26 نوفمبر، 2024 1:46 م
Search
Close this search box.

التجربة الصينية

ما زال السؤال قائما حول هل ان للفرد دورا مهما في بناء الدول والمجتمعات والامم ؟.. ام انه مجرد محرك ومشرف على هذا البناء ؟.. بل يتكرر السؤال بصيغة اخرى هل ان كل شخص تسلم المسؤولية العليا في بلد ما قادر على ان ينهض بهذا البلد بشكل استثنائي ؟.. كما حدث في جنوب افريقيا وكوريا واليابان والامارات العربية وماليزيا والصين ؟..ام ان للشخص الاول في البلاد بصماته على كل التغيير الذي يحصل سلبا ام ايجابا .. واذا استخلصنا تجارب الدول التي اتينا على ذكرها ، وحتما هناك دول اخرى عاشت مثل هذه التجارب ، سنجد ان الرجل الاول في تلك البلدان هو الذي صنع التغيير ، مع توفر الرغبة والبيئة والاجواء المناسبة له ومساندة واعية من الفريق الذي يقوده ، ومن الشعب ..

ونحن اليوم امام تجربة اخرى من تجارب الشعوب بعد ان تحدثنا في مقال سابق عن التجربة الماليزية ، ألا وهي التجربة الصينية ، هذا البلد الشاسع الواسع المليئ بالسكان حد التخمة ، حيث يصل عدد النفوس في الصين الى اكثر من 1350 مليون انسان .. فماذا يفعل هؤلاء ؟ .. وكيف يأكلون ويشربون وينامون ويسكنون ويعملون ؟.. بل كيف يسيرون في الشوارع ولايصطدمون ؟.. وكم يحتاجون من الدواء اذ يمرضون ؟.. وما هو عدد مستشفياتهم ومراكزهم الصحية ؟.. بل كم عدد طلابهم ومدارسهم في المراحل كافة ؟.. وكم كلية في الصين وكم جامعة ومركز تعليم ومعهد ؟.. وكم يستهلك هذا البلد من الكهرباء ؟.. وكم ينتج من الغذاء ليسد هذه الافواه المليونية ؟.. ويتم تصدير الباقي الى دول فيها انهار واراض خصبة ولايتجاوز عدد سكانها سكان قرية صينية نائية . (هذا الحجي موعلينة لحد يأخذ على نفسه) الصين التي بدأت مشوارها الاشتراكي وبنت اقتصادها على مبادئ الاشتراكية وبناء الدولة الشمولية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني الذي تجاوز عدد اعضائه ال 60 مليون عضو ، تنحى اليوم منحى اخر يختلف كثيرا عن الدول الشيوعية ذات القبضة الحديدية على كل شيء في البلاد ، ليس العباد وحسب ، بل حتى حقول الدواجن ومزارع تربية المواشي والخنازير .. شاهد عيان زار الصين وعاد منها قائلا : هناك تطور كبير في الاقتصاد وانشاء المصانع والمباني الشاهقة والفنادق والطرق الحديثة والمطارات والجامعات والخدمات العامة التي لم ار مثلها في الدول الغربية ، والكلام هنا مازال لشاهد العيان .. ويبدو ان التحول الكبير حصل عند اعتلاء السلطة الرئيس الصيني “وينج شياو بينج” عام 1978 حيث توفي الرئيس الاسبق ومؤسس الاشتراكية الصينية “ماو سي تونغ” عام 1976 وقد جاء هذا الرجل بعد سنتين من الصراع على السلطة .. وكانت الصين الواسعة المساحة وذو الكثافة السكانية الاكثر في العالم تعد احدى الدول الفقيرة اقتصاديا للفترة (1949-1978) حيث ان دخل الفرد الصيني متدني جدا ، وناتجها المحلي ضعيف ، ولاوجود لمعدل نمو اقتصادي ، مع ابتعاد الاستثمار والمستثمرين عن تلك الهضبة الصفراء ونهرها الاصفر .. الا ان هذه الدولة وبفترة ثلاثين عاما ، استطاعت ان تصبح احدى الدول العظمى المؤثرة في العالم واتجاهاته السياسية

والاقتصادية .. كيف حدث هذا ؟.. وهل جاء من فراغ او صدفة ؟.. او صحوة للشعب الصيني مثل صحوات اهل الانبار والفلوجة ، ام ان الظروف المؤاتية لرجل استلم البلاد ولم يكن مشهورا ولا معروفا في الاوساط العالمية ، استطاع ان يقلب الموازين ويجعل من بلاده احدى الدول التي تنتمي الى منظمة التجارة العالمية ، خارج القاعدة والعرف الدوليين ، حيث انها دولة ذات نظام اشتراكي شمولي .. ومنظمة التجارة ليبرالية رأسمالية ، الرئيس الصيني الذي تسلم مقاليد الحكم عام 1978 كانت له رؤية مختلفة تتجسد في وضع الاقتصاد على رأس الاولويات ، وهذا يتضمن التطوير والانفتاح على العالم وتحقيق مستوى من العيش الكريم للمواطن الصيني .

السياسة الصينية الجديدة اعتمدت عدة مبادئ لعل اهمها النهوض بالاقتصاد الصيني وهذا الامر لايمكن ان يتحقق من دون اتباع سياسة خارجية مفادها الانفتاح على مختلف دول العالم , وعملت الصين استكمالا لهذه الرؤية على استقدام الاستثمار الاجنبي كمبدأ استراتيجي آخر .. حيث وصل الاستثمار الاجنبي المباشر الى اكثر من الف مليار دولار ، وقد وافقت الصين عام 1999 على (315.000) مشروعا استثماريا اجنبيا ، بقيمة تعاقدية بلغت (600) مليار دولار امريكي وبهذا اصبحت الصين ثاني اكبر مستقبل للاستثمارات في العالم بعد امريكا .. لكنها وقبل هذا وفرت الارضية المناسبة في الداخل حيث اتساع سوقها للاستثمار الاجنبي مع سن القوانين والانظمة والتشريعات الصينية المناسبة .. بل انها طوعت كل ذلك لانجاح تجربتها وقد نجحت فعلا !!

أحدث المقالات