كان للتصريح الصادم الذي اطلقه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة , د. حيدر العبادي, تحت قبة البرلمان حول الجنود الفضائيين اثره السيء البالغ في اوساط العراقيين .
ولكن الامر في حقيقته كان مشخصاً (بخطوطه العامة ) ومسكوتاً عنه بحكم ملابسات وظروف بالغة التعقيد .
ان ماصرح به رئيس الوزراء ماهو الا قمة الجبل الجليدي الغاطس الذي لم يكشف بعد ,فرقم الخمسين الف فضائي مرعب في دلالاته و حالة فريدة في كل جيوش العالم عبر العصور.
ان التدقيق في الامر يشير الى امور في غاية الخطورة , فنحن لانستطيع الركون الى دقة الرقم لان رئيس الوزراء بالتاكيد لايقصد 50 الف بالتمام والكمال , ثم ان هذا الرقم تم كشفه بمراجعة ورقية اولية بدون لجان تفتيش مما يعني ان الامر قابل للزيادة حال التدقيق , ولايوجد مايمنع من ان يكون هنالك فضائيون في الوزارات والمؤسسات الامنية كالامن الوطني والمخابرات والداخلية , بل ان الاخيرة مرشحة الى ان تكون الارقام فيها افضع واكبر بحكم استشراء الفساد في مؤسساتها مما يعني ان عدد الفضائيين مرشح الى ان يتضاعف عدة مرات ليصل الى 150 ألف على اقل التقديرات .
ومع كل ذلك فلو افترضنا ان عدد الفضائيين هو 50 الف فقط فان هنالك تداعيات متشعبة للامر فاول هذه التداعيات بل لعله ابسطها ان الرقم يشكل مالياً رقما مخيفا ,فمرتبات هؤلاء تصل الى 500 مليون دولار سنويا وهو رقم فلكي واذا اضفنا له مخصصات طعام هؤلاء الفضائيين بمعدل ثلاث وجبات تكلف الدولة (مع نسبة الفساد فيها) مالايقل عن 150 دولار شهريا للفرد , فهذا يعني 90 مليون دولار سنويا اي بمامجموعه 590 مليون دولار , واذا ضربناها في اربعة سنوات (وليس ثمانية) فالرقم يصل الى قرابة المليارين ونصف المليار دولار, وهذا الرقم كان سيكفي لتسليح كل فرقة عسكرية باسلحة ومعدات قيمتها 150 مليون دولار , وبالطبع فان هذا النهب هو نهب منظم لايمكن ان يقوم به ضباط وقادة بمفردهم لان مثل هذا النهب الهائل يستوجب تشكيلا عصابيا مؤسسيا لادارته.
المشكلة الاخطر ان عدد 50 ألف يشكل اربعة فرق عسكرية بما يعني قرابة ربع الجيش العراقي (المكون من 17 فرقة عسكرية وهي كارثة امنية بكل المقاييس , ويبنى على ذلك ان المسؤولون عن هذه الكارثة يتحملون الخسائر العسكرية والامنية في حربنا ضد قوى الارهاب , فحين يغش المقاول الفاسد في كمية الاسمنت لبناء عمارة وتنهار فانه لايتحمل فقط قيمة الاسمنت المسروق بل انهيار المبنى وماتبعه من القتلى الذين دفنوا تحت الانقاض .
ثم ان لنا ان نسأل عن مصير 50 ألف خوذة وبندقية ودرع وجعبة ومخازن اطلاقات وذخائر لهؤلاء اين هو مصيرها ؟والى اين آلت؟ لاسيما وان احد اهم مصادر التسليح لقوى الارهاب هي السوق السوداء الداخلية للسلاح .
كما ان هنالك مشكلة سياسية ستترتب على جريمة الفضائيين , فعدة انتخابات قد جرت في العراق وجرت جردة لاسماء العسكريين ضمن التصويت الخاص وبضمن هؤلاء يوجد مالايقل عن 50000 بطاقة انتخابية عسكرية للفضائيين , فاين ذهبت ؟ولمن كان تصويتها؟, ومن استلمها ؟ولمن ولاء هؤلاء ؟واين كانوا يوم الانتخابات؟ وهي كلها تساؤلات مشروعة ومرعبة في نتائجها على مجمل العملية الانتخابية ,لاسيما وان المفوضية العليا للانتخابات تستلم الاسماء للعسكريين من وزارة الدفاع وليس من شأنها ان تدقق في حقيقة هؤلاء .
ان تداعيات كبرى وخطيرة لابد وان تترتب على هذا الملف الكارثي ,فلابد ان تتشكل من الان لجان تحقيقية عسكرية ومدنية وان تصدر مذكرات قبض بحق ال50000 ويتم جلبهم والتحقيق معهم لمعرفة الجهات التي تقف خلفهم وكيف تم تعيينهم وبأية آلية ,وان تتم مسائلة مكتب القائد العام (المنحل) فهذا الملف يعد الاخطر في تاريخ العراق الحديث وهو بالتأكيد احد اسباب الانهيارات العسكرية التي سقطت بسببها محافظات عراقية اسيرة بيد الارهاب .