الأختلاف بين الإقليم والمركز، أستهلك كثير من أحاديث الإعلام السياسي، حتى تمقص بعضهم جلباب الوطنية، وتذرع به على شماعة الفشل، حتى وصل الإختلاف الى التعقيد، وطلب الإقليم الإنفصال، وتحريك قوات عسكرية، كأننا نُعد الى حرب خارجية، والإرهاب ينهش في جسد العراق، ولا يروق لبعض الطبقة السياسية إلاّ تسميته بالصراع؟!
ما حدث مجمله صراع إرادات ونفوذ مادي، وسوء في إدارة الثروات الطبيعية، وعدم فهم آليات العمل المشترك، على تاريخ إستراتيجي ضامن لوحدة العراق.
الدول لا تُدار بالصراخ، وتبادل الإتهامات والتخوين والشكوك، وفرق كبير بين سلطة يقودها عقلاء، يبحثون عن المشتركات والحلول التي تجنب الشارع من التأزم، والدخول في دوامة الخلافات ثم التعقيدات، وفريق يحمل مشاعل النار، يترتدي ثوب الوطنية، بأفكار الأنانية، يزج الشارع الذي لا يعنيه، سوى أن يجد طبقة سياسية، قادرة على حل خلافاتها في كواليس الأطر الوطنية.
منذ سنوات والعراق يعاني من أزمة الخلاف بين الأقليم والمركز، حتى إذا سألت أبن السماوة التي لا تملك نفطاً، لماذا ترتفع نسبة الفقر، وإذا ذهبت الى البصرة التي تعطي 80% من واردات العراق ولم يتم الإهتمام بها، وذهبت الى ميسان ووجدت أهوارها ما تزال في حالة جفاف ومعاملها معطلة وفيها 5 ملايين لغم، وإلى ذي قار ووجدت زقورتها يغطيها التراب، وتحولت مدينة مهد الحضارة الى مقبرة الحضارة، لكان الجواب سريعاً من المسؤولين الفاشلين، وعلى لسان المواطن بسبب إقليم كردستان.
المسألة إقتصادية وطنية، ومن لا يفكر بتحويل العراق من بلد ريعي يعتمد على إنتاج النفط، تحت سيطرة الشركات العالمية وبورصة السوق النفطي العالمي، ولم يُشغل المعامل والمزارع، وسنوياً يسمع بعودة 75% من موازنات بعض المحافظات، هنا صاحب السلطة والقرار، ليس سوى أداة للفرقة وتوسيع المشاكل، وعدم البحث عن الحلول الإستراتيجية، وكما نعرف أن القائد من يجد الحلول لا يبحث عن المبررات، وإتهام غيره بالتقصير.
الإتفاق الذي تم بين وزير النفط العراقي عادل عبدالمهدي ورئيس حكومة إقليم كردستان، حظي بترحيب واسع من قبل الأطراف الوطنية، وفتح الباب واسعاً لتسوية القضايا العالقة بين الإقليم والمركز، ودليل على أن الخلافات لم تكن بتلك الصورة المهولة، التي كانت تصوّر للمواطن، فقد إقتصر الإتفاق على ثلاثة نقاط بسيطة واضحة: أن تعطي الحكومة المركزية للأقليم 500 مليون دولار، ويعطي الأقليم يومياً 150 ألف برميل، ويُكمل رئيس الأقليم المفاوضات مع بغداد، بضمانة وزير النفط.
الإتفاق يفتح الطريق لحلول شاملة دستورية عادلة، وعند حساب النفط المُصدر من كردستان، يمكن للحكومة أن تسترجع المبلغ خلال45 يوم، وهذا ما يوفر سنوياً بحدود 80 مليار دولار، ويمد جسور الثقة بين الطرفين، بعد سنوات من التصعيد وإفتعال الأزمات والشكوك، والمعروف أن السيد العبادي والتحالف الوطني والقيادة الكوردية، حريصون على تفعيل الإتفاق وتجاوز الخلافات.
العراق اليوم بحاجة الى تعزيز وحدته الوطنية ورص صفوفه الداخلية، وهو يواجه معركة مصيرية مع داعش، والإتفاق لبنة لبناء الوحدة الداخلية.
الإتفاق تم بتوجهات عراقية مخلصة، ولم يتعرض للتدخلات والضغوط الخارجية، إدراكاً المصلحة الوطنية العليا، وعامل أساسي في نجاح المفاوضات، معرفة الآثار الوطنية والإقتصادية، ومن هنا نستطيع القول: أن القيادات العراقية قادرة على حل مشاكلاها بعيد عن الغرباء والضوضاء، وكان للثقة المتبادلة بين المتحاورين، بسبب الخلفية التاريخية والتحالفات الإستراتيجية، وتم أكتشاف أن المشكلة مصطنعة ولا تحتاج الى كل ذلك التهويل.