23 ديسمبر، 2024 9:15 م

فشل سياسة فرض الامر الواقع

فشل سياسة فرض الامر الواقع

العقل الشيعي السياسي بدأ يناور ويحاور ويتجه الى سياسة الحوار والتهدئة في العراق والمنطقة بشكل عام ، بعد ان اعتمد لفترة مابين 2005 ولغاية 2014 كل انواع الشدة والبطش ضد خصومه في الداخل والخارج ، ففي الداخل ، شن حربا طائفية ضروسا ضد المكون السني عامي 2006 ــ 2007ذهب ضحيتها مئات الالاف من الضحايا ، ولم يتورع عن القيام بقطع الميزانية عن الشعب الكردي”حلفاء الامس”ووضع حصار اقتصادي شديد عليه ، وكذلك الامر بالنسبة لدول الجوار العراقي ، وخاصة “البحرين والسعودية”فقد انتهج ضدهما سياسة عدوانية متشددة وحاول ان يعكر صفوهما ويزعزع استقرارهما ويشعل نار الفتنة الطائفية فيهما ، في مسعى لفرض سياسته الراديكالية المغالية في تطرفها على منطقة الخليج بشكل عام ، ومن اجل الوصول الى هدفه هذا سلك كل الطرق الممكنة ؛ من الدخول في المحاور الدولية وعقد التحالفات الاقليمية الى تشكيل الميليشيات الطائفية والدفاع عن الانظمة الطائفية التابعة له ونشر الفكر الشيعي بصورة منهجية ووفق خطة مدروسة وتصديره الى البلدان بتمويل مفتوح من خزينة الدولة العراقية العامرة ، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفن المنظرين الشيعة الراديكاليين والمعولين على استراتيجية فرض الامر الواقع بالقوة ، وكانت اول هزيمة لهم والتي ادت فيما بعد الى تغيير مسارهم الاستراتيجي على الاقل في المرحلة الحالية والتوجه نحو التهدئة والحوار والتوصل الى حل توافقي ، جاءت من البحرين ، حيث فشلت المحاولات الطائفية الحثيثة للمعارضة الشيعية المدعومة من المنظومة الشيعية السياسية في المنطقة بقيادة”ايران”في تغيير سياسات الدولة باتجاه التبعية كما في العراق وسوريا ولكنها اخفقت في تحقيق مآربها الطائفية ..والهزيمة الثانية التي منيت بها العقلية الشيعية الحاكمة في بغداد وطهران والتي اجبرتهما على تجرع السم الزعاف على مضض والرضوخ لمنطق العقل المتفتح واتخاذ مبادرة نحو تبني سياسة واقعية قائمة على المشاركة السياسية والمصلحة المتبادلة واللجوء الى الحوار البناء في حل القضايا بعيدا عن الصراعات غير المجدية واثارة الازمات والمشاكل مع خصومهم ، وفرض السياسات بالقوة.. والهزيمة الاخرى جاءت من قبل تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”عندما استولى على ثلث مساحة الاراضي العراقية ومن ضمنها مدينة”الموصل”الاستراتيجية والمدن الاخرى في الوسط وغرب البلاد واقترابه من بغداد العاصمة ولولا الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ارتكبه التنظيم الارهابي بتغيير مسار زحفه من بغداد الى اقليم كردستان فجأة ودون اي مبرر سياسي يذكر ، لسقطت العاصمة بايديهم منذ فترة ..

كانت لهاتين الاخفاقتين اللتين منيت بهما العقلية الطائفية التوسعية بمثابة الصدمة التي لخبطت كيانها وغيرت من لغتها المتشددة وزعزت ثوابتها الفكرية والسياسية ، فسارعت الى تغيير الحكم في العراق وازالة رمز التشدد الطائفي والسياسي المثير للفتن والازمات في العراق ؛ رئيس الوزراء العراقي السابق”نوري المالكي”والمجموعة من”الصقور”المحيطة به من المتطرفين المغالين ، واستبدالهم باخرين اكثر انفتاحا ومرونة مع الخصوم الداخليين والخارجيين ، فعلى الصعيد الداخلي تم اختيار “حيدر العبادي”ليحل محل لائيس الوزراء السابق ، وهو على الرغم من انتمائه لحزب”المالكي”ولكنه يتميز بالهدوء (الايام القادمة ستظهر اذا كان هذا الهدوء يسبق العاصفة ام لا؟!) ويحظى بنوع من القبول لدى الشركاء السياسيين العراقيين ، وفور تسنمه المنصب ابدى مرونة مع الاحزاب السنية وسلمها وزارات مهمة ومن ضمنها وزارة الداخلية التي كان”المالكي”قد حصر صلاحيتها بيده ورفض اعطائها لها ، وكذلك تحرك نحو اقليم كردستان وعقد مع الاكراد اتفاقية لانهاء الخلاف النفطي معهم ، اما على الصعيد الخارجي ، فقد انطلقت وفود رفيعة عالية المستوى ممثلة برئيس الجمهورية ووزير الخارجية والمالية الى الدول المجاورة ذات الثقل الدولي والاقليمي”المملكة العربية السعودية وتركيا”لفتح صفحة جديدة معهما ونبذ الخلافات وحلها بطرق سياسية ، وما يميز الحراك الشيعي الجديد في المنطقة ، ان المرجعية العليا هي التي تقود وتتولى هذا الحراك السياسي

وتشرف على المفاوضات الجارية ، وهذا ان دل على شيء ، فانه يدل على حجم المخاوف لدى اقطاب الفكر الشيعي من ان تتعرض استراتيجيتهم في المنطقة الى اخطار محدقة ويفشل مشروعهم القائم على التوسع والاخضاع ، لذلك لجأوا الى سياسة الملاينة والملاطفة والتهدئة مع خصومهم التقليديين في محاولة ذكية منهم لاخذ ما يريدون اخذه بالسياسة والحوار بعد ان عجزوا عن اخذه بالعنجهية والقوة ..

وليس مصادفة ان يتزامن انتقاد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الايراني”علي اكبرهاشمي رفسنجاني”شتم الشيعة للصحابة في هذا الوقت بالذات ، فالنظام العام للسياسة الشيعية في المنطقة للمرحلة الحالية ، سواء في ايران او في العراق او في سوريا ، تقتضي التوجه نحو الانفتاح على الاخرين ولو مؤقتا و..من باب”التقية”السياسية ..