يجب احترام العقل الامريكي الذكي والمتطور مثلما يجب رفع القبعة والانحناء احتراما للعبقرية الايرانية ، القرار الامريكي باسقاط نظام صدام حسين بعد احداث ١١ سبتمبر لم يكن القصد منه معاقبته على دعمه ( المزعوم ) للقاعدة ، وبالتأكيد ليس لاجل سواد او زرقة عيون العراقيين الذين اضطهدهم صدام ( صبي امريكا المدلل ) طوال عقود ، لكنه جزء من سياسة مدروسة بعناية ومتفق عليها من قبل كل الحمير والفيلة وحتى الصخول في امريكا وخلاصتها ضرورة نقل الصراع وساحة الحرب الى ارض اخرى .
اكيد ان هذا ليس فتحا ولا اكتشافا تاريخيا ، لان كثير من الساسة والمحللين الامريكيين قد عبر عن ذلك صراحة ، وطبعا ساحة الحرب تلك ، لايمكن ان تكون السعودية باعتبار اغلب منفذي جريمة ١١ سبتمبر من السعوديين ، وايضا ليس لاجل چلاحة عيون الشعب السعودي ولا لاجل خاطر العائلة المالكة الحلوب ، بل لان السعودية ترفد سوق النفط ب ١٠ ملايين برميل يوميا فيما العراق يرفدها ب٢ مليون فقط ويمكن بسهولة للسعودية ان تعوضها وترفع انتاجها الى ١٢ مليون برميل ، ليصبح امام الامريكيين ، وقد حددوا ساحة الصراع ، ان يستجلبوا عدوهم الاساسي ، السعوديين باعتبارهم بغال تنمرت بعد ان تم استغفالها في الحرب الافغانية ، الى تلك الساحة ، ليتخلصوا منهم بيد اخرى ، وهنا جاء افتعال الصراع الطائفي واعادة احياء الفتنة القديمة النائمة ، فهم يقرأون تاريخنا افضل منا ، ويوظفوه بما يخدم مصالحهم ، والامر لايتطلب الا مجرد تلميحة بسيطة لملك السعودية او ملك الاردن ليجند جيشا من الشيوخ ومنصات لهم على القنوات الفضائية ليحول الشيعي البطل ( بنظر العربي السني القومي بطبعه ) الذي يمثله حزب الله ومقاومته لاسرائيل ، الى رافضي فارسي مجوسي ، والفرس المجوس سوف يتحركون ، وطبعا هذا ماتريده امريكا ، واكيد كل فعل او رد فعل منهم سيوظف بالطريقة التي تخدم المصلحة .
كل هذا امر مفهوم ويمكن استيعابه في عالم السياسة والمصالح ، لكن المشكلة ، هنا ، تكمن في القدر الذي وضع امة غبية بين فكي كماشة لامتين عظيمتين ، والانكى ان كل فعل يصدر من هذه الامة يصب دوما في مصلحة طرفي الكماشة .
الشيعة الفرس استطاعوا الخلاص من طاغيتهم بارادة محلية ونجحوا في بناء دولة ليس امامها الكثير لتصبح في مصاف الدول الكبرى ، رغم العقوبات الغربية في حين ان الشيعة العرب في العراق خدمتهم الارادة الامريكية في التخلص من طاغيتهم ولم ( ولن ) ينجحوا في بناء دولتهم لانهم اعتادوا طوال قرون لعب دور التابع الذليل المقهور المتأسي باللطم والبكاء والعويل ، ولولا الرعاية الابوية الايرانية لما استطاعوا البقاء في السلطة كل هذه الفترة ، اذ نجحت ايران في اقناع الشيعة بمخاطر خروج السلطة من ايديهم لذلك تراهم يتقاطرون على صناديق الاقتراع ليعيدوا انتخاب ذات الفاسدين والفاشلين الذين طالما شكوا منهم ، في المقابل نجح المحيط العربي باقناع السنة بفكرة ( التهميش ) الى الحد الذي يقول فيه ساسة بمناصب عليا في الدولة انهم مهمشون ، وربما هذه الفكرة لن تزول حتى بعد الحصول على كل المناصب الرئاسية .
في مقابل التخطيط الامريكي الذكي لنقل الصراع الى خارج ارضها وتوظيفها لادواتها في المنطقة وفي مقابل التخطيط الايراني الذي يتسم بالدهاء في التعاطي مع هذا الصراع ونتائجه التي تصب دوما في الصالح الايراني ، نجد التعاطي العربي والعراقي حكوميا وشعبيا بشقيه السني والشيعي يتسم بالبلاهة وتتغلب فيه العاطفة ، اكتفى الساسة فيه بالخضوع للاملاءات الخارجية ، امريكية وعربية كانت ام ايرانية ، وانصرف الشعب عن حالة العنف والقلق والرعب اليومي الذي يعيشه الى تبادل الشتائم والاتهامات ، فكل مايخالف وجهة النظر السنية هو رافضي صفوي وابن متعة وكل مايخالف وجهة النظر الشيعية هو ناصبي بعثي ابن جهاد النكاح ، لم يلتفت احد الى وقوعنا في الشرك ، ولا الى حرب النيابة التي نخوضها عوضا عن اخرين ولم نلتفت الى وطننا وكيف قتلنا روح المواطنة فينا لنبعث بدلها روح الطائفة والعشيرة ، لم نلتفت الى مصير اجيال قادمة وكيف ستعيش في هذه الدوامة ، دوامة الموت المستمرة التي لاتكلف امريكا ولا ايران فلسا واحدا ولاقطرة دم واحدة ، فيما تستنزف كل قدراتنا المادية والبشرية الى حد الخواء والافلاس والفناء ،
هذا لايعني ابدا ان نساوي بين امريكا وايران في كم الاذى الذي لحق بنا ، فلامريكا الفعل وماتفعله ايران لايمثل الا ردة فعل تقتضيه مصالحها القومية ( لا المذهبية ) ، وقد تكون وجهة النظر هذه تنبع من جين طائفي يسكنني لكني اجد عصيا علي فهم شيطنة ايران بهذه الطريقة رغم خلو خطابها من اي توجه طائفي او عنصرى عدا المعاداة لاسرائيل ، واشعر بالشفقة على الذين اتخذوا من اكذوبة نشر التشيع وسيلة لتغيير وجهة الصراع في المنطقة ولم يحاول احدهم ان يسأل نفسه هل عقيدة السني هشه لهذه الدرجة ولماذا لم تحاول ايران ان تفرض التشيع على مواطنيها الذين يعتنقون مذاهب واديان اخرى ؟
وهذا لايعني ايضا ان نحمل المسؤولية كاملة على امريكا فهي الاخرى تحركها مصالحها ، لكن السؤال اذا عجزنا عن امتلاك وسائل القوة والمواجهة الحقيقية فلماذا نعجز حتى عن مجرد فهم اللعبة ، لماذا نرضى ان تكون ارضنا ساحة صراع ولماذا نضع كل ثرواتنا ودماء ابناءنا وقود لحرب لاناقة لنا فيها ولاجمل ، تمسخ انسانيتنا وتجرف وطننا .
ولماذا لايعي السنة العرب ان حملات تجييشهم ضد الشيعة وخصوصا بعد تموز ٢٠٠٦ لم تجلب لهم الا الويل والخراب ، ولماذا لايسأل ملك السعودية وامير قطر وابنه عن حصيلة مليارات الاموال وملايين اطنان الاسلحة التي صرفوها نصرة لاهل السنة في مقابل تومانات ايران المحاصرة ؟. في ٢٠٠٦ كان لايران حليف واحد او سمه ذراع في لبنان وهو حزب الله واليوم اصبحت لهم اليد الطولى في العراق وسوريا واليمن وغدا في البحرين وقريبا في شرق السعودية ذاتها ، فمالذي جناه السني من هبة ملوك وامراء الخليج لنجدته من عدو متخيل غير صرفه عن العدو الحقيقي ومزيد من الدمار والموت . الاجابة على ذلك مستحيلة لان الفهم ، يبدو ، مستحيل ، ولهذا ينتصر العقل الفارسي المتطور في حربه مع العقل العربي البدوي المتخلف ليستمر السنة في خسارة السلطة والنفوذ والمال الذي جمعوه من تسهيلات الحقبة السابقة لينتقلوا بعد تبنيهم لفكرة التهميش الى مرحلة خسارة الارض والارواح، فيما يحتفي شيعة العراق بنصر استمرار سلطة ساستهم اللصوص واستمرار نزيف دمائهم في الشوارع والاسواق ، بمزيد من اللطم والتطبير وكأن عقود الحزن والفجائع وشلالات الدم المتدفقة حتى يومنا هذا لاتكفيهم !