هل خلقت المخلوقات صماء؟ أم إننا لا نفقه صوتها, ونبصر لغتها, وهي تسبّح لخالقها الذي قال عنها سبحانه(سَبَّحَ لِلـ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
ما فعله الأمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء, لم يترجم إلى لغات العالم, بل إلى كل العوالم, أختصر ما يريده الكون بموجوداته, فذهب إلى عمق البعد الهادف, لتطبيق العدالة الإلهية, ضحى بكل شيء, فبكاه كل شيء.
من يرى الكون بنافذة البصيرة, يستشعر الحزن الذي خيم عليه, فالمحيطات بأسرارها نعت, والبحر لطم وجهه بأمواجه, وشقت الأرض رأسها ونزف بركانها, وضربت بسلاسل الجبال ظهرها, والسماء أعلنت مسرحية (التشابيه) فالشمس أخذت دور الحسين, والقمر دور العباس, وزحل شدَّ مِئزر الصبر حوله, وأخذ دور زينب.
تنافست المخلوقات بالعزاء, وأستبقوا على حب الحسين(عليه السلام) وأخذت الأرض التي يمشي فوقها زوار أبا الأحرار, بالتبختر بين قريناتها, أما البقعة التي إحتوت الضريح المقدس, غدت أميرة الكون, في مملكة الخلد, حتى بلغت مراسيم سيد الشهداء(عليه السلام) من الأستمرارية والثبات قروناً, ولم يردعها أي تشكيكٍ أو نقد, باتت قضيةً تأريخيةً لا نضير لها في الخلق.
عندما يذكر الحسين (روحي له الفداء) تعطش القلوب المؤمنة, وترتوي الأكف من الفخر لذكره, لقد ضرب هامة التأريخ بدمه الطاهر, وقدَّهُ نصفين, نصفٌ وقف معهُ على مرِّ العصور مدافعاً؛ والأخر, منهم من بقي متفرجاً, ومنهم لم يرتوي من دمه, وطبع مفهوم (يالثارات الحسين) في وجه التأريخ, حتى أُعيب الثأر من المتفرجين! مساكين, لأنهم ليسوا من أولي الألباب, ولم تصل إلى قلوبهم, واعية الحسين يوم عاشوراء.
إجتمعت الشعائر الحسينية, في نهار عاشوراء, وتكررت اليوم مواساتها الخالدة, حتى تحولت إلى ثورةً زلزلة عروش الطواغيت, ليكون الحسين (عليه السلام) حرارةً في قلوب المؤمنين لا تنطفئ أبداً, ويبقى يزيد في القلوب المظلمة, والمريضة بالحقد والكفر, وتستمر الثارات بين الحق والباطل, وصراع الحرية ضد الأستعباد, لقد أحاطوا بنا أنصار يزيد من كل حدبٍ وصوب, وأستنزفوا بنا كل أدوات قتلهم, مثل إستنزاف المجرمين ظهيرة عاشوراء, أدوات القتل فأستعانوا بالخيل, لتسحق وعاء الرسالة المحمدية, وصدر الأنبياء والرسل.
عاد العراق اليوم ليشهد طفاً تأريخياً من جديد, ووقف المجاهدون, وقفة المضحين من أجل قبة الحسين (عليه السلام) وشاركوا الأنصار يوم الطف, ودافعوا مؤدين الشعائر الحسينية, تعزيةً وتأسياً بما جرى في ذلك اليوم, فنزفوا رؤوسهم برصاص العدو, ولطموا على صدورهم بسوح القتال غير مبالين بالأعداء, وضربوا (بالقذائف) من فوق ظهورهم, بدل الضرب (بالزنجيل) وأقاموا (التشابيه) للأنصار, وكلهم تسابقوا على دور عابس, مجسدين الحب بتقديم أرواحهم المخلصة لأبي الأحرار, فعطشوا وجاعوا, وتركوا الخلق وأيتموا العيال, طراً للقاء الحسين (عليه السلام) وهجموا (بركظة طويريج) وحققوا نصر عاشوراء.