براقش قبيلة عريقة تمتد قديما في عمق التاريخ وهي من اوائل التجمعات البشرية التي نظمت نفسها ووضعت سنن واعراف سبقت زمنها بكثير تسير عليها بالتزام وبنت لها القلاع والحصون رخاءا لافرادها ودفاعا عن نفسها ضد الاعداء الهمج وهم كثر على مدى الزمان فعاشت هذه القبيلة سنين طويلة بعز ورخاء ورفاه ونظام بالقياس الى من حولها فكانت الواجبات والحقوق معروفة للجميع والعلاقات بين افرادها وشيوخها تسير حسب السنن الموضوعة ولكن حياتها لم تكن خالية تماما من الصعوبات والمشاكل الا انها سرعان ما تعود الى صفائها واستمرت حياة قبيلة براقش على هذا الحال دهورا طويلة …..
ولكن سنن التاريخ جرت على هذه القبيلة فشاخ عليها الضعفاء وتصارع على زعامتها الوجهاء فانهارت صروحها وتفككت روابطها واستطاعت القبائل المجاورة والبعيدة ان تغزوها وتاخذ منها الغنائم والسبايا وتسرق خيراتها وتقتطع من اراضيها ودام هكذا وضعها ألوف السنين تنهض احيانا وتستعيد امجادها عهودا وتستسلم لظالميها عهودا اخرى وكثيرا مامرت القبيلة بفترات تسلط ابناؤها العاقين السفاحين على رقابها وحرموا اهلهم الطعام والماء واعملوا سيوفهم في شبابها وقتلوا من خيرة ابنائها ورموا آخرين منهم في محرقة كبرى احترق فيها الاخضر المثمر ومددوا الكثيرين احياءا في شقوق الارض بافواههم الصائحة وعيونهم تطلب الرحمة . وكله إشباعا لنزواتهم وتعبيرا عن انحرافاتهم وتحقيقا لرغبات اسيادهم وكذلك من اجل الحفاظ على زعامة القبيلة ودوام السيطرة عليها والحصول على النفوذ والمال فجاعت القبيلة ومات الكثير من رجالها ونسائها بين مريض لم يجد الدواء وسجين في خيام عفنة نجسة وبين من اطعمهم الشيخ الهدام لكلاب جائعة فماجت الارض وثار الجياع والتائبون والمطالبون بكرامة مسلوبة وشارك في الثورات حتى المهزومين الذين دفعهم الشيخ لتصفية حسابه مع شيخ قبيلة صغيرة مجاورة فغزوها بعقر دارها ولكنهم فروا مدحورين . وتوالت السنون طوالا على قبيلة براقش بهذه الصباحات المظلمة الى درجة ان الكثيرين من ابنائها تمنوا ان ينقذهم الاغراب من هؤلاء الشيوخ ……
وشاءت الحياة ان ياتي هؤلاء الاغراب من الطين والتراب ومن البحار والاجواء يركبون البغال والحديد ويرمون السهام والنار وتزحف معهم القرود والكلاب وينفخون في ابواق الدم حاملين معهم الامل والفرح ممزوجة بالاكاذيب والخراب وداخلين من حمى القبائل المجاورة من الاعراب التي تشترك مع براقش بالدم البدوي ولكنها تفترق عنها بالحقد عليها بسبب نزاعات الشيوخ وبسبب الغيرة منها لجمال اهلها وحصونها وخوفا منها ان تستعيد امجادها فتنشر لهم الحب والخير والقلم والقرطاس فيعم نورها على ارضهم ويمحو ظلامهم ويمحق حق براقش باطل تلك القبائل التي تكاتفت مع الاغراب من اجل ان تحقق رغباتها المدفونة بتدمير براقش وسرقة خيراتها وتمزيق وحدتها ….
ومن هنا بدأت الاضواء التي كانت نائمة في وعي الارض الحبلى بالآلام تنير المسرح الباكي وتظهر عورات غالبية الممثلين من مختلف الملابس والادوار ،في الجبال والاهوار ،المجاهدين منهم والثوار ،من يفرقون الطماطة عن الخيار ، وحتى (المتقين) والفجار .وما نجى منهم الا الاحرار ومن حفظه الله الجبار وصان نفسه عن الانهيار …..
واول ماظهر من القبيلة ان الكثيرين من اهلها خرجوا الى الشوارع وكل منهم يمد يده في جيبه ليسرق مافيه ويخرجها ملوحا بها وفرحا بما سرق من نفسه !
فبان زيف القبيلة واكذوبة وحدتها وبكى شرفائها على حالها ولعب بالقبيلة شيوخها وتحزب رجالها ونساؤها ومالت افخاذها كل بزعامة وجيه منها الى اخوالها وتخلت عن اعمامها ورفعت رايات حرب لها ونسب كل منهم شجرته الى امه واهلها وتركوا انتسابهم لبراقش فصار البعض من اهل اليمين واخرون من اهل الشمال وانحاز بعضهم للغربية وتنادى اخرون لقبيلة جنوبية وعشعشت بينهم قبائل الجوار فاقتتل البراقشيون على الدينار وتنافسوا على حرق الاشجار وتدمير الديار وذبح الاخيار وبيع بناتهم بالدولار ….
وجاءت الآمال بصيحة الصناديق مدوية رفعتها عمامة المرجعية ورددها القوم بعفوية وانتخوا بالقيم العربية والاصالة البراقشية من اجل القبض على الشيوخ والافندية الذين دمروا المدنية والخيام القروية ولمعت عيون البنات باللعب وفرح الصغار وانتظرت العجائز حفلة الصناديق ..
ولكن الذين ذهبوا لتزيينها بالورود لكي يوفوا بالوعود نقضوا كل العهود واعادوا الاقفال والقيود ولطخوا الوجوه بالعار لانهم اكملوا مسيرة عرجاء وصوتوا لشيوخ الفتنة والفساد واعادوا الفاشلين الى كراسي مشيخة القبيلة من اجل ان يستمروا بتدميرها ونهبها وبعدها رفعت القبيلة صوت نحيبها على مأساة واقعها وتقصيرها كما في كل مرة وكإن مسؤوليتها هي ان تمارس دورها المستمر بصناعة الكراسي للفاشلين والفاسدين وبعدها تبكي لانها اجلستهم عليها …
ومابين كرسي وكرسي وصندوق وصندوق واجب القبيلة هو النواح سواءا بالكتابة او باللقاءات او غيرها لاحساسها بانها جنت على نفسها / هذه هي الحقيقة فمتى تصحوا القبيلة على حالها …
فلا تتألمي براقش على حالك
لان المأساة دوما هي خيارك