26 نوفمبر، 2024 9:21 م
Search
Close this search box.

ستراتيجية ترتيب البيت العراقي وسبل تحسين علاقاته الخارجية

ستراتيجية ترتيب البيت العراقي وسبل تحسين علاقاته الخارجية

يعد ترتيب البيت العراقي واعادة تقييم المراحل السابقة وما شابها من علامات توتر وافتراق وتناحر داخلي من اهم العلامات التي تضع خارطة طريق للخلاص من اوضاع العراق الخطيرة التي يمر بها حاليا، مهمة عاجلة تكاد تتقدم كثيرا على الخطوة المرتقبة بتحسين علاقات العراق مع محيطه العربي والاقليمي وان كان هذا المسار يحتل أولوية في سلم اهتمامات القائمين على الشأن العراقي في مرحلته الجديدة.

وادرج في ادناه اهم الخطوات العملية التي تسهل اعادة ترتيب البيت العراقي ، والانتقال الى المرحلة اللاحقة وهي تطوير وتحسين علاقات العراق مع محيطه العربي والاقليمي:

1.  إدراك حقيقة أن كل الاطراف السياسية العراقية كانت مقصرة منذ عام 2003 في سعيها لاعادة ترتيب البيت العراقي واعادة اللحمة الوطنية اليه ، وحدثت اشكالات وحالات احتراب جربتها كل الجهات العراقية المناوئة للاحتلال الامريكي وتلك التي ساندته في بدايات عام 2003 وما بعده بسنوات، في انها احدثت شرخا كبيرا في العلاقة بين مكونات الشعب العراقي واربكات وحالات احتراب وفرقة وتناحر، وشن حرب بلا هوادة بين كلا الطرفين تحت ذرائع طائفية ومذهبية وقومية ، وهو ما ابقى حالات الافتراق والتناحر هي السائدة وفشلت كل المحاولات التي جرت في السنوات الاخيرة للملمة شتات العراقيين ومذاهبهم ، أو تحقيق مصالحة وطنية منشودة، ولم تتحقق حتى الان خطوات ورغبة حقيقية لاحداث حالة من التقارب بين السياسيين وتوجهاتهم وما يرغب الشعب بأن تتوحد ارادات السياسيين للوصول الى حالة من التقارب المنشود.

2.  كان العامل الاقليمي دافعا لتأجيج حالة التنافر والاحتراب بل والاقتتال، وكان دور ايران بالغ السوء في هذا الجانب وان كان للاطراف العربية الاخرى دورا تخريبيا لكنه لن يصل الى خطورة الدور الذي لعبته ايران في شق وحدة العراقيين وخلق حالات من التناحر والافتراق والاحتراب بين ابناء الشعب الواحد وحركت طهران ومسؤوليها السياسيين ورجال دينها والعسكريين كل احقاد التاريخ القريب والبعيد لتنخر في الجسد العراقي وتمعن في تمزيقه وتشتيت قواه، وينبغي الاعتراف بهذه الحقيقة المرة التي لاخلاف عليها، ان الاذى الذي جلبته ايران من خلال تأجيجها للعبة الطائفية والمذهبية الدور الخطير فيما وصل اليه الوضع العراقي، وما سيطرة داعش على محافظات عراقية الا واحدا من النتائج المريرة لهذا التدخل الايراني المتعدد الاشكال والتوجهات في الشأن العراقي، بل ولم تبق ايران حتى من يدين لها بالولاء امكان ان يتحقق قدر من الوحدة الوطنية وحالات التوحد وعملت كل جهدها على شق اسفين من الشروخ الاليمة في الجسد العراقي والايغال في حالات ترويع العراقيين واقتتالهم فيما بينهم والانحياز لطرف دون اخر، وقد شاركت ايران في الحرب الاخيرة  على محافظات ما سمي بالمكون العربي واشتركت مباشرة في هذه الحرب وباعتراف منها، وهو ما سهل على داعش ان تحقق كل هذه الانتصارات وتتوغل في محافظات كانت ايران تتمنى ان تسقط بالطريقة التراجيدية التي جرت بها تطورات الاحداث الخطيرة في العراق.

