ارقى الدول المتقدمة لديها قانون خدمة العَلَم ، ولم يأتِ هذا من فراغ ، فبالأضافة الى رفد الجيوش المستمر بأرصدة بشرية ودماء جديدة ، فالجندية تقضي على الأنانية ، والنزق والترف والتذمر والفراغ لدى الشباب ، تعلمهم العمل كفريق ، تقضي على نزعة التمرد والانفلات فتصقل فيهم الانضباط وروح الأنصياع للأوامر وأحترام المافوق والأكبر سنا ، تعلمهم نكران الذات والتضحية ، تضعهم على محك الحياة ، بعد ان تُخرجهم من خيمة الابوين ، الى حيث الحياة الحقيقية ، ليعلموا أن طريق الحياة ليس دائما مفروشا بالورود ، ، تُعلم الصبر والخشونة وأخلاق الفرسان ، تشحذ فيهم قيم الرجولة والنبل والايثار والتشبث والثبات ، تنمي لديهم الكرامة والأعتزاز بالنفس ، انها بمثابة خطوة أولى لدرس عملي في حب الوطن ، بعد أن قرأنا أدبياته ورددنا أناشيده في مدارسنا كالببغاوات ، هذه هي مبادئ الجندية التي شببنا عليها ، فبعض العوائل كانت تحتفل عند دخول أحد أبنائها الى الجيش بفخر وكأنه عُرس ، فأية عائلة لا تتمنى أن يتصف أبنها بهذه الصفات الراقية ، وهو يعود الى مجتمعه ، بعد انجازه فترة الخدمة العسكرية ؟ .
أقول نعم للخدمة الألزامية ، ولكن بشرط ، أن يخضع لها الجميع ، أبن الأمير والفقير على حد سواء ، وعلى أن لا تظهر استثناأت تجر استثناأت ، وبشرط أن الأنتماء لميليشيا أوحزب لا يُسقط هذا الفرض ، ولا يعفي من له محسوبية أو منسوبية ، ولا يستثني مَن يحمل صكا مجيّرا من (الحجي فلان) ، أو الوزير أو عضو البرلمان الفلاني .
ولكني اتسائل ، هل تتوفر لدينا حاليا ، قيادات عسكرية غاية في الحرص والمهنية والرعاية الأبوية والتربوية ، بحيث نأتمنها على شبابنا ، تلك الثروة الي لا تُقدر بثمن؟ ، وهل هي أهلا لتحمل أمانة ومسؤولية جسيمة في قيادة جيل جديد ؟ ، أشك في ذلك ، ولشكّي هذا ما يبرره ، فما مأساة (سبايكر) و(الصقلاوية) ، والحصارات المتكررة التي تلتها ، وكأننا نقدم جنودنا مثل قرابين مجانية ، منا ببعيدة !.
التاريخ والتجارب وحتى النظريات تؤكد اننا يجب أن نختار بين اثنين ، أما الجيش أو الميليشيات ، وأن السلاح يجب أن يكون بيد الجيش وقوى الأمن حصرا ، فلا مكان لمقاتلين محترفين جنبا الى جنب مع مقاتلين هواة أوطارئين ، فعندها لن تكون ثمة سرية وكتمان ، اساس عمل الجيش ، سوف لن تكون هنالك خططا عسكرية وجهود موحدة ، وستتحول ميادين القتال الى فوضى تعمها النيران الصديقة ، ويتشتت فيها الجهد العسكري بدلا من توحيده باتجاه العدو .
أسئلة مشروعة تدور بخلد ذوي المكلفين ، فهل تمتلك الدولة المال الكافي وهي على حافة الأفلاس ، لفتح مراكز التدريب ؟ ،، الأجدر بالدولة أن تطعم النازحين وأيواءهم ، فهل تتمكن من أطعام الألاف من المكلفين ؟ ، هل بأمكان الدولة شراء تجهيزات عسكرية لألاف الشباب ، وتهيئة وسائل الأيضاح ومعدات التدريب والنقل ؟ ، ما هي المواقع الجغرافية لمراكز التدريب ؟ ، فالبلد كله ما بين مناطق ساخنة ،ومحتلة ، ومناطق غاضبة ، تطلب الثأر لأبناءها المغدورين في سبايكر وأخواتها !.
ساحة البلد الحالية تبدو خالية من مقومات التجنيد الألزامي ، على الأقل ضمن الأفق المنظور ، فبالأضافة الى ما سبق ، هنالك الفساد وتسلط الطارئين وعديمو الخبرة ممن نصبتهم الظروف على المؤسسة العسكرية ، صحيح أن الخطوة الأولى للتخلص من جنرالات الفشل ، خطوة في مسارها الصحيح ، ولكننا بحاجة الى المزيد ، فكيف نأمن على أبناءنا وهم ينخرطون في خدمة العلم ؟.