لا تتحقق الانجازات الكبيرة ، إلا بوجود إرادة قوية وعزم لا يلين يقفان ورائها … فبعد الانتصار الكبير الذي تحقق في امرلي ، تلك المدينة الصغيرة التي صمدت بإرادة وشجاعة أبنائها ولأكثر من شهرين بوجه الإرهاب ، الذي أطاح بمدن كبيرة لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال ، بحجم هذه الناحية من حيث عدد السكان ومساحتها وأعداد القوات العسكرية من جيش وشرطة التي كانت متواجدة فيها … غير إن هذه المدينة صمدت لان أهلها أرادوا لها أن تصمد وان تبقى عصية على التطرف والهمجية ، وهذا بدوره مكن قوات الجيش والحشد الشعبي من استعادة المبادرة والقيام بعملية فك الحصار عليها ، حتى أسقطها الإرهاب من حساباته وانكفأ إلى حيث كان بعيدا عنها … إن هذا النصر على الرغم من محدوديته وصغر المساحة الذي تحقق فيها ، إلا انه حمل زخما معنويا هائلا ليس للقوات المسلحة فحسب بل للشارع العراقي الذي أذهله وأربكه السقوط السريع والمفاجئ لمحافظة الموصل ثاني اكبر مدن العراق من حيث عدد السكان ، وللتمدد الذي حصل لداعش وحلفائها بعد هذا الانهيار حتى أصبحت بغداد في دائرة الخطر … وجاءت ثمار هذا الدفع المعنوي ونشوة النصر التي تحققت في امرلي لتثمر في أهم واخطر المناطق المحاذية لبغداد ، ألا وهي ناحية جرف الصخر تلك المنطقة الزراعية ذات البساتين الكثيفة والمتداخلة والتي تقع على بعد 60 كيلو متر جنوب غرب العاصمة وذات مساحة لا تتعدى الخمسون كيلو متر مربع بمقاطعاتها الزراعية السبع .. (الفاضلية ، صنيديج ،الفارسية ، الحجير ،الباج الشمالي ، الباج الجنوبي ،هور حسين ) .. والتي تحولت إلى ملاذ امن للإرهاب طيلة الأحد عشر سنة الماضية وعجزت القوات الأمريكية بكل عدتها وعديدها على فك شفرة هذه الناحية والولوج إليها .. حتى أصبحت خنجر في خاصرة بغداد والمحافظات المجاورة لها ، وتحولت إلى قاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية والسيارات المفخخة باتجاه بغداد وبابل وكربلاء ، … فكانت صولة رجال الجيش وأبطال الحشد الشعبي والتي نتج عنها تحرير هذه الناحية من سطوة الإرهاب هي المنجز الأكبر وعلامة فارقة يجب التوقف عندها واخذ العبر والدروس من هذه التجربة العسكرية التي وضعت حملة مكافحة الإرهاب في العراق على الطريق الصحيح … وأثبتت للغير ممن كانوا يراهنون على التدخل الخارجي في هذه الحرب بأن أبناء العراق وحدهم قادرين على صنع الانتصارات وبجهودهم الذاتية وبأقل خسائر بشرية ومادية ، دون تدخل أو وصاية من الآخرين … لكن بقي أن نشير إلى عنصرين مهمين لإدامة هذا النصر والاستفادة منه …
إن الوصول إلى القمة ليس هو نهاية المطاف أو تمام الغاية المنشودة ، بل الحفاظ على البقاء في القمة هو الهدف الأعم والأسمى ، تحررت جرف الصخر وتحولت بعزم ودماء العراقيين الشرفاء إلى (جرف النصر) ، لكن المطلوب الحفاظ على هذا النصر واستثماره بالشكل الأمثل من قبل أصحاب القرار ومن يجلسون على قمة الهرم الوظيفي في اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية في العراق ، فهذا النصر يحتاج إلى استدامة ومطاولة في الحفاظ عليه من خلال استمرار التواجد العسكري المكثف في هذه المنطقة ودعم القوات المتواجدة فيها لوجستيا ومعنويا ، وتحويلها إلى منطقة عازلة وخط اخضر يفصل بغداد والمناطق الجنوبية عن المنطقة الغربية التي لازالت تعاني من سيطرة الإرهاب على أجزاء كبيرة منها … وهذا بدوره يولد امن نسبي للعاصمة بغداد وتخفيف الضغط عليها ، كونها هدف سيتراتيجي ومعنوي للجماعات الإرهابية … ويمكن تعميم ما حصل في جرف النصر ليستطيل إلى مناطق أخرى من العراق لازالت خارج سلطة الدولة ، والاستفادة من تجربة الحشد الشعبي الذي لولاه لما تحقق مثل هكذا انجاز أذهل الكثير من المراقبين للشأن العراقي … إن الرجال الأبطال الذين كسروا حاجز الخوف وأطاحوا بأسطورة داعش التي روج لها الإعلام العالمي والإقليمي ، في هذه الملحمة الخالدة والتي يمكن اعتبارها بوابة النصر الناجز على الإرهاب وحلفائه ، يستحقون هؤلاء الأبطال كل الثناء والتقدير وان تنحني أمام شجاعتهم وتفانيهم الهامات فقد فعلوا ما عجزت عن فعله جيوش الدول العظمى .