أصبح العراق على أعتاب انهيار اقتصادي بعد انخفاض أسعار النفط العالمية بنسبة 25 في المائة، وتزايد مصاريف الحرب على تنظيم “داعش”، وغياب التخطيط الاقتصادي للحكومة السابقة التي سلّمت خزينة الدولة فارغة.
ويحاول المسؤولون في الحكومة العراقية منذ أيام تطمين السكان بشأن الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، ويتجنبون مناقشة موارد الدولة، ولكن الأرقام الاقتصادية تشير إلى أن أزمة اقتصادية ستعصف بالبلاد في الشهور المقبلة.
والأزمة الاقتصادية تتركز حول إفلاس خزينة الدولة من أي موارد احتياطية لمواجهة تقلبات أسعار النفط العالمية، كما إن تكاليف الحرب الباهظة على تنظيم “داعش” منذ بداية العام الحالي، وتهرّب الحكومة السابقة من إقرار موازنة 2014 سيجعل العراق في وضع لا يُحسد عليه.
وهبطت أسعار النفط العالمية إلى نحو 80 دولاراً للبرميل الواحد بسبب تزايد الإنتاج العالمي، بعد أن كان سعر البرميل الواحد 116 دولار قبل ثلاثة أشهر، وهو أدنى مستوى لأسعار النفط منذ أربعة أعوام بحسب تقارير اقتصادية دولية.
وسيكون العراق من أكثر الدول تأثراً بانخفاض أسعار النفط، لأنه لا يمتلك أي خطة لمواجهة ذلك، كما أن تقديراته للموازنة السنوية وضعت بشكل غير صحيح.
وزير النفط عادل عبد المهدي قال الأسبوع الماضي إن العراق يصدّر 2 مليون و500 ألف برميل يومياً، وسيكون سعر البرميل نحو 70 دولار، ولكنه تجنب إعطاء قيمة الموازنة المالية التقديرية، رغم إن احتساب الرقم ليس صعبا ويبلغ نحو 63 مليار دولار تزيد قليلا أو تقل، وهذا المبلغ يعتبر كارثة حقيقية للعراق.
كما إن سيطرة تنظيم “داعش” على أجزاء واسعة شمال البلاد أدت إلى انخفاض إنتاج حقول النفط في كركوك شمال بغداد، وتراجع المُنتج من 670 ألف برميل يومياً إلى 25 ألف برميل في اليوم الواحد، لأن النفط يجب أن يمر من كركوك إلى تركيا عبر الموصل التي يسيطر عليها “داعش”.
غياب التخطيط الاقتصادي هو أحد أسباب الكارثة، فالعراق يقوم منذ خمس سنوات على صرف جميع مبالغ الموازنة دون إن يدّخر مبالغ لمواجهة احتمالات تعرض البلاد إلى عجز اقتصادي أو الحاجة لصرف أموال على الحوادث الطارئة، مثل الحرب على “داعش”.
والشئ السلبي الآخر هو إن الحكومة السابقة كانت تحدد الموازنة على أساس احتساب سعر برميل النفط اقل من 15 دولار عن سعره الحقيقي في نفس توقيت إقرار الموازنة، وهذا الأمر خطأ اقتصادي كبير كما يؤكد الخبير الاقتصادي أكرم الهيتي.
الهيتي قال لـ “نقاش” إن “حكومات الدول المجاورة للعراق تقدّر سعر برميل النفط عندما تحدد الموازنة، بسعر يقل بنحو 40 دولار عن سعره الحقيقي لمواجهة احتمال انخفاض أسعار النفط العالمية، ولكن الحكومة العراقية السابقة كانت تضع سعر أعلى لبرميل النفط دون إن تفكر باحتمال انخفاض أسعار النفط”.
ويُلاحظ إن موازنات العراق السنوية تصاعدية، وتزداد أموالها كل سنة، بسبب نجاح العراق في زيادة أنتاج النفط وتصديره، وقامت الحكومة السابقة بتخصيص جميع المبالغ في مشروع الموازنة دون أن تدّخر أموال لمواجهة الأزمات الاقتصادية.
وفي عام 2011 بلغ حجم الموازنة 82 مليار دولار، وفي عام 2012 بلغت 100 مليار دولار، وفي 2013 كان حجمها 115 مليار دولار، وفي العام الحالي قدرت وزارة المالية قيمتها بنحو 140 مليار دولار بعد احتساب سعر برميل النفط بمبلغ 90 دولار، وهنا حصلت الكارثة.
المشكلة هي إن الحكومة السابقة جعلت النظام الاقتصادي في البلاد ينتظر الزيادة في الأموال كل عام، ولكنها لم تهيئ النظام الاقتصادي لاحتمال تناقص الأموال، وهذا هو ما سيهدد العراق بأزمة اقتصادية.
في الأسبوع الماضي ناقشت الحكومة أزمة الموازنة بشكل مطوّل، وبعد اجتماعات عدة لمجلس الوزراء أعلن رئيس الحكومة حيدر العبادي رسمياً إن حكومته قررت إتباع سياسة التقشف في النفقات، لكنه طمأن موظفي الحكومة سواء في الوظائف المدنية أو العسكرية من إن رواتبهم لن يتم تقليلها.
ومن الأسباب الأخرى التي تقف وراء الأزمة الاقتصادية المقبلة إن الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي لم تنجح في إقرار موازنة العام الحالي والتي من المقدّر إن تبلغ أكثر من 120 مليار دولار، والمفاجأة إن 65 في المائة من مبالغ الموازنة صرفت من دون أي سند قانوني ووثائق رسمية توضح أين ذهبت تلك الأموال.
الخبير الاقتصادي أنور سعيد قال لـ “نقاش” إن “الحكومة السابقة أنفقت المبالغ المتأتية من تصدير النفط والتي تقدّر قيمتها بـ70 مليار دولار دون الإيفاء بالكثير من التزاماتها ودون مستندات وبيانات واضحة يمكن التدقيق فيها للتأكد من إن الأموال لم يتم سرقتها”.
“ويمكن للحكومة الجديدة مواجهة الأزمة الاقتصادية من خلال إيقاف المسؤولين الفاسدين في الدولة، والقيام بالاقتراض الداخلي للأموال من المصارف، وإطلاق السندات، وتحريك أموال شركات التأمين”، كما يقول سعيد.
ومن الأسباب الأخرى للازمة الاقتصادية هي تكاليف الحرب على تنظيم “داعش” الذي احتل أجزاء واسعة من البلاد في الموصل وصلاح الدين والأنبار منذ بداية العام، حيث اضطرت الحكومة إلى شراء الأسلحة وتطويع آلاف الأشخاص لمقاتلة “داعش”.
وعلى الرغم من إن الحكومة العراقية لم تعلن بشكل رسمي عن تكاليف الحرب ضد “داعش” وربما هي لا تمتلك إحصاءات رسمية حول ذلك بسبب الفساد الإداري والمالي، فإن هذه التكاليف ليست قليلة بكل تأكيد، كما إن من ناقشوا خطة موازنة 2014 نهاية عام 2013 لم يعلموا بأن حربا شرسة قادمة ستواجه البلاد.
وزير المالية هوشيار زيباري قال في مقابلة مع وكالة “رويترز” الأسبوع الماضي إن المالكي أضاع مليارات الدولارات على تشكيل قوات غير نظامية لمحاربة “داعش”، وإن صرف هذه الأموال تم دون تخطيط جيد، وتجنب زيباري ذكر أي أرقام رسمية بشأنها.
تأثيرات الأزمة الاقتصادية بسبب العجز المالي انتقلت إلى المحافظات أيضا، وأعلنت ثلاث محافظات إفلاسها وهي الأنبار وكربلاء وواسط، فيما ستعلن باقي المحافظات إفلاسها خلال أسابيع في حال فشل البرلمان في إقرار موازنة عام 2015 ومعالجة نقص الأموال.
مسؤولون حكوميون وخبراء الاقتصاد يقولون إن العام المقبل لن يشهد مشاريع استثمارية لأن الموازنة المخصصة للاستثمار هي التي ستتأثر بتقلص مبلغ الموازنة وليس رواتب الموظفين، ولكن الخوف الأكبر هو احتمال صعوبة توفير الأموال لتمويل القوات الأمنية لمقاتلة “داعش” الذي يسعى لاستغلال أي نقطة ضعف في الحكومة.