18 ديسمبر، 2024 7:51 م

ألباجات والهويات أكبر خطر لانتهاك الأمن وحقوق ألإنسان في العراق

ألباجات والهويات أكبر خطر لانتهاك الأمن وحقوق ألإنسان في العراق

قبل ايام كانت لدي معاملة في احدى الدوائر الرسمية وتتعلق بمسألة بسيطة من حقوق المواطنة , ولعدم معرفتي بمتطلبات انجازها من حيث المستمسكات المطلوبة فقد بقيت حائرا لأنه لا توجد جهة محددة لغرض الاستعلام منها قبل الذهاب اليها , وحين فتحت موقع الانترنيت لهذه الدائرة لكي اطلع من خلاله على كيفية انجاز المعاملة فلم اجد فيه خدمة ( اون لاين ) للإجابة عن الاستفسارات , وحين تفقدت محتويات الموقع لم اجد فيه غير بطولات رئيسها التي تتضمن سيرته المنمقة ونشاطاته وفعالياته الدعائية , ولكي اتحاشى مسالة الذهاب بسيارتي الخاصة وتجشم صعوبات ايجاد موقف للسيارات فقد استعنت بجارنا الذي يعمل بسيارة خصوصي يستخدمها ك (تاكسي ) للجيران والمعارف والاصدقاء .

وكعادة بعض السواق في ثرثرتهم اثناء الطريق سألني عن مقصدي وغاياته ولأنه في مقتبل عمره , اذ لا يتجاوز عمره 25 سنة فقد كنت اتحدث معه على وفق عمره وعمله كسائق تحت الطلب , وقد استدرجني للحديث عن المعاملة فأخبرته عنها فقال ( يصير خير ) ولم اجبه غير بكلمة ( التسهيل من رب العالمين ) , الغريب في الامر ان هذا الشاب الذي اعرف انه من عائلة كريمة ومحدودة الدخل كما انه لم يكمل الدراسة المتوسطة بسبب عدم تعلقه بالدراسة على حد وصفه ويتمتع بخلق كريم , وجدته يتمتع بمزايا يعجز الوصف عن ذكرها , ففي ازدحامات السيطرات عند خروجنا في الصباح كان يمر من ( الخط العسكري ) فيسمحون له بالمرور بعد ان يبرز هوية او باج لم اطلع على محتوياتهما وجهة الاصدار .

وحين وصلنا للدائرة المعنية دخل في ( كراجها ) بعد ان اخرج هوية اخرى , وحين ترجلنا قال لي اعطيني معاملتك استاذ فترددت وقلت له لندخل اولا , وحين دخلنا وجدنا طوابيرا من الانتظار اذ لا يمكن لاحد ان يتنبأ بموعد وصوله الشباك للتكلم مع الموظف وقد وقفت حائرا ومتسائلا اين اقف ومن اين ابدأ , وقد أشار لي ذلك الشاب بان اسلم له معاملتي , فعلت ذلك وسط الذهول وبدا في معركة المعاملة فكان هميما في الدخول عبر الابواب الخلفية تاركا الشبابيك وفي كل خطوة ليظهر هوية او باج من محفظته المكتظة بالعديد منهم وبالوان مختلفة , وبين الفينة والاخرى كان يحضر لي فيقول لي استاذ تعال وقع فاذهب بإمرته واجد الطريق سالكة وسط المئات من المراجعين , وفي مرات اخرى يأتي فيقول تعال معي فاذهب واجد الانجاز حاضرا .

المهم في هذه القضية ان معاملتي انجزت خلال اقل من ثلاث ساعات , واقسم بالله انه لولا هذا الشاب لاستغرقت ثلاثة اسابيع او اشهر لإنجازها والحق يقال لو كان الامر يعود لي لتركت المعاملة بسبب الازدحامات وانعدام النظام في الطوابير المخصصة لغير حاملي الباجات والهويات , واثناء عودتننا للمنزل وجدته منشغلا في السياقة وترتيب هوياته في حافظته واعتذر لي عن طول انتظاري , وهنا سالته من اين لك هذه الهويات وما هو عملك الحقيقي فابتسم وقال ( عمو المهم معاملتك انتهت ) , وفهمت انه لا يريد الجواب عن سؤالي وبعد ان اوصلني الى داري واعطيته الاجرة والتي تكونت ضمنا عن اتعابه معي , قلت له هل ان هوياتك حقيقية ام ( كلك ) فاقسم بالله انها رسمية وصادرة من جهات معروفة للجميع .

وبعد ان ارتحت من تعب المهمة والشعور بإنجاز المعاملة بوقت قياسي بوجود ابن الحلال , تساءلت مع نفسي ماذا لو كان هذا الشاب من الارهابيين لا سامح الله وهو يجتاز السيطرات بكل يسر, وهل من الصحيح ان يتفوق على شهاداتي وخبراتي وما اديته للوطن والشعب بمجرد امتلاكه لتلك الهويات , فكل ما امتلكه من هوية او هويتين قد تجعلني موضع سخرية او رفض من قبل الموظفين , فالزمن ليس لمن يمتلك خزينا من العلم والمعرفة والمهنية وشيبات الرأس بل لمن يمتلك الهويات والباجات التي تحوله الى مميز ومتميز وله السبق والاسبقية في كل الامور , و لا اريد الاطالة اكثر من هذا الاسهاب ولكني أدعوا دولة المؤسسات الى الغاء العمل بجميع الهويات من خلال اصدار هوية موحدة من جهة واحدة لإلغاء الاستثناءات , اذا كانت الدولة حريصة فعلا على الامن والحفاظ على تعزيز المواطنة وحقوق الانسان .