في اطار خطته لمكافحة الفساد، ذلك ان الانتكاسات والتراجعات وسوء الادارة التي ابتلينا بها طيلة السنوات الماضية، والتي كان اخرها الانهيار الكبير والمفاجئ لمستوى جاهزية قواتنا المسلحة امام هجمة داعش في التاسع من حزيران الماضي تؤكد بما يشبه اليقين ان الارقام اكثر من تلك بكثير.. وان قصص الفساد تأتي دائما اكثر تشويقا وغرابة كلما مر عليها الوقت واختلف عليها متنازعان.

ولعل مفردة الجنود او الموظفين الفضائيين، صارت الاكثر شهرة هذه الايام على السنة نشرات الاخبار وتحليلات المحللين السياسيين وهم( بكل عرس طبالة)، اقول لعل تلك المفردة نالت من الشهرة العراقية مايكفي لنحقق بها براءة اختراع عراقي نحفظ به ماء وجه صناعتنا المحلية ومصانعنا الانتاجية بدل البطالة التي غلفتها منذ اكثر من عشر سنوات دون ان نعرف مبرراً لذلك.

زميلي الصحافي مصطفى ناصر سرد حادثة حقيقية على صفحته في الفيس بوك، عن مفردة الفضائيون وهي تتلبس شاب عراقي عاطل عن العمل لم يحصد من (فضائيته) التي اجبر عليها الا الخسارة.

يقول مصطفى :”عباس محمد شاب عاطل عن العمل من اهالي الناصرية، استدعاه احد اصدقائه ليتم تعيينه باسم احمد جبار في الشرطة الاتحادية، وهو اسم وهمي بوثائق مزورة دسها آمر احد الالوية مع تسعين اسما اخرا، ليستلم مرتباتهم بمخصصاتها دون علم الدولة، حيكت هذه المؤامرة بعد ان اكتشف الضابط ان جهات عليا على مقربة من اكتشاف العدد الحقيقي لافراد جنوده، فعين تسعين شخصا باسماء وهمية، من بينهم عباس الذي باشر بالعمل مع الشرطة الاتحادية، لكنه اغتيل على ايدي جماعات ارهابية اثناء تواجده في واجبه، ولما باشر ذووه بمعاملة تقاعده كشهيد، لم يجدوا اسمه مدرجا في سجلات الداخلية، فاضطر اهله الى الاعتراف للوزارة حول كيفية تعيينه، وعند تدقيق مستمسكات الاسم الوهمي (احمد جبار) تبين ان وثائقه غير موجودة في سجلات الدولة العراقية اصلا، لانها مزورة اسما ورقما.عباس هو اب لثلاثة اطفال، ما يزالون دون معيل منذ اكثر من اربع سنوات.

الطريف المبكي في هذه الحادثة كما يسوقها لنا مصطفى ان نقطة السيطرة التي اغتيل فيها الشهيد عباس سميت باسمه الوهمي (سيطرة الشهيد البطل احمد جبار)!.

هل هناك اكثر من هذه الدراما التي نعيشها كي نقول عن انفسنا اننا نعيش عصر الافلام الهندية؟!

وكيف سيتدبر المتنفذون والمزورون امرهم في المؤسسات الحكومية الاخرى وعجلة التفتيش وفحص الملفات ستصلهن قريبا ضمن خطة الاصلاح؟ ربما سنسمع وقتها الى حوادث اكثر غرابة من قصة الشهيد الفضائي احمد جبار! خاصة وان التسريبات المتوفرة تقول ان هناك قلق كبير ينتاب المتورطين بمثل هكذا ملفات.

المفارقة ان ظاهرة الفضائيون مستشرية في معظم دوائر الدولة و هناك المئات من الفضائيين الذين لايجدون ما يصنعوه كل يوم عدا قراءة الصحف وشرب القهوة، او ربما يفضلون الجلوس في البيت ويأتون نهاية كل شهر لتسلم رواتبهم وقد يفضل اخرون العيش خارج البلاد وتصرف لهم رواتبهم او يتم تقاضي نسب منها لغرض صرفها!.. وعليه فأن اجتثاث هذه الظاهرة والتصدي لها لاتقل اهمية عن اجتثاث داعش الارهابية.

المشكلة ان تنتشر عدوى المرض الفضائي الى مفاصل حياتنا وتفاجى الزوجة بزوجها “الفضائي” وزوجاته الاربعة على طريقة (الحاج متولي).. او يكتشف الشاب علاقات حبيبته “الفضائية” مع خمسة رجال … وربما نقدر مستقبلا ان نصدر فضائيتنا الجديدة ( وليس القناة الفضائية) الى الخارج لتحقق لها من الشهرة مايوزاي مفردة “الحواسم” التي خف بريقيها منذ ان استخدمت بعد عام التغيير 2003 .