18 نوفمبر، 2024 2:44 ص
Search
Close this search box.

صمت لا يليق بالشهداء

صمت لا يليق بالشهداء

صمت دبق لا يليق بحجم الفاجعة. آلاف سرادق العزاء تنتشر في محافظات العراق لشهداء شباب قضوا وهم يقاتلون خفافيش الظلام القادمين من كهوف التاريخ. الدفاع عن الوطن شرف ما بعده شرف، لكنه حين يتحول الى مجرد شعارات في لعبة يتقنها تجار الموت، تتحول أرواح أبنائنا الى مجرد وقود يديم عمل مرجل الموت الكامن تحت الكثبان السياسية التي تتناقلها رياح مصالح الدول الاقليمية وهي تهب متى ما يحلو لها وفي جميع اتجاهات بوصلة الدم العراقي.

صمت مبتل يحيط بفضيحة الطائرة الروسية التي تحمل أربعين طنا من الاسلحة والتي حطت مضطرة في مطار بغداد بعد أن رفض مطار السليمانية استقبالها. الكرد يرمون التهمة في ملعب المركز. البرلمان ينوي إجراء تحقيق. الكتل السياسية منشغلة، كعادتها، باتهامات بعضها البعض دون أن يجرأ أي منها على الاقتراب من دائرة الفضيحة التي تحمل الموت معلبا أنيقا لابناء العراق وهو مدفوع الثمن من ثرواتهم المترتبة على تصدير نفطهم الذي تعبث به داعش بدعم وإسناد قوى وشخصيات عراقية وتركية وأمريكية وروسية وإيرانية معلومة للجميع.

انه إنخراط، مع كامل الاصرار، في لعبة التواطىء على زراعة الرؤوس المقطوعة في غابة اللوثة الاثنية والطائفية التي تتحكم بالعراق. وإستمراء للعبة تسويق الحرائق التي تلتهم بيوت الله ومراقد أنبيائه وأوليائه، وتمهد الأرض لكي توسم هذه الأرض بميسم اليهودية التي بشر ابنها المفكر الفرنسي الكسندر آدلر بانها سترث الشرق الاوسط.

رئيس مجلس الوزراء حيدرالعبادي المنشغل بتعقيم المؤسسة الامنية من الجنرالات الفاسدين والفاشلين، النمور الورقية التي أنتجتها ثقافة الفساد وفوضى “الدمج” التي وزعت النجوم والنياشين بعد أن جثم الاحتباس العقلي على مقدرات الدولة التي تعاني من موت سريري قرابة الاربعة عقود. العبادي الذي يعي قواعد اللعبة الدولية والاقليمية، لا يريد في اللحظة الراهنة الخوض في وحولها ولا يريد الاقتراب كثيرا من لعبة الكبار الذين يشاركون داعش خطواته وخططه لتثبيت مخالب الشيطان في خارطة الجسد العراقي. هنا أتحدث عن دواعش الداخل وهم سياسيون من الوزن الثقيل. هؤلاء في الاصل وكلاء معتمدون لابوبكر البغدادي وسفراء معتمدون للدول الداعمة له. هم من يستقتل لتمرير قضية الطائرة الروسية المحملة بالاسلحة والتي من المفترض ان تصل لمقاتلي تنظيم داعش كي يستمرون بنشر خرافاتهم التي يسوقونها باسم الله في المنطقة التي هي بالأصل خارج مسار التاريخ.

العبادي لا يريد فتح  أكثر من جبهة في ذات الوقت. لكن ما يحققه من انجازات في جبهة، تأكله الاخفاقات المتعمدة في جبهات أخرى. وهو قد يتمكن من التقاط اللحظة بعد محاصرة الفساد، وقد ينتفض أيضا، في لحظة أخرى، خارج سياقات الكتل وعواصم صنع القرار العراقي، وخارج طبخاتها السرية أيضا. حينها قد يتمكن من قطع الأيدي القذرة، لكنه سيحتاج الى معجزات أربعين نبيا ليتمكن من إستئصال الادمغة القذرة التي عرقلت وتعرقل بناء الدولة العراقية.

فضيحة الطائرة الروسية الجاثمة في مطار بغداد الدولي تشي أن ساحة المعركة الحقيقية مع داعش هي في داخل مفاصل الدولة العراقية قبل أن تكون في سوح القتال الممتدة على أكثر من محور وأكثر من مدينة. وان الانتصارات التي يحققها شباب العراقي من جيش وشرطة وحشد شعبي سوف لن تحقق أهدافها الحقيقية ما لم يتم القضاء أولا على دواعش الداخل. حينها سوف يختزل زمن اعلان النصر الكبير في المعركة. وحينها فقط، ستورق زهرة عند رأس كل شهيد من شبابنا الذين ضحوا في معارك إستعادة الأرض والكرامة.

*[email protected]

أحدث المقالات