بحكمة الفلاسفة وحنكة السياسيين وبخطوات واثقة ومحسوبة بدقة طرق الرئيس فؤاد معصوم الحديد وهو ساخن على صعيد اهم مفصلين في العلاقات بين العراق والمملكة العربية السعودية, المذهبي والسياسي. لم تفلح مساعي من سبقه في تحقيق اي اختراق في كلا المفصلين. سياسيون كثر حاولوا ولم يفلحوا. ومثلهم فعل رجال دين من كلا المذهبين. الان الامر اختلف. فلقد سمعنا كلمة طيبة من السيد السيستاني تدعم جهود الرئيس فؤاد معصوم في الانفتاح على السعودية. وبالمقابل سمعنا كلمة حق من الملك عبد الله بحق السيستاني حين قال بالحرف الواحد ان “السيستاني رجل عاقل وانا احبه”.
زيارة الرئيس فؤاد معصوم الى المملكة العربية السعودية والتي كان لي شرف مرافقته فيها في اطار وفد اعلامي بدات من النجف لا من بغداد. ولهذا الربط دلالته العميقة لاسيما حين يتعلق الامر بخلاف سياسي بخلفية مذهبية ليست خافية على احد. لذلك اختلط المذهبي بالسياسي في المباحثات واللقاءات والمشاعر المتبادلة بين الوفدين حيث حرص الرئيس معصوم ان يكون برفقته وفد يمثل مفاتيح العلاقة بين الطرفين وهما وزيري الخارجية (ابراهيم الجعفري) والداخلية (محمد سالم الغبان). وفي سياق اهمية ان تبدأ مثل هذه الزيارة من النجف فان ما حظيت به الزيارة من تشجيع منقطع النظير من مراجع النجف الاربعة الكبار وكذلك من  اية الله محمد اليعقوبي ومن العلامة محمد بحر العلوم اهميته في امكانية تذليل العقبات الاخرى. وبالفعل فان هذا الربط كان له فعل السحر حين كانت قلوب الاشقاء السعوديين مفتوحة قبل ابوابهم. ففي قصر الضيافة الملكي الذي اقام فيه الوفد زارنا الامير سعود الفيصل وزير الخارجية الذي كانت مشاعره تجاه العراق تسبق كلماته. فحين سئل عن افتتاح السفارة السعودية بالعراق كان جوابه انها سوف تفتح باقرب مما تتصورون. وعن امكانية زيارته العراق قال انا اتشوق لزيارة العراق وكلانا يحمي الاخر.. السعودي حامي العراق وبالعكس.
ما حصل يقع في سياق تفاهم تاريخي بين الرياض وبغداد والنجف.ولهذا بحد ذاته دلالته الهامة التي تتطلب عملا جبارا من قبل الجهات التنفيذية في كلا البلدين. لا اريد ان افرط في التفاؤل نظرا لصعوبة بعض الملفات مذهبيا او سياسيا لكن ما ينبغي التاكيد عليه ان كلا الطرفين ادركا بعد هذه القطيعة ان الوقت لم يعد يعمل في صالحهما. فالتحديات تبدو اكبر والمهام جسام. وما كان يجري تصوره على انه مساحة اختلاف كبيرة وهو ما غذته اقلام بعضها مأجور والاخر موتور من كلا الطرفين فانه بدا حيال ما بات الطرفان يعيشانه من تحديات مشتركة  وآمال كبيرة للمستقبل في مرحلة التلاشي. ومع استكمال العديد من الخطوات الاجرائية فان ما  حققه الرئيس فؤاد معصوم في اقل من 72 ساعة بين بغداد والنجف والرياض ومكة المكرمة عجز عنه سياسيون وقادة ورجال دين عبر اكثر من سبعة عقود من الزمن. ميزة معصوم انه طرق الحديد وهو ساخن.