18 ديسمبر، 2024 8:33 م

قبل أيام كنت جالسا مع نفسي مفكرا مطرقا لما يحصل لنا وما يجري علينا من ويلات وشدائد ،  فأخذت ادرس تاريخنا الحديث فلم أجد أن هناك أياما صفت لنا لياليها فقد كانت المصائب تنزل علينا متتالية الواحدة تلو الأخرى وحتى ألان على الرغم من أن الطغيان قد ولى لكن أيامنا لازالت مغبرة وليالينا حالكة .

قلت في نفسي ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة وفي الحقيقة لم أتوصل إلى جواب حتى اهتديت إلى كتاب جامع السعادات فأخذت انظر إلى فهرس مواضيعه فقرأت كلمات ( الهجرة والتباعد ، التزاور والتالف ، قطع الرحم ، وصل الرحم ) وبقيت هذه الكلمات ترن كأجراس في مخيلتي ولينعش رنينها  ذاكرتي وجعلتني احسب كم هو الوقت الذي مر علي وأنا لم أزر أقاربي وبدا العد والرقم يزداد يوم يومان أسبوع لا اكثر شهر شهرين الرقم يزداد ولربما تجاوز السنة .يا الهي رحمتك أي قاطع للرحم أنا ؟؟؟ وأخذت النفس اللوامة تظهر أمامي مساوئي مع ارحامي وكم كنت مقصرا في حقهم حيث لم أزرهم كل هذه الفترة ثم ظهرت لي أناس اخرين واظهرت لي تقصيري معهم ألا وهم إخواني المؤمنين وكم أنا مغرور متكبر ، أمر من أمامهم فلا اسلم عليهم وإذا التقيت أحدهم اسلم عليه ببرود وفتور ولم أعانقه بحرارة كما يريد الله .

وازداد لوم النفس واظهرت لي تقصيري مع أبواي   [ محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) وعلي (عليه السلام ) ] وكم أنا عاق لهما أيسير وفق ما يريد الشيطان واترك أوامرهما والعجيب أني احفظ قول الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم ) للإمام علي (عليه السلام ) إذ يقول : يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة .

وبينما أنا بين هذه الأفكار المتناوحة ظهر من بين دوامتها شيخ جليل اخذ بيدي وهو يقول قم معي واترك هذه الأفكار. قمت وذهبت معه فوصلنا إلى جدار فقال اعبر هذا الجدار وسترتاح فأخذت أحاول واحاول ولكن دون جدوى فقد كان عاليا ولكن العجيب أني كنت أرى أناسا يأتون ويعبرون الجدار بسهولة ويسر واخرون يتشبثون مثلي ولكن هيهات ما عبروه ولما عجزت عن عبوره جلست متكئا وأنا انظر إلى الشيخ الذي كان ينظر ألي بإشفاق وقال : أتدري لقد قرأت كثيرا عن الأمور التي تثقل كاهل الإنسان يوم القيامة فلم أجد اثقل واصعب من قطع صلة الرحم وماعجزك ألان عن عبور هذا الجدار إلا لانك كنت قاطعا لرحمك في الدنيا . والان دعني أخبرك عن صلة الرحم وأهميتها .

فقد قال تعالى ( أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ) .

وقطع الرحم هو ايذاء ذوي اللحمة والقرابة أو عدم مواساتهم بما تناله من الرفاهية والثروة والخيرات الدنيوية مع احتياجهم إليها .

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) : ابغض الأعمال إلى الله الشرك بالله ثم قطيعة الرحم ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف .

وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : لاتقطع رحمك وان قطعتك .

وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر وصلة الأخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام ) : صلوا أرحامكم ولو بالتسليم .

وقال الإمام الباقر (عليه السلام ) : صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكف وتطيب النفس وتزيد الرزق وتنسئ في الأجل .

وهناك نوعا أخر من قطع الأرحام وهو هجرة الأخوان والتباعد بينهم ، وقد يكون سببه العداوة والحقد والحسد وهو من الأفعال المكروهة الذميمة . قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : أيما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلا كانا خارجين من الإسلام .

وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث .

وقال الإمام الباقر (عليه السلام ) : إن الشيطان يغري بين المؤمنين مالم يرجع أحدهم عن دينه فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدد وقال فزت ، فرحم الله أمرا ألف بين وليين لنا يا معشر المؤمنين تألفوا وتعاطفوا .

ونقيض الهجرة والتباعد التزاور والتالف .

قال الباقر (عليه السلام ) : إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا ادخل الله تعالى يده بين أيديهما واقبل بوجهه على أشدهما حبا لصاحبه فإذا اقبل الله بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذنوب كما تتحاتت الورق من الشجر .

ونصل أيضا إلى نوع أخر من قطع الرحم والهجرة والابتعاد ألا وهي عقوق الوالدين ، والوالدين على نوعين . الأول اللذين هما أبوك وأمك وفيهما يقول الله سبحانه وتعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء:23) والأحاديث المروية عن آل البيت كثيرة عن نهي عقوق الوالدين . قال تعالى في الحديث القدسي : بعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ! لو أن العاق لوالديه يعمل بأعمال الأنبياء جميعا لم اقبلها منه .

وهذا الحديث القدسي لو عطفناه على حديث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة . لوجدنا أن هناك عقوقا اكبر من كل شيء ألا وهو عقوق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام ) وهذا بعينه الإفلاس الكبير والطريق إلى جهنم وبئس المصير عندها قاطعت الشيخ وقلت يا مولاي هل من توبة قال إن تبت يتوب الله عليك وتركني فعدت لأصلح أخطائي مادام في العمر بقية واذكر اخوتي وأولادي فقد تنفع الذكرى والعاقبة للمتقين .