الغاية تبرر الوسيلة مقولة الفيلسوف الإيطالي “مكيافيلي” الذي برر قمع الشعوب لبسط نفوذ الحاكم والسلطان ، وكان يؤمن باستخدام كل وسيلة في الصراع السياسي والنفعي فصار قدوة لكل حاكم وزعيم ديكتاتوري وأصبح كتابه “الأمير” الذي يضع فيه نصائح ومبادئ للحكام من اجل بسط نفوذهم وديمومته منهجا ودستورا وقرآنا للحكام ، فهو لا يراعي أي اعتبار أخلاقي أو ديني ولا توجد في فلسفته خطوط حمراء مقدسة فكل شيء مستباح من اجل الحفاظ على السلطة كما انه يرى أن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ، ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس .
إن المتابع للمنهج الذي سارت وتسير عليه الرموز الدينية والسياسية في العراقي يجد انه صورة مستنسخة للمنهج “المكيافيلي” لكن بلباس ديني ، بَيْدَ أنَّ ثمة فرق بين “مكيافيلي” الإيطالي وبين “مكيافيلي” المسلم الانتهازي فالأول كان واضحا وصريحا في خطاباته ومواقفه وسلوكه ولم يتستر برداء الدين وان كان يرى انه ضرورة لخدمة الحاكم ، أما “مكيافيل” الإسلام التبريري النفعي من الرموز السياسية والدينية فقد تستروا بلباس الدين وزعموا تمثيله وتقمصوا الورع والتقوى والحقيقة أن الدين منهم براء لأنهم أباحوا كل الوسائل حتى المحرمة من اجل الوصول إلى غاياتهم النفعية ومصالحهم الشخصية في حين أن الغاية المباحة لا تبرر الوسيلة المحرمة في أدبيات الإسلام فكيف إذا كانت الغاية محرمة وفاسدة وخبيثة ؟!!!!، ولا يسعنا هنا استعراض مواقفهم وأفعالهم “المكيافيلية” ولكن نشير إلى اخطر ها وأهولها والتي دفعت العراق وشعبه في نفق مظلم ومحرقة مهلكة لا تبقي ولا تذر يتمثل في فتوى الجهاد الكفائي والتحشيد الطائفي الميتة كما وصفها المرجع الصرخي والتي صدرت على خلفية مواقف “ميكيافيلية” تبناها أهل السياسة والدين الإنتهازيُّون تجاه أزمة كان بالإمكان حلها بمنطق العقل والحكمة فيما لو توفرت الإرادة الحقيقية الصادقة لمعالجتها ، فبعد أن أتثبتت الفتوى فشلها وعجزها عن حلة الأزمة وما أفرزتها من تداعيات مهلكة بل إنها زادت في الطين “بلة” وتمخضت عن هزائم وانكسارات ومزيد من الحقن الطائفي وسفك الدماء وانتهاك الأعراض والمقدسات وغيرها من نتائج كارثية ، وبعد أن استُنْزِفت كل طاقات الشحن والدفع والتحريض والتحشيد وتعاظم الخطر الذي يهدد مصالح الانتهازيين النفعيين في الداخل أو الخارج ، ولاحت بوادر أحداث وتغيرات جديدة تلوح بالأفق تهدد وجودهم ومصالحهم لابد لهم هنا من إيقاد نار الشحن والتحريض الطائفي وتحريك الناس واستغلال مشاعرهم ، وهذه المرة لابد وان تكون الشرارة أقوى واشد وأوسع كاستهداف المراقد المقدسة لما لها من قدسية كبيرة جدا جدا في النفوس والقلوب على غرار ما حصل قبل سنوات في سامراء أو استهداف احد الرموز ، فلا يستغربَنَّ احد من هذا المخطط لأن ما صدر من الانتهازيين تجاوز كل الخطوط الحمراء الشرعية والأخلاقية والإنسانية ومادامت الغاية تبرر الوسيلة هي منهجهم كما إنَّ من يتحالف مع الشيطان بل يصبح هو شيطانا انسيا فلا عجب ولا غرابة ، أليس هم من جعل المحتل الكافر وليا وصديقا؟!!!، أليس هم من ترك القرآن واختار دستور “بريمر؟!!!، أليس هم من مارسوا القمع والقتل والتمثيل بالجثث وسحلها بالشوارع والتهجير والتمييز والسرقة والفساد ؟!!!،أليس هم من يتقلبون في المواقف فبين ليلة وضحاها تحولت السعودية من دولة إرهابية وداعشية وناصبية إلى دولة شقيقة وصديقة ؟!!!،أليس… ؟!!!،أليس… ؟!!!،أليس… ؟!!!،، فلا غرابة ولا عجب أن يرتكبوا كل جريمة وقبح من اجل مصالحهم الشخصية وأجنداتهم الخبيثة.
لقد توقع المرجع الصرخي الحسني حصول بعض الأحداث في المرحلة القادمة خصوصا بعد الانكسارات في المناطق الغربية والانهزامية المتكررة على الميدان والفشل الذريع الذي لحق بالحشد مؤكداً أن حصول تلك الأحداث سيستفيد منها هذا الطرف أو ذا حيث قال سماحته :
((الآن بدأت الانكسارات في المناطق الغربية في الرمادي والأنبار ، وبدأت الانكسارات في محافظة صلاح الدين ، في ديالى ، في مناطق حزام بغداد ،
طبعاً نحن مما نتوقع في المرحلة القادمة أنه سيحصل بعض الأمور بعض الأحداث يستفاد منها هذا الطرف أو ذلك الطرف، ونحن شخصنا ، من كان معنا وسار معنا قبل أن يحصل الحدث والجريمة القبيحة في سامراء ذكرنا أنه سيحصل وسيقع ما هو المحذور من أجل تصعيد الجانب الطائفي وحشد المجتمع والناس والبسطاء والجهال والأغبياء نحو الطائفية والحشد الطائفي والتقاتل الطائفي لحماية مصالح جهة معينة لحماية مصالح دولة معينة لحماية مصالح حزب معين.
والآن تداعيات الأمور وانهزامية الناس وفشل الحشد والتحشيد ، لأن الإنسان الآن من أجل أي شيء يقاتل؟ ما هو المبرر للقتال والتقاتل؟ لا يوجد مبرر للإنسان سواء كان الإنسان من المحافظات الوسطى أو الغربية أو من المحافظات الجنوبية لا يوجد مبرر أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان، يقتل المواطن أخاه المواطن، يقتل العراقي أخاه العراقي، فحشدوا الناس دفعوا الناس للقتل والقتال وهم بعيدون عن هذه النار، بعيدون عن هذا القتال والآن حصل الانكسار…))
جاء ذلك مساء يوم السبت الموافق 22/ 11/ 2014م في محاضرته الثلاثين ضمن سلسة محاضرات تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي.