18 ديسمبر، 2024 8:36 م

العراق ، وحاجته لتبني منطق القوة

العراق ، وحاجته لتبني منطق القوة

نعم ، القوة هي الكلمة السحرية ، هي الحل الذي ينتشل البلد من حالة الإنكفاء والتردي والفساد ، القوة هي أهم مقومات السياسة الحقيقية الناجحة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، داخليا بفرض هيبة الدولة والقانون ، لأننا أثبتنا بالدليل ، إننا متخلفون حضاريا ولا نقيم وزنا لبعضنا البعض ، وهذا سببه الأرث الطويل من الدكتاتورية وإستخدام الأساليب العنيفة والظالمة لردع الخصوم المزعومين ومبدأ (العبرة لمن يعتبر) وزرع مبدأ (الخوف من السلطة) ، رغم إني لا أعتبره عذرا ، وأن التخلّص من هذه العقدة التربوية – النفسية ، يجب أن يكون على مراحل ، لهذا أسأنا إستخدام الحرية إساءة بالغة بسبب جهلنا الكبير بمدى حدودها عندما أتيحت لنا أجواء الحرية النسبية المفاجئة ! ، وبشكل جعلتنا ميالون للتمرد بدل الإلتفاف والتآلف رغم أن لم يتغير شيء ، ففي السابق كانت النخبة هي التي تحكم ، وأستُبدلت بنُخب أثقلت كاهلنا وأضاعت إتجاه بوصلتنا ، وكنا في خانة الإقصاء المنسية ، وبقينا كذلك .

أما خارجيا ، فنحن نرى أن العالم طيله تاريخه يحكمه منطق القوة عمليا ، وأن العلاقات الدولية التي تحكمها المبادىء وحُسن النوايا كذبة كبرى ، فقد حلّت محلّها المصالح فقط ، وهي وحدها محورالسياسة الحديثة ، وعلينا أن نسلّم أن لا إحترام يأتي من دبلوماسية ناعمة وخافتة ومنحازة ، والدبلوماسية بلا أدوات ردع حقيقية ، ولا يقترن فيها القول بالفعل دبلوماسية فارغة ، الدبلوماسية هي أن لا تكون وليدة سياسة الإسترضاء لهذا الطرف أو ذاك ، فعلينا أن لا نتوقع إحتراما للذات فضلا عن إحترام الغير ، ونحن نمارس سياسة تُفرض على قياداتنا من طرف خارجي أو بدافع مجاملة ، فنحن مَن جعل مِن الصعلوك ماردا يتطاول ، نحن من صنع من بلدنا حديقة خلفية ، تُمارس فيها أقذر الاعيب دول الجوار .

ولنكن واقعيين ، فقد أثبتت التجارب المريرة التي مررنا بها ، أن القوة على الصعيد الدولي والخارجي لدولة ما ، هي أهم عامل لفرض الهيبة والإحترام ، وهي لا تتأتى إلا ببناء جيش عقائدي قوي ، أفرادا وتسليحا وإنتماءً وإنضباطا ، ترافق مراحل هذا البناء ، عملا دعائيا متقنا ، من باب إياك أعني وأسمعي يا جارة ، كإجراء الإستعراضات العسكرية والمناورات ، ليس كالإستعراض الأخير البائس والمضحك- المبكي ذلك الذي حضره السيد العبادي ، وبشكل جعل المستَهدَفين من تلقي رسالة القوة المزعومة تلك ، يغرقون في الضحك بدلا من إبهارهم وإعادة حساباتهم !، ونعلم جيدا أن دول الجوار لاتريد لنا جيشا قويا على الإطلاق ، وبالذات تركيا وإيران والكويت التي تعيش حالة ثأر مَرَضية مزمنة من الجيش العراقي ، بل أن من المحسوبين على البيت العراقي لا يريدون ذلك ، وسيعرقلونه بكل ما أوتوا من قوة ، مثل الزعيم الأوحد لكردستان المنتهية صلاحيته منذ سنين ! .

وسيتبادر إلى ذهن القارئ الكريم ، من أن ذلك مستحيل كوننا تحت وصاية المحتل ، فرجل الشارع مهما هَزُل مستواه الثقافي ، يعلم جيدا أن لا قرار بيد قادتنا ولا نملك أي إرادة أو سيادة ، لأنها من إملاآت المندوب السامي الأمريكي الذي يسمونه سفيرا ، لكني أقول من هنا يأتي دور السياسة التي لا يتقنها سياسيونا ، فقد كان على الأقل من المالكي أو العبادي ، إتباع سياسة أكثر براغماتية ، لأنها الوحيدة التي تفيد لوضعنا المتردّي ، على الأقل بالتلويح لأمريكا بالإرتماء في أحضان روسيا ولو بالكلام فقط ، كان عليهما إنتهاز فرصة ذهبية تتمثل في الأستعداد الروسي التام لتقديم الدعم ، كي تعيد أمريكا صياغة سياستها الكارثية تجاه البلد ، وإيقاف نهج الفوضى والعشوائية والإستخفاف ، أما كان الأجدر بهما ، التعبير عن إحتجاج ولو خجول ، على جرائم كبرى كإحتلال البلد وتدميره بمسوغات كاذبة ، وإفشاء الإرهاب وما رافقه من أنهار دم ، والخذلان الهائل المتمثل بالتنصل عن الأتففاقية الأمنية المبرمة معها ، وتمهيدها لداعش ، وإستنزاف الموارد حتى النفاذ التام !؟ ، فما دمتُ تحت قدم عملاق يستنزفني ويستخف بي ، فلِأستميل العملاق الآخر ، ما دمت لا أملك شيئا أخسره ! .

القوة وحدها هي التي تفرض الإستقرار والسيادة المطلقة والإفلات من فلك الوصاية والقضاء على الفساد الذي يتطلب قوة كبيرة ، لقلع جذوره لأنها ضربت عميقا في الأرض ، تعلمنا أن الدولة يجب أن تكون مرهوبة الجانب ، وهذه الصفة لا تبرز إلا بجيش قوي ، فالدولة التي تمتلك طاقما حكوميا نزيها حتى لو كانوا ملائكة بأجنحة (طبعا ليسوا من طراز الحكومة الملائكية التي تحدث عنها السيد الجعفري ، فقد صرنا لا نميّز حتى بين الملائكة الرحماء والشياطين الرّجماء !) ، فملائكية هذه الدول ، ربما ستثير الإعجاب ، ولكن الإعجاب وحده لا يكفي ، إذ يجب أن يُفرض ، لا أن يُستَدَر !.

لعنة الله على منصب ، لا يملك صاحبه الحدود الدنيا من حرية إتخاذ القرار ليعطي منصبه حقه ويعجز عن تقديم مصلحة بلده فوق كل الإعتبارات ، لعنة الله على ذلك المنصب ، الذي لا يملك صاحبه شيئا ولو اليسير من السيادة والإستقلال ، وهو يضع التدخلات الدولية اساسا لصياغة قراراته فيبتعد كثيرا جدا عن إرادة الجماهير ومصالحها ، لعنة الله على ذلك المنصب الذي يُشرعن التنازل عن أراضٍ لكل من هب ودب بدعوى تنفيذ قرارات دولية ظالمة مجحفة ، غابت عنها السياسة والدبلوماسية ، وكأن شاغل هذا المنصب مجرد (روبوت) مبرمج في دهاليز السياسات الدولية المظلمة ! ، وصارت المناصب في بلدنا لعنات سيصبّها التاريخ ، اليس هنالك من سياسي واحد يضع منصبه تحت حذائه إن لمس فيه شيئا من اللاحيادية أو الإفراط والتفريط يُفرض عليه ، فيذكره التاريخ بحروف من نور ؟ ، هل خلا العراق من قادة ، بعيدون جدا عن المجاملة ، ولا يحيدون قيد شعرة عن إرادة الجماهير ؟ ، أين ذلك السياسي الذي يقدّم إستقالته إحتجاجا على التدخل بقراراته أو عند عدم إحترامها ؟ فهذا أقل ما يمكن فعله ، وسيرى كيف سيعري كل أولئك المتربصون بنا ، وسيكون بنظرنا هو الملائكي حقا ، لكنه غير موجود ، وإذا كانت عبارة (ترامب) المعتوه (أمريكا أولا) ، فأين ذلك السياسي الذي يجسد عمليا شعار (العراق أولا وأخيرا) ؟…