3.   ان الانفتاح الذي ابداه رئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي يسهل مهمة احداث هذا التقارب بين مكونات الشعب العراقي، وان خطر داعش قد يكون سببا في توحيد العراقيين نحو الخطر الداهم لو احسن التعامل مع متطلبات المكون العربي الذي لايزال لم يلمس من الخطوات ما يكفي لاحداث انفتاح ايجابي فاعل باتجاه تحقيق حالات انفراج ايجابية في مواقف الحكومة العراقية تجاه شعبها، وهي بحاجة الى اثبات نواياها بتقديم المزيد من اجراءات الثقة للوصول الى هدف التقارب الايجابي والذي ما زال يصطدم برغبة جهات من اطراف التحالف الوطني ومن جماعة دولة القانون على وجه التحديد التي تسعى لتخريب اي تقارب عراقي عراقي، ودق مزيد من حالات التنافر بين المكونات العراقية للابقاء على الحالة المأساوية التي يمر بها العراق خشية ان يتم تقديمها الى محاكمات تتعرض لها مصالحها ان حدث تحسن ملحوظ في الوضع العراقي ما يجعل من امكانات حدوث تقارب بين المكونات العراقية يصطدم برغبة جهات من الحكومة السابقة تعمل كل ما من شأنه احداث حالة اصطفاف وطني لمواجهة حالات الفساد والتامر على الشعب العراقي، وهناك تململ متصاعد داخل مكونات التحالف الوطني ضد ما اوصلته الحكومة السابقة من حالات ترد مأساوي في الوضع العراقي تفوق حالة التململ في المحافظات الست، أي ان هناك مايشبه ( الصحوة ) العراقية من مآس ومخلفات المرحلة السابقة وتراكماتها، لكنها ستبقى تصطدم بجهات وقوى مرتبطة بايران لكي لاتصل الامور الى حد محاكمة الجهات المسؤولة عما وصل اليه الوضع العراقي من حالات انفلات وضياع لمحافظاته وسقوطها بيد داعش بسبب الاهمال وحالات الفساد الكبيرة على صعيد السلطة العليا وبمشاركة ضباط كبار في قيادات الجيش المقربة من الحكومة السابقة، وتشعر حكومة العبادي انها تواجه محنة في داخل مكونها من ان هناك من يعمل على افشال حكومة العبادي بأية طريقة، لكن الرجل يريد ان يقف على حقيقة هذه الجهات وعرقلتها لمساره السياسي ليحجم من دورها على الاقل او يضع حدا لتدخلها السلبي الخطير والذي يصيب الوضع العراقي بنكسات ربما اكثر ايلاما ان لم يتم قمع تلك التوجهات وهي ما زالت في مهدها.

4.  إن تطوير علاقات العراق مع محيطه العربي والاقليمي تنتعش وتصل تدريجيا الى مراحل متقدمة ان حدث تطور ايجابي في الوضع العراقي، اي ان العملية تسير طرديا ، فكلما احدث العراقيون حالة تحسن وانفراج في وضعهم الأمني والسياسي كلما تصاعدت وتيرة علاقات العراق مع الدول العربية والاقليمية، وان لاتبقى هذه العلاقة مختلة كما تسعى ايران الى ابقائها على هذه الشاكلة ، وينبغي ان ندرك حقيقة ان ايران لاترغب بأي انفراج او تقارب عراقي عربي، لان هذا ليس من مصلحتها وستعمل على افشال هذا التقارب بأية طريقة، وما جرى في السنوات العشر الاخيرة يسير في هذا الاتجاه، اذ زرعت ايران او اشاعت من خلال مقربين لها في الحكومة ان تحسين علاقات العراق بمحيطه العربي سيحدث اختلالا في علاقات القوى المرتبطة بايران وربما ستخرج بعض الشيء من شرنقتها بعد ان وجدت ان من مصلحتها الخروج عن الفلك الايراني لانها تريد ان تثبت للعراقيين على الأقل انها ليست تابعة لايران ولا تريد ارتهان مصير البلد كليا بايران، وما عادت عليه هذه السياسة من مخاطر جمة كان اخرها تمدد داعش في محافظات عراقية متخذة من العداء مع مكونات عراقية مرتبطة أيدلوجيا بايران منطلقا لحربها الشاملة داخل العراق.

5.  ان يكون هناك لقاءات مشتركة على مستويات عليا من الرئاسات الثلاث للعمل على احداث حالة التقارب بين المكونات العراقية، وبخاصة نواب رئيس الجمهورية الذين ينبغي ان يشتركوا في خطة سريعة تعالج انهيارات واشكالات هذه العلاقة ، وابعاد شبح التوجه الطائفي والمذهبي واعتباره السبب الاساس في كل ما واجهه العراق من محن وشدائد ويجب مغادرة توجهاتها على صعيد الدولة والمجتمع ومؤسساتها التعليمية والتربوية، وبامكان قيادات ذات تاريخ ناصع ان تسعى لجمع شتات العراقيين وتنهي حالة الاحقاد والبغضاء التي اثارها بعض الساسة خدمة لاغراضهم هم وكان العراقيون كشعب ومكونات بريئين منها تماما، وهم يتمنون ان تنتهي في القريب العاجل، وبخاصة تقريب العلاقة بين احياء بغداد والعمل على وقف الزحف الطائفي على احياء معينة ، واعتبار الامتدادات الطائفية والمذهبية حجر عثرة يحول دون توحيد قدرات العراقيين ولا يوفر لهم مستقبلا افضل ان بقي البعض يراهن على الشحن الطائفي كوسيلة للتجييش ضد الاخر ومحاولة حرمانه من الحصول على حقوقه المشروعة.

6.  الادراك ان قيادات المكون العربي هي الاخرى عليها مهمة احداث مثل هذا التقارب مع بقية مكونات الشعب العراقي من خلال اجراءت ثقة تعيد اللحمة الوطنية وتشجع كل عملية تلاق وتفاعل مشترك يوحد بين ابناء الشعب الواحد، واجراء ممارسات شعبية تؤكد حالات الرغبة المشتركة في بناء نسيج عراقي وطني اكثر قدرة على مواجهة الصعاب.

7.  ان يكون هناك تدخل فاعل من قيادات عشائرية من كلا المكونات العراقية في احداث هذا التقارب من خلال زيارات مشتركة واقامة تجمعات تخدم خطط احداث التلاحم الوطني الذي هو بحاجة فعلا الى حركة فاعلة من قيادات عشائرية لها وزن فاعل وليس من شخصيات مغمورة او ليس لها دور مؤثر وان يسهم الجميع من الرموز الوطنية ومشايخ العراق في حملات نوعية في هذا التقارب، ويمكن لقيادات عشائرية ان تسهم بحل 75 بالمائة من اصل المشكلة العراقية، وتقليل الاعتماد على الرموز الدينية قدر الامكان لانها تثير مشكلات الفرقة اكثر مما تتجه نحو محاولات الاقتراب والمشاركة الفاعلة، أي ان ما نعنيه ان نبعد الدولة قدر الامكان عن ان تقودها التيارات الدينية في هذه المرحلة التي تثير من الاحزان وحالات الشجن أكثر مما تثيره من علامات التفاؤل والأمل.

8.   ان يؤدي البرلمان والقوى الوطنية العراقية الاصيلة من كل المكونات دورا فاعلا في احداث حالات التقارب بين ابناء الشعب العراقي، وهي لم تقم حتى الان بأية محاولة من هذا النوع، وينتظر العراقيون منهم تدخلا سريعا للاسهام بحل تعقيدات الوضع العراقي.

9.  تحسين علاقة الحكومة مع الكرد وحل الاشكالات معها بما يسهم بهذا التطور الايجابي، والعمل على عدم افتعال ازمات مع المكون الكردي، وان يشارك قياديو المكون العربي في فعاليات جماهيرية مشتركة تضغط باتجاه احداث التقارب بين المكونات العراقية وانهاء اية اشكالات للعلاقة المتوترة بين كل المكونات العراقية والعمل على منح المكونات الصغيرة وظائف عليا في الدولة والمجتمع تشعرهم بأهمية دورهم، وبخاصة في مناصب وكلاء الوزارات المهمة، لأنهم كثيرا ما اشتكوا من محاولات اقصائهم، وان العراقيين جميعا ينبغي ان يشعروا انهم متساوون في الحقوق والواجبات وانها محنة التهميش والاقصاء للاخر، وبدون تحقيق هذه المتطلبات سريعا نكون قد أخرنا كل فرصة لكي يتقدم العراق نحو الحالة الافضل.

10.تمرير الموازنة بأسرع ما يمكن لانها احدثت هي الاخرى اختلالات في الوظائف ومستحقاتها وبخاصة للعاملين على الإجور اليومية في بعض الوزارات، والإعلان عن وظائف مدنية وليست عسكرية فقط، لان الاف الخريجين وقعوا صرعى بسبب امراض البطالة ، وبدون ايلاء اهمية للوظائف المدنية وبلا تمييز بين المحافظات العراقية لن يكون هناك استقرار منشود.

11. إنهاء محنة النازحين بسرعة والعمل على قيام التشكيلات العسكرية ومتطوعين من المناطق نفسها من تأمين الحياة في بعض الاحياء في محافظات الانبار وديالى ونينوى ان وجدت امكانية لذلك قبل تحريرها كليا ، وتشجيع عودة النازحين اليها ، وان يسهموا هم في استقرار احيائهم وحراستها من اي شخص غريب يدخلها ، بعد ان وصلت مأساة هؤلاء الى درجة يصعب تحملها وبخاصة في فصل الشتاء، وممن يعيشون في مخيمات ودور مهدمة لاتتوفر فيها ابسط اشكال الحياة، وبدون حل أزمة النازحين وتعويضهم سريعا عما تعرضت له منازلهم وممتلكاتهم يصعب ايجاد حالة استقرار او انفراج نحو الافضل، وعد أزمة النازحين محنة انسانية وفاجعة كبيرة ينبغي حل اشكالاتها في أسرع وقت وان منحة المليون دينار لاتسد واحد بالمئة من احتياجاتهم وهي ربما تشكل اهانة لهم اكثر من كونها معينا لهم مع هذا لم يحصل عليها الكثير من النازحين وحل مشكلة الموجودين منهم في المدارس وحل اشكالات الطلبة النازحين في امتحاناتهم التي بقيت حتى الان بدون منهج واضح ومحدد لمصير اكثرهم.

12.وضع خطة سريعة لاستعادة كل محافظات العراق التي سقطت بيد داعش وعدم التعويل على دعم دول التحالف في احداث تطور ايجابي، وان تحرير الانبار حاليا من قبل ابنائها انفسهم هو اسهل من تحرير نينوى التي ينبغي وضع خطة شاملة لها بعد تحرير الانبار مباشرة في فترة لاتتعدى اسبوعين الى شهر كحد أقصى.

13. ان يسهم المثقفون جميعا ادباء وصحفيين وكتابا وفنانين ووسائل الاعلام العراقية المختلفة في حملة واسعة للتقريب بين المكونات العراقية والعمل على تشجيع تلاقيها وتكاتفها بدعم من منظمات المجتمع المدني وبمشاركة القوى السياسية الفاعلة واقامة مهرجانات وتجمعات في اكثر من محافظة تخدم هذا التوجه، وتكون بغداد ومحافظات الوسط والجنوب منطلقا له.

هذه ملاحظات مهمة اردنا وضعها تحت انظار القيادات القائمة على الشأن العراقي، وهي بامكانها ان تضع حلولا عملية لترتيب البيت العراقي وتسهم في تحسين علاقات العراق مع محيطه العربي والدولي، الذي هو نتيجة منطقية لحالة احداث حالة تحسن ملحوظة في الوضع العراقي.

أحدث المقالات