اعتادت أمم الأرض وشعوبها النابضة بالحياة أن تستذكر رجالها الأوفياء العظماء في مناسبة وفي غير مناسبة تقديراً لدورهم ووفاءً لهم ، بما حققوا في حاجاتها ومتطلباتها وطموحاتها في الحياة – والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ، يتشرفون ، باستذكار فاجعة كربلاء ويحيون مناسكها كل عام ، على مدى أحقاب التاريخ الإسلامي ، بل طالما يستذكرها مفكرون وفلاسفة وقادة وأدباء ، من غير المسلمين ، تثميناً لعظمة صبر الإمام الحسين وشجاعته وتضحياته وأنصاره ، من أجل المبادئ والأهداف العليا ، فهو u لم يجود بنفسه وأولاده وأنصاره من أجل رغبات وطموحات نفسية خاصة وإنما ثورته كانت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحقاق الحق ، وإزهاق الباطل الذي دسَّ وحرّف في منهجية رسالة جده محمد رسول الله (ص) وتصحيح مسارها القويم ويتضح ذلك من خلال رسالته التي كتبها إلى أخيه (محمد بن الحنفية) ، قبل خروجه من المدينة { بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد بن الحنفية : أن الحسين يشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، جاء بالحق من عنده ، وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحقّ ، فالله أولى بالحقّ ، ومَنْ ردَّ عليّ هذا ، فأصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم ، وهو خير الحاكمين}
فيزيد كما وصفه التاريخ الإسلامي – بأنه عابث مستبد بالحكم لاهٍ سكير مُحاط ببطانة سوء … وهذا يتنافى مع ضرورة أن يكون الخليفة ضمن مواصفات إسلامية تتلخص بالعدل والتقوى والنزاهة بالعمل والمقدرة العلمية المرتفعة والكفاءة المتميزة والمستوى الاخلاقي الرفيع ، فالواجب الملزم ، هو الذي دفع الإمام الحسين u إلى القيام بوجه يزيد ولاسيما وصلته عشرات الرسائل ، من أهل العراق ، تدعوه لإنقاذ دين جده ، من الانحرافات الخطيرة ، فالحسين ليس بمسلم عادٍ ، فهو إمام مفترض الطاعة ، عليه تصحيح الانحرافات ، التي تهدد الإسلام ومما يستدل على سوء أخلاق يزيد ووالده معاوية ، لم يرعيا حرمة رسول الله (ص) بقتل سبطه وريحانته ، ولم يحدثنا التاريخ الإنساني عن أمة من أمم الأرض قتلت أولاد أنبيائها ، باستثناء اليهود ، ومعاوية ويزيد تجرئا على الله ورسوله ، بقتلهما لرجلين – الحسن والحسين – طهرهما الله في محكم كتابه الكريم {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} (الأحزاب/33) وخصهما الله بالسلام {سلام على آل ياسين} (الصافات/130) وياسين : محمد(ص) بإجماع الفقهاء – الشيعة والسنة – فالقرآن الكريم خصَّ آل محمد بهذا السلام من دون الآل ،
وهم {محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين} أصحاب الكساء بشهادة كل الفرقاء ، ما عدا النفر الضال … فَتُؤكد إنّ حبّ المسلمين للحسين ، لا لقرابته من رسول الله (ص) وإذا كان الأمر هكذا فحب أبو لهب أولى ، لكونه عم رسول الله (ص) .
فحبنا للحسين u حباً موضوعياً إسلامياً وهم يدعون أشياعهم {حبونا حب الإسلام} أما من يحبه عاطفياً ولم يسلك سلوكه العبادي والتربوي السلوكي ، فالمنطق يقول أنّه ليس من الإسلام والتشيع ، سوى الأسماء والأثواب ، فالصورة المثالية للمسلم الشيعي نستخلصها من خلال حديث الإمام محمد الباقر u { والله ما شيعتنا إلا مَنْ أتقوا الله وأطاعوه … وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع ، وأداء الأمانة – لبرٍّ أو كافر- وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة ، والبرّ بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والايتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس …} ويقول الإمام علي بن الحسين u {خلق الله الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً …} أما من أرتدى أثواب الشيعة دون العمل بأحكام القرآن الكريم وسنة رسوله (ص) فليس له من الإسلام والتشيع غير الاسم ، لذلك ترى بشراً على مختلف القيادات والرتب والمسؤوليات وعامة الناس يعيشون حب الحسين وأولاد الحسين ، فيلبسون السواد ويمجدونهم بالألسن ويثنون عليهم بالمحبة والمودة والاحترام ويطعمون الطعام على حبهم أو يفجون الرؤوس ويضربون الظهور حزناً عليهم … ولكن لو نطلع على أعمالهم وأفعالهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم ، تراها بعيدة كل البعد عن سلوك وطريق الحسين والأئمة الأطهار ، التي هي أساسها ومصدرها كتاب الله وسنة رسوله (ص) فأصحاب السلوكيات الشاذة المخالفة التي لا تنسجم مع القيم والمبادئ والاخلاقيات التي جاء بها الإسلام ، فهذه العلاقة بالأئمة علاقة عاطفية وحبٌّ ليس فيه منهجية تتماشى مع خط آل البيت (ع) القويم وهذا ما لا يرضاه آل البيت ، وإن كانت طبيعة أعمالهم حسنات … لأن المسلم الشيعي الحقيقي ، لابد أن تكون علاقته ، بأل البيت علاقة موضوعية نابعة من أصول تشريعات الإسلام ، إذاً الجنة لمن اتبع آل البيت موضوعياً لا عاطفياً فقط .