22 نوفمبر، 2024 11:00 م
Search
Close this search box.

عندما يتحول الدين الى سبب لشقاء المجتمعات فهناك خطأ ما .

عندما يتحول الدين الى سبب لشقاء المجتمعات فهناك خطأ ما .

ارفعوا القدسية عن بعض المسميات .
بادئ ذي بدء اقول .. اشهد ان لا اله ألا الله وان محمدا رسول الله .. تأكيدا لإسلامي كي لا اتهم بالكفر فلا اسهل من التكفير في هذا الزمن ..

لاشك في اننا نعيش اليوم مرحلة خطيرة من تاريخ الشعوب المسلمة , يشوه فيه الاسلام (بتقصد او بدونه) من قبل مجموعات مسلحة متطرفة تدعي الانتماء اليه و تمارس باسمه كل ما يتخيله العقل البشري من جرائم . ورغم ما تمثله هذه الجماعات من خطورة على الاسلام إلا ان التصدي لها لا يرتقي لمستوى خطورتها , فالمجتمعات الاسلامية انقسمت ازائها الى مؤيد لها ويتمثل بشباب متحمس اغرتهم الشعارات البراقة التي ترفعها وأثارت عاطفتهم الدينية فانجرفوا وراء دعواتها دون تمحيص لماهية هذه المنظمات وأجنداتها , وفئة اخرى تجنبت حتى التفكير فيما يحصل خوفا على دينها وحفاظا عليه , وثالثة تولدت لديهم ردود افعال سلبية تجاه كل ما يتعلق بالإسلام وأصبحوا اقرب الى الالحاد منه للإيمان , والفئة الرابعة وهم القلة ممن يميزون بين الصورة الحقيقية للإسلام و الاسلام المشوه الذي تقدمه هذه المجاميع . والفئة الاخيرة هذه تنقسم الى قسمين , فمنهم من اختار الصمت ازاء هذا التشويه ,ومنهم (وهم القلة) من يتصدى لهذا الفكر المنحرف ويكشف بطلانه . ونحن يهمنا هنا القسم الثاني من الفئة الرابعة .

فالتصدي لهذه الافكار لا يكون بمواجهة نتائجه وأعراضه مثلما يحصل الان , فمحاربة داعش عسكريا من خلال الحملة الدولية عليها , و تجفيف مصادر تمويلها , او منع الافراد من الالتحاق بها ,والتضييق على المساجد ورجال الدين ..كل هذه الخطوات في رأينا ستكون لها مردودات عكسية تعزز من تأييد شريحة واسعة من الشباب لها اذا لم يرافقها خطوات اخرى . حتى وان نجحت المساعي هذه وتم القضاء على داعش , فليس مستبعدا نشوء حركات اكثر تطرفا وهمجية من داعش ما لم تحارب الافكار التي نشأت على اساسها هذه التنظيمات. واستهداف هذا الفكر المنحرف هي مسئولية رجال الدين بالدرجة الاولى , فهذا الفكر لم يترعرع ولم ينمو إلا على مرأى ومسمع من رجال الدين المسلمين دون ان يقفوا بوجهه او يحاربوه وهو في مهده . وحتى الدعوات الخجولة التي نسمعها مؤخرا من بعضهم ببطلان فكر داعش ومهاجمته لا تعدو إلا انعكاسا لمواقف حكوماتهم السياسية وتماشيا معها .

فإذا ما اراد رجال الدين انقاذ البقية الباقية من الاسلام فعليهم التحلي بالجراءة ومواجهة هذه الافكار بصلابة للحفاظ على سماحة الاسلام وتعاليمه الحقيقية , وهذا لا يتأتى إلا من خلال الخطوات التالية : –

* مراجعة شاملة وشجاعة للتاريخ الاسلامي وكشف النقاب عن حقيقة رأي الدين في مفاصل عديدة لهذا التاريخ , كانت نكسات حقيقية للفكر الديني , ومع ذلك حاول المسلمون التغاضي عنها وتبريرها من خلال روايات وأحاديث غير مقنعة .

* رفع القدسية عن بعض الشخصيات في التاريخ الاسلامي , حاول المسلمون تنزيهها وتجميل اخطائهم ظنا منهم انهم بذلك يحمون الدين . فالمقدس في الاسلام لا ينسب للبشر وإنما للعقيدة , فالبشر خطاءون , وعندما تنزل المقدسات من المستوى الالهي الى المستوى الدنيوي فإنها تفقد قدسيتها , تماما مثلما فقد ادم القدسية بنزوله من الجنة الى الارض حسب الطرح الاسلامي .

* عدم التغاضي عن اخطاء ارتكبه بعض الصحابة بحجة ان الله قد غفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر , فالغفران عن الذنب لا ينفي صفة الذنب على الفعل نفسه , ويجب تقييمه كما هو . كي لا يأتي بعد ذلك مسلمون يتبنون نفس الذنب بحجة صدوره عن صحابة مغفور لهم .

* غربلة الاحاديث وتقيمها بما يتوالم مع القران والعصر , فاغلب ممارسات هذه الجماعات تعتمد على احاديث قد تكون صحيحة وقد لا تكون . وحتى الصحيحة منها فالحكم بصحتها مبني على تقييم ائمة الحديث وفق علم خاص يسمى علم الحديث ولكن هذا لا ينفي كون التقييم هو تقيم بشري مهما تحروا الصدق فيه , وبما ان الحديث دخل فيه هذا العامل البشري فمهما كانت صحته فلا ينزهه , ولهذا فليس من المعقول اخذ الاحاديث كقوانين مسلم بها والعمل وفقها خاصة في الممارسات التي فيه شبهة ( الكبائر) مثل تحليل قتل انسان او الالتباس بين الاغتصاب والسبي كما تفعل هذه الجماعات في الوقت الراهن . نعم ان كلام الرسول مقدس ولكن بمجرد تدخل العامل البشري فيه يفقد هذه القدسية ويحتمل الخطأ والصواب ايا ما كان الحذر في تحري الصدق فيه .

* هناك الكثير من الاحداث التاريخية وقعت دون ان تمثل الاسلام بقدر ما تمثل طبيعة بشرية تأثرت بالمكان والزمان المعاشين , يصعب تطبيقه في زمان ومكان اخرين , وما الاختلاف الموجود في الرسالات السماوية من اليهودية الى المسيحية والى الاسلام إلا بسبب هذين العاملين , بل وحتى في الاسلام نفسه فان التعاليم الالهية اختلفت من مكان الى مكان بين مكة والمدينة ومن ظرف الى اخر , ما يعطينا مؤشرات من الله سبحانه وتعالى بعدم اخذ الاوامر الدينية كقوالب جامدة ان لم تنزل فيها اية في القران تمنعها او اشارات للمنع .

* بما ان الاسلام هو منهج شامل للحياة فلو وصل الانسان الى افكار ومفاهيم لم يكن من الممكن التحدث عنها والوصول اليها في وقت الرسول عليه الصلاة والسلام بسبب عدم بلوغ البشرية المستوى الانساني الحالي وبسبب تغير طبيعة الحياة فعلى المسلم اخذ هذه المفاهيم الجديدة ( السامية ) على انها من صميم الاسلام ما لم تكن مخالفة للخطوط العامة في الاسلام , كون الاسلام هو وعاء الحكمة والأفكار السامية لأنه الدين الخاتم . فعلى سبيل المثال لم تنضج الظروف في وقت الرسول لتحريم الرق كاملا بل تمكن الاسلام من تشجيع تحريره , ولكننا اليوم نمتلك قوانين بشرية تمنع الرق , فعلى المسلم والحالة هذه اخذ هذا القانون على انه قانون اسلامي ( ان لم يتعارض مع صميم التعاليم الاسلامي ولا تتعارض معه بالطبع ) . ونستطيع قياس الكثير من الامور على هذا الصدد , فلا يمكن مثلا ان تكون هناك مجتمعات غير مسلمة تراعي حقوق الانسان وترفع من شانه ونأتي نحن المسلمين نصر على ارجاع مستوى حقوق الانسان للمستوى الذي كان عليه في عصر البعثة الاسلامية او ما بعده بما انها لا تتعارض مع القران , فكيف لنا ان نتحدث عن السبي والذبح وقد تجاوز العالم هذه الممارسات وينظر لها بشكل اخر ليس كما كان ينظر اليه (كأمر طبيعي) في عصور ماضية حتى وان كان في حالة الحروب .

* توضيح مفهوم الجهاد بالسلاح الذي يكون وحسب المفهوم الاسلامي في حالتين فقط وهما.. أولا لنشر الدين الاسلامي , وثانيا.. التصدي لجيش يقاتل شعبا او جيشا اخر للقضاء على دينه … فأما بالنسبة لموضوع الدعوة فوسائل الاتصال الحالية وحرية التعبير التي تتمتع بها الدول الغير مسلمة تفند اي ضرورة للجهاد في هذا الغرض , اما بالنسبة للحروب فأسبابها الحالية تجاوزت الصراع الديني وأخذت تتجه منحى اقتصادي واستخباراتي احيانا للسيطرة على المقدرات , مما يفرض على المسلمين العمل على تقوية اقتصاديات بلدانهم ليكونوا على قدر مسئولية الصراعات الاقتصادية لا التفكير في الجهاد من اجل( الصراع الاقتصادي ), ولذلك فلا نتصور ان هناك حاليا اي مشروعية دينية للقيام بالجهاد خاصة بالكيفية التي تدعو اليها هذه المجموعات المتطرفة وهو يجاهدون في اراضي سكانها مسلمون سلفا .

العالم الاسلامي مطالب اليوم بمراجعة الفكر الديني الذي يتبناه والذي لا يمثل الاسلام الحقيقي الذي اراده الله عز وجل لنا بقدر ما هو تطبيق لمزاج شعبي وفهم خاص للإسلام ببصمات شعب خرج من شبه الجزيرة العربية و اوصل الدين الى الشعوب الاخرى ممزوجا بنكهة البداوة التي لا تزال تؤثر على مفاهيمه , لذلك فتهذيب هذه المفاهيم وتشذيبها من هذه المفاهيم البشرية هو واجب ديني مقدس يجب على رجال الدين والمسلمين عدم التهاون فيه , وان لم يتم انقاذ ما يمكن انقاذه من هذا الدين فنحن الان امام مفترق طرق … فأما ان نتحول بعد فترة الى شعوب همجية بتبنينا لهذه النسخة المشوهة عن الاسلام , او ان تبتعد هذه الشعوب تماما عن الاسلام لعدم تقبلها الاسلام الداعشي هذا .
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد .

أحدث المقالات