-1-
للسلطة على النفس تأثيراتٌ من الصعب الإحاطة بكل دقائقِها …
وقد تُحدث من الغرور والكبرياء ما يُنسي صاحبَها قواعد الأخلاق ، والأصول الاجتماعية في التعامل مع الناس .
وقد تحمِلهُ على الاستنكاف من مجرد مخاطبة الفقراء والمستضعفين ..!!
إنّه يرى نفسه السلطان القاهر ، الناهي الآمر، فما شأن هذا الانسان الضعيف المستضعف الذي يلّوح له بالرغبة في مخاطبته لِيُلبي رغبته ؟!
وكثيرا ما يحول بين الناس وبين لقائه لأنه يرى نفسه من طينة أخرى..!!
إنّه في حصْنٍ منيع من القوّة والأبهة ، وهم في وادٍ آخر، انحدر بأصحابه الى الحضيض ..!!
إنّ هذه التصورات البائسة ما هي الاّ انعكاسات للنفس الأمّارة بالسوء، التي لا تقود الاّ الى الارتطام بما يثلم المروءة ، ويُذكي نزعة الاستكبار…
-2-
وقد ذكرْت بعض كتب الأدب حادثةً لا تخلو من نكهة متمّيزة حيث جاء فيها :
” انّ رجلا استوقف المأمون ليسمع منه فلم يقف له
فقال :
يا أمير المؤمنين :
انّ الله استوقف سليمان بن داود عليهما السلام لنملةٍ ليستمع منها ،
وما أنا عند الله بأحقر من نملة ،
وما أنت عند الله بأعظم من سليمان ،
فقال له المامون :
صدقتَ ،
ووقف له ، وسمع له حتى قضى حاجته “
وهكذا استطاع صاحب الحاجة أنْ يصوغ كلماته التي خاطب بها السلطان ، صياغةً لم تترك له مجالاً للتهرب من الاجابة .
إنّ البيان الساحر والاسلوب الرائق شديد التأثير على المخاطَب اللبيب …
-3-
والأذكياء – عموماً – يبرعون بايجاد صيغ الحلّ لمشكلاتهم ، حين تواجههم صعوبات تحول بينهم وبين ما يريدون …
لقد كتب احدهم في مذكراته أنه وقف أمام لجنة معنية باختبار المبعوثين للدراسة في الخارج على نفقة الحكومة، وكانت اللجنة ذات اتجاه سياسي مغاير لما كان عليه طالب البعثة .
كانت اللجنة يسارية الهوى، وكان طالبُ البعثة قوميّا ، وما أشَد التباين بين الموقفين ..!!
فقررت اللجنة قبوله شريطةَ أنْ تكون دراستهُ في الصين، فأبدى الطالب قبوله بقرارها .
ثم انه فكّر بطريقة للتخلص من الذهاب الى الصين للدراسة فيها، واستصدار الموافقة على الدراسة في ألمانيا الشرقية متذرعا بأنّ الاتجاه فيهما واحد، مع بيان ان اللغة الالمانية متداولة عالميا على عكس اللغة الصينية .
واستطاع ان يقنع رئيس اللجنة بذلك، فتم تحويل دراسته الى ألمانيا الشرقية ،وهي يومذاك قلعة من قلاع المعسكر الاشتراكي المرتبط عضويا بالاتحاد السوفياتي –
ثم جاء الى رئيس اللجنة ليوضح له ان اجراءات القبول في المانيا الشرقية تستنزف وقتا طويلا ، وبالامكان تلافي ذلك بالتوجه السريع الى المانيا الغربية لدراسة اللغة الألمانية كسبا للوقت، ثم الانتقال الى المانيا الشرقية فور توفر المقعد الدراسي المطلوب فيها .
واقتنع رئيس اللجنة بالفكرة ووافق عليها،
وفي المانيا الغربية استحصل كتابا من استاذه يقول فيه :
انه سيدرس التخطيط في ظل المذاهب الاقتصادية المختلفة وفي مقدمتها الماركسي والرأسمالي
وهكذا حوّل مكان دراسته من (بكين) الى (كولونيا)
-4-
ومن الواضح :
ان البيان الفاتر ، والذهن القاصر عن ابتكار الحلول، لن يؤديا الى نيل الرغائب وتحقيق المطالب .
وبالعقل – وهو الجوهرة الثمينة التي منحها الله ايّانا – نستطيع الوصول الى امتلاك ناصية البيان، والى رسم الخطط الناجعة لتخطي المصاعب والمشكلات .