لعل الإختبار الأصعب في الحياة، هو القدرة على ضبط النفس وكبح الأهواء والرغبات، وتحديد الحقوق الفردية والحرص على الجماعية، وتحقيق الهدف العظيم بإنتزاع الأنا، والتحرك بإتجاه مصلحة المجتمع، تحصناً من الإنزلاق والخضوع، وبناء الذات والإخلاص في العمل الأفضل، لخدمة الإنسانية والمجتمع قبل النفس والمقربين في القضايا الجماعية، يقابل ذلك فكر منحرف منحط كان ولا يزال يؤمن بالفجور إماماً والحق عدواً .
يوم تاسوعاء المحك والإختبارالحقيقي في مدرسة عاشوراء، ونقطة الإفتراق بين الحياة والموت والحق والفجور، بين السعادة الدنيوية والسعادة الأبدية بين الخلود والعار، إختبار صعب بين من يعطي ومن يأخُذ.
الإطلاع على الأهداف التي سعى لها الإمام الحسين عليه السلام، والتبصر بها يجعل الانسان يؤمن بعظمتها، كونها مثلت ذرّوة الصراع المتراكم منذ بدأ الخليقة بين الحق والباطل الى يوم كربلاء، ويستمر تكرار المشهد في كل زمان ومكان، رفعت الحاجز بين الحاكم والمحكوم، متخذة شجاعة الموقف باب للحرية، رافضةً الطغيان الفردي والجماعي والفساد، مرتهنة النفس فداء للكرامة والإنسانية والقيم العظيمة، والمساواة والعدالة الإجتماعية، بدعوة صريحة للإصلاح والإنتفاض لتغيير؛ مفاهيم تعميم الفساد ومنطق القوة والإنحطاط والرذيلة.
المباديء التي إنطلق منها الإمام الحسين ثابتة لا يغيرها زمان أو مكان، جسدت ثورة الحق المكبوت على الباطل الحاكم، لإحياء حقوق جماعية من الفردية، فسحت الطريق أمام أنصار تمترسوا بالحق، أمنياتهم عطاء وخلود أبدي، وإنطباع حقيقي لصورة الحياة التي خلق الإنسان لأجلها.
الإمام الحسين كان ولا يزال، صوت يرعب الطغاة والأنظمة السياسية المنحرفة وأعداء الإنسانية، رسم بدمه منار السلام في ربوع الأرض برمتها، من قيمته الفكرية بالشجاعة والإباء والتضحية، ومدرستة تجلت فيها قمة التجارب الإخلاقية والصبر والثبات على المباديء، ويوم تاسوعاء كان الإختبار والمفترق بين طريقين، ونقاط على حروف الضبابية، ورَسم طريق لا غبار فيه. خيار بين الحياة والموت، بين الثبات على المباديء والإنهزام أمام الكفر والتكفير.ش
قضية ونهضة الإمام الحسين، إشعاع إنساني خالد، تقف أمام نشر ثقافتها حواجز وعراقيل أنظمة الفساد، لأنه أبعد الأمة عن الإنحراف الذي يصر على تفجير دروب الزائرين التي لا تنقطع.
عاشوراء قيمة فكرية وتاسوعاء لحظة إنطلاقها، وتجسيد الإنسجام للغاية النبيلة، وإحياء الذكرى تجديد للبيعة، وتعظيم سمو النفس المشعة للإنسانية.
نقول دائماً (ياليتنا كنا معكم) وأعدائنا يتخذون من الإمام الحسين عدواً ويزيد إماماً؛ وبما أن التاريخ يعيد نفسه، وفي كل زمان ومكان حسيناً مذبوح ويزيد داعشي، فعلينا إثبات مصداق النصرة وبيعة الأنصار يوم تاسوعاء، ونشر الوعي الحسيني في أنحاء المعمورة، ونقول أن الحق لا يهزم بالتضليل، ويبقى فكر الإمام الحسين (ع) متوقداً لا يخفي ظلام الإنحراف إشعاعه، وتاسوعاء يوم إختبار ونقطة شروع ولائنا ووفائنا، ومصداق قول السيدة زينب(ع)( لن تمحو ذكرنا)، يبرهن عددنا وعِدتنا وإستعدادنا، ومشروعنا الذي يزلزل الأرض، وصوتنا الذي يجعل العراق مقبرة الدواعش المارقين